نيويورك تايمز: بعد 4 سنوات من سياسة حرق العلاقات مع الحلفاء هل ينجح بايدن بإقناع أوروبا المترددة؟

2021-06-09

الرئيس الأمريكي، جو بايدن

بدأ الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن أول رحلة خارجية إلى أوروبا وتشمل على سلسلة من لقاءات القمة والمليئة بالطموحات الهادفة لإعادة مصداقية أمريكا مع حلفائها الأوروبيين تحديدا.

لكن الطريق أمام بايدن ليس سهلا، فهناك شكوك قائمة بسبب التجربة المرة خلال الأربعة أعوام مع رئيس لم يتكهن أحد بتصرفاته.

وفي تقرير أعده كل من مايكل شير وديفيد سانغر لصحيفة “نيويورك تايمز” قالا فيه “يجب ألا يكون من الصعب زيارة زعيم أمريكي أوروبا بعد رئاسة دونالد ترامب” و “لكن الرئيس بايدن سيواجه تحدياته الخاصة وهو يغادر يوم الأربعاء في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة روسيا مزعجة والصين الصاعدة والتي تحاول تعبئة وهز التحالف الغربي الذي ظهر من ثنايا وباء فيروس كورونا”.

وسيصل الرئيس بايدن للمشاركة في سلسلة من القمم واللقاءات مدفوعا بنجاح حملة التطعيم ضد كوفيد- 19 وعودة الانتعاش الاقتصادي. وسيقضي معظم الأسبوع المقبل محاولا التأكيد لمن يقابلهم ويحاورهم أن أمريكا قد عادت وهي مستعدة لقيادة الغرب من جديد في المواجهة التي أطلق عليها بين الديمقراطية والاستبداد.

وعلى الأجندة لقاء في بريطانيا مع قادة الدول السبع ومن ثم مشاركة في بروكسل بقمة دول الناتو وانتهاء بلقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في جنيف، وهي أول مقابلة بينهما.

وستكون مهمة الرئيس بايدن هي منح الهدوء الدبلوماسي لهذه التجمعات التي أحرق خلال السنوات الأربع الماضية فيها دونالد ترامب كل العلاقات مع الدول الحليفة وهدد بالخروج من حلف الناتو وتبنى بوتين وغيره المستبدين الذين أعجبته قوتهم.

إلا أن حسن النية التي يحملها بايدن معه لكونه ليس ترامب تخفي وراءها الشكوك حول ديمومة ومصداقية أمريك والثمن الذي على الدول الأوروبية دفعه. ففي سن الـ 78 فالسؤال المطروح إن كان بايدن يمثل آخر الجيل القديم في تعامله مع شؤون السياسة الخارجية؟ وهل ستتحمل أوروبا ثمن ما يمكن أن تكون الحرب الباردة الجديدة مع روسيا؟ وهل سيطلب منها التوقيع على سياسة احتواء الصين؟ وهل سيفي بايدن بوعوده في مجال التغيرات المناخية؟

وستظلل هذه الأسئلة رحلته وهو يتعامل مع الخلافات بشأن التجارة والقيود الجديدة على الاستثمار والتعامل التجاري مع الصين وموقفه الواضح من خط أنابيب الغاز بين روسيا وأوروبا الذي يتجاوز أوكرانيا.

وسيواجه بايدن خلال رحلته قادة أوروبيين يسكنهم الخوف من الولايات المتحدة بطريقة لم تبرز منذ 1945 ويتساءلون عن المسار الذي يسيرون فيه. وقال باربي بافيل، مدير سكوكروفت للدراسات الإستراتيجية والأمنية في المجلس الأطلنطي “لقد شاهدوا حالة الحزب الجمهوري” و “شاهدوا أحداث السادس من كانون الثاني/يناير ويعرفون إمكانية وصول رئيس آخر عام 2024”. ويقول المسؤولون في البيت الأبيض إن الدبلوماسية الأمريكية عادت وللأبد ولكنهم بالطبع لا يستطيعون ضمان ما سيحدث بعد عام 2025. ويتابع الساسة الأوروبيون النقاش الدائر في الولايات المتحدة ولاحظوا أن سيطرة ترامب لم تتزعزع عن الحزب الجمهوري.

وقبل أيام من رحلة بايدن، رفض الجمهوريون تشكيل لجنة من الحزبين لفحص أحداث الهجوم على الكونغرس.

وتمسك المشرعون الجمهوريون بمزاعم ترامب الكاذبة عن سرقة الانتخابات. ويواجه الديمقراطيون مصاعب في جهودهم لتمرير تشريعات شاملة تواجه هجمات الجمهوريين على حقوق التصويت في مستوى الولاية.

ووسط كل هذا ظل ترامب يلمح إلى عودته للرئاسة بعد 4 أعوام. ويقول إيان ليسر، نائب صندوق مارشال الأمريكي لألمانيا “هناك قلق حول السياسات الأمريكية” و “ببساطة، ماذا سيحدث في الانتخابات النصفية؟ وفيما استمرت الترامبية بعد ترامب وماذا سيحدث بعد للسياسة الأمريكية؟”.

وإذا كان مستقبل الولايات المتحدة مصدر قلق طويل الأمد فكيف سيتم التعامل مع روسيا التي تجيد الإرباك.

بوتين وبايدن

ولن يكون هناك لقاء مشحونا مثل اليوم الكامل الذي سيخصصه بايدن للقاء بوتين. وطلب بايدن اللقاء وهو الأول منذ لقاء ترامب قبل 3 سنوات في هيلسنكي والذي أنكر فيه بوتين أي تدخل في الانتخابات الأمريكية.

وجاءت دعوته للقاء برغم تحذيرات ناشطي حقوق الإنسان من أنه سيقوي الزعيم الروسي. وقال جاك سوليفان، مستشار بايدن للأمن القومي إن الرؤساء الأمريكيين التقوا مع نظرائهم السوفييت طوال الحرب الباردة، إلا أن بايدن سيحذر بوتين في لقائهما بأن هناك “رد” حالة لم يحدث أي تغير في السلوك.

لكن العارفين بالنزاع بين واشنطن وموسكو يرون أن سلاح بوتين القوي هو لعب دور المزعج. ويقول ألكسندر فيرشباو الذي عمل سفيرا في موسكو أثناء إدارة جورج دبليو بوش إن “بوتين لا يريد علاقة مستقرة ويمكن التكهن بها” وكل “ما يمكن للواحد أن يأمل به هو جدال الزعيمين حول الكثير من الأمور ومواصلة الحوار”.

ويقول المسؤولون في البيت الأبيض إن الرئيس ليس معنيا بإعادة ضبط العلاقة مع روسيا. فبعد ما وصف بوتين بـ “القاتل” هذا العام فإن بايدن يعرف غريمه. وقالوا إن بايدن ينظر لبوتين نظرته لزعيم مافيا يأمل بعمليات قتل بالغازات السامة وأكثر من كونه زعيما وطنيا. لكن بايدن مصمم على وضع حمايات للعلاقة وتحقيق قدر من التعاون، بدء من مستقبل الترسانة النووية. وهناك وعي في أوروبا حول الترسانة النووية الروسية التي يعتز بها بوتين ولكنها تظل من بقايا نزاع قديم بين القوى العظمى.

ففي الحرب الباردة الجديدة التي أطلق عليها بوتين فإن السلاح المفضل هو الأسلحة الإلكترونية وبرمجية طلب الفدية التي تمنع الدخول لنظام الكمبيوتر حتى يتم دفع مبلغ مالي معين، وهو ما تقوم به عصابات من داخل الأراضي الروسية بالإضافة لحشد القوات لتخويف الجيران مثل أوكرانيا. وسيتبنى بايدن البند الخامس من ميثاق الناتو الذي يعتبر أن أي اعتداء عسكري على عضو هو بمثابة اعتداء على كل الأعضاء. وليس واضحا ماذا يعني الاعتداء العسكري، فهل هو هجوم إلكتروني كالقرصنة على سولار ويندز وشبكات الشركات والحكومة عام 2020. وماذا يعني تحريك روسيا لقواتها وصواريخ ذات مدى متوسط نحو الحدود مع أوكرانيا غير العضو في الناتو. ويقول المقربون من بايدن إنه يعرف استعراضات بوتين من قبل وهذا لا يزعجه. وقال مستشار الأمن القومي لباراك أوباما توماس دونيلون “جوي بايدن ليس دونالد ترامب” و “لن يكون لرئيس الولايات المتحدة أدنى تردد لانتقاد الرئيس الروسي الذي يقود دولة معادية للولايات المتحدة في عدة مجالات”. وعندما حدد بايدن المعركة في القرن الحادي والعشرين على أنها صراع بين الديمقراطيات والاستبداد فإنه كان يعني الصين وجاذبيتها كشريك تجاري ومصدر للتكنولوجيا أكثر من روسيا المزعجة.

وفي الوقت الذي لا تتعامل فيه أوروبا مع الصين كتهديد تجاري أو تكنولوجي أو أيديولوجي بنفس الطريقة التي تتعامل فيها واشنطن، فهو نقاش بدأ بايدن بالفوز به.

وتقوم بريطانيا بنشر أسطول بحري في المحيط الهادئ وهو الأكبر منذ حرب فوكلاند قبل 40 عاما، والهدف هو إظهار وجود مؤقت في منطقة كانت مرة جزءا من الإمبراطورية، بتوقف في سنغافورة وماليزيا وأستراليا ونيوزلندا.

ترامب وجونسون

وفي نفس الوقت مضى رئيس الوزراء بوريس جونسون بخطوات بدأت في عهد ترامب وتسارعت مع بايدن وهو التأكد من عدم حصول شركة هواوي على أي عقد لتركيب الجيل الخامس “فايف جي” في بريطانيا. وتبعت الدول الأوروبية الخطى، لكن بايدن فوجئ قبل تنصيبه باتفاقية الاستثمار الأوروبية الصينية. ولا يعرف بعد مستقبل الاتفاقية، لكن بايدن قام بمواجهتها بطريقة أخرى، ففي الأسبوع الماضي وقع أمرا رئاسيا منع فيه الأمريكيين من الإستثمار في الشركات الصينية في الداخل والخارج والمرتبطة بالجيش أو تكنولوجيا الرقابة المستخدمة لقمع المعارضين والأقليات الدينية. وربما استطاع بايدن إقناع قادة أوروبا في موقفه من التغيرات المناخية، لكنه سيواجه بسؤال إن كان يعمل بما فيه الكفاية. وخلال السنوات الماضية أكد 6 قادة من المجموعة التزامهم باتفاقية باريس بدون أمريكا التي خالفت الإجماع، لكن بايدن أكد على أهمية عودة أمريكا إلى الطاولة. والشكوك مع ذلك تظل قائمة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي