محمود درويش وترجمة الشعر :«القصيدة المترجمة لم تعد ملكا لمؤلفها»

2021-05-18

كلاير بلاسيال | ترجمة: عبدالله الحيمر


يمكن القول إن محمود درويش هو أشهر شاعر عربي معاصر مترجم له بالفرنسية وأكثرهم قراءة. ويرجع ذلك، من بين أمور أخرى، إلى الإيقاع الموسيقي المستقبلي لنصوصه الشعرية: فالثلاثي جبران على وجه الخصوص أدمجوا قراءة قصائد درويش في مؤلفاتهم الموسيقية. وكذلك فعل رودولف برجر، مؤلف عرض «أنشودة سليمان» الذي تخللته موسيقى على إيقاع قصيدة محمود درويش «يطير الحمام يحطّ الحمام» ترجمة عبد اللطيف اللعبي. فإن وجود هذا المشهد هو الذي جعلني اكتشف نصوص درويش الشعرية، وأنا متأكدة من أنني لست الشخص الوحيد من جيلي الذي اكتشف درويش من خلال موسيقى (فاني، وكزافييه، كوكو).
لكن إذا كان درويش معروفا نسبيا في فرنسا، فلأنه، بكل بساطة، يتم توزيعه جيدا، من قبل دار نشر Actes sud سهلة المنال، والمعترف بها؛ وهذا غني عن القول، لكن من الأفضل القول لأنه مترجم.
فكم عدد الشعراء الذين لا يمكن الوصول إليهم بالفرنسية، لأنه لم تتم ترجمتهم أو يترجمون، ولكن لم تنشر أعمالهم الأدبية على نطاق واسع؟ كم عدد الشعراء الذين نعيد اكتشافهم كشعراء لأن ترجمات أعمالهم تبرزهم للوجود في المشهد الثقافي. وأعتقد أن المخرج بازوليني، أعادت الترجمات الممتازة لرينيه دي سيكاتي، التي نشرت في السنوات الأخيرة، اكتشاف العمل الأدبي لهذا المؤلف، الذي كان عمله السينمائي الوحيد معروفا لعامة الجمهور الفرنسي.
دعونا نعود إلى درويش: إنه معروف للجمهور، ويمكننا طرح السؤال الأبدي: هل من الممكن ترجمة الشعر؟
وفي الواقع، نحن بلا شك نفتقد جزءا من النسيج الموسيقي للنص، من خلال قراءته مترجَما. ولكن ليس هذا هو السؤال، نظرا لأن نسبة القراء الناطقين بالفرنسية الذين يقرؤون اللغة العربية ضئيلة للغاية، فلا خيار أمامنا سوى قراءتها مترجمة، أو عدم قراءتها ـ في هذه الحالة سنفقد شاعرا إنسانيا مهما. وهذا بقدر ما يوافق عليه درويش نفسه، ليس كل الترجمات في الواقع، ولكن فكرة الترجمة ذاتها. في مجموعة المقابلات التي أجريت في فلسطين على سبيل المجاز، يقول درويش ما يدين به للترجمة، أولاً وقبل كل شيء في اكتشافه للأدب الأجنبي المترجم إلى العبرية (لغة يتقنها تماما لأنه تلقى تعليمه في مدرسة إسرائيلية):
«جيلي كله يتحدث العبرية بطلاقة. كانت اللغة العبرية نافذة لنا على عالمين. ابتداءا من التوراة أولا. كتاب أساسي رغم كل ما عانيناه باسمه (احتلال فلسطين). هكذا قرأت المزامير، نشيد الأنشاد، سفر الخروج، سفر التكوين. تشكل هذه النصوص مجموعة لا غنى عنها لمن يطمح إلى الاهتمام بالثقافة. ذلك من الأدب المترجم لاحقا. كانت حركة الترجمة إلى العبرية نشيطة للغاية في ذلك الوقت. كانت قراءتي الأولى للوركا باللغة العبرية، وبالمثل بالنسبة لنيرودا. وستندهش إذا أخبرتك أنه باللغة العبرية قرأت المآسي اليونانية لأول مرة. لا يمكنني إلا أن أعترف بالامتنان للعبرية مقابل اكتشافي للأدب الأجنبي».
وعن الترجمة إلى العبرية يقول درويش:
«لسوء الحظ، لم أطلع عليها جميعا. أنا سعيد بالاهتمام الذي أثارته نصوصي. لطالما اشتبهت في أن هذا الاهتمام جاء من دوافع سياسية وليس من دوافع أدبية. أخشى أن هذا العمل لا يخلو من دوافع خفية. هذا ما حدث مع الترجمات من العبرية إلى العربية: معرفة كيف يفكر الإسرائيليون، وإيجاد نقاط ضعف العدو أمر طبيعي. آمل أن ننهي الشكوك المتبادلة. أنا سعيد بترجمات أنطون شماس. أنا لا أتفق مع فكرة استحالة ترجمة الشعر. من الصعب أن تكون دقيقا، لكن في بعض الأحيان عندما يُعهد بالشعر إلى شاعر، تكون الترجمات أفضل من الأصل».
يبدو لي هذا الموقف من الثقة المسبقة تجاه ترجمة الشعر، وعدم الثقة في ترجمات معينة لعمله، ولكن من الامتنان تجاه بعض الترجمات التي تُعتبر ناجحة، مطمئنة من ناحية عندما يحين وقت ترويج ديوان محمود درويش من ترجمة الياس صنسر، بدون أن أتحدث بنفسي عن كلمة خيانة بالعربية (لديّ انطباع بتأييد المؤلف). إن القول بإمكانية ترجمة الشعر، وأنه يمكن دراسة الشعر في الترجمة، لا يعني أن جميع الترجمات جيدة على قدم المساواة، والنتيجة الطبيعية لهذا الوجود هي أن وجود ترجمة سيئة لا يمكن أن يكون دليلاً على استحالة الترجمة.


قام محمود درويش بنفسه باختيار الأنطولوجيا التي نشرتها دار النشر الفرنسية غاليمارد عام 2000، تحت عنوان محمود درويش «تضيق بنا الأرض»، ومن الصفحة الثانية من المقدمة التي كتبها، تناول مسألة ترجمة الشعر، وهكذا:
كل لغة لها نظام إشاراتها وأسلوبها وهيكلها. المترجم ليس ناقلا لمعنى الكلمات، ولكنه مؤلف شبكة العلاقات الجديدة الخاصة بها. وهو ليس رسام الجزء المضيء من المعنى، بل مراقب الظل وما يوحي به، لذلك يجد مترجم الشعر نفسه في موقع الشاعر الموازي، متحررا من اللغة الأصلية، ويعرض اللغة المضيفة لمصير مماثل لما تعرض له مؤلف القصيدة بالفعل بلغته الخاصة. في فضاء التحرر هذا من العمل الأصلي، يرتكب المترجم هذه الخيانة الجميلة والحتمية، التي تحمي لغة الشاعر من ثقل جنسيته، وكذلك من انحلالها في لغة الترجمة.

وهكذا يجد الشعر المترجم نفسه في مواجهة واجب الحفاظ على كل من السمات العالمية للعمل والسمات التي تشير إلى أصوله المحددة، التي تم التعبير عنها بالفعل في بنية لغة أخرى، ونظام محدد من المراجع. هذه الازدواجية هي التي تصنع السحر الخاص للشعر المترجم، سواء كان ذلك من باب التذوق للحوار بين ما هو مشترك بين الجميع، وما يميز كل شخص أو من التعطش لاكتشاف الثراء الهائل والتنوع الهائل للتجربة الشعرية، فإن الشعر المترجم يطور أيضا قدرة لغتنا على تجديد أساليبها وتستمع تركيباتها إلى تجربة لغة أخرى.
وهكذا يمكننا أن نرى كيف أن المترجم الأصلي والمبدع لديه القوة للبناء أو للهدم. لم تعد القصيدة المترجمة ملكًا لمؤلفها وحده، بل هي ملك لمترجمها أيضا، الذي أصبح أيضا شاعرها، ولذا لا يهمنا ما إذا كانت الوثيقة المترجمة أعلى أو أدنى من المستند الأصلي.
كلمات درويش هذه، الموضوعة في مقدمة مختاراته الشعرية، تدين له باختيار القصائد، لكنها تظل تُنقل للجمهور من خلال وسيط الترجمة، وبفضل عمل المترجم، ضرورية في تأثيرها في الشرعية.. إنها تعمل على النص الذي سيقرأه القارئ. النص الفرنسي الذي سيقرأه القارئ يعود بشكل غير مباشر إلى درويش.
جميع الكلمات في الفرنسية مأخوذة من ترجمة إلياس صنسر، تبدو الكلمات الأخيرة التي أقتبسها مثيرة جدا للاهتمام بالنسبة لي: «لا يهمنا بالتالي ما إذا كان المستند المترجم أعلى أو أدنى من الأصل»، أي مقارنة الترجمة بالأصل، والتي غالبًا ما يكون البحث عن الخطأ، لا مكان له، الترجمة ليست أصلية، الحقيقة مقبولة.


من المثير للاهتمام هنا، في حالة درويش (الشاعر الذي عاش بصعوبة في نهاية حياته استيعاب القضية الوطنية الفلسطينية) حقيقة أنه يؤكد كيف تكشف الترجمة عن الجزء العالمي من العمل، خارج نطاق عمله. لغة الأصل، ولكن أيضا «جاذبية الجنسية». لكن قبل كل شيء، ينضم درويش هنا (فليته يعرف؟) إلى مجموعة المنظرين المعاصرين للترجمة الفرنسية (dowsing) مثل ميشونيك وبيرمان. بشكل أساسي. عندما يكتب درويش، «لنخضع اللغة المضيفة لمصير مماثل للغة الأصلية، الذي كتب بها الشاعر قصيدته»، قد نعتقد أننا نستمع للمترجم هنري ميشونيك، الذي بالنسبة له يجب أن نترجم ما ليس يقوله النص، بل فعل ما يفعله النص، أو حتى للمترجم أنطوان بيرمان، في فكره الأخلاقي والفلسفي عن الترجمة كعلاقة مع الأجنبي.
ومع ذلك، وبأنانية، كنت سعيدة جدا برؤية درويش يضفي الشرعية على ممارسة الترجمة، وتحرير المترجم من خلال تكليفه بمهمة «إخضاع اللغة المضيفة لمصير مماثل للغة الأصلية الذي كتب بها شاعر قصيدته»، أن يكون «مؤلفا لشبكة العلاقات الجديدة» بين الكلمات. وأنا هنا مسلحة بسلطة شاعر أعمل على ترجمة نصوصه، مدركة للعرض المزدوج لقصائد درويش، التي ترجمها الفلسطيني إلياس صنبر، ومتحررة من مركب النقص على عدم القدرة على تعقب سوء التفاهم. بسبب نقص المعرفة بالأصل. درويش شاعر عزيز يردد أصداء المتخصصين في الترجمة العزيزة عليّ. لا أعتقد أنها مصادفة: لا شك في أن هناك شيئًا ما يتعلق بفكرة العلاقة بالآخر.


ترجمة بتصرف عن موقع:
languesdefeu.hypotheses.org
*كاتبة فرنسية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي