الفيلم يفضح ما ارتكبته الإدارة الأميركية من فظائع.

"الموريتاني".. غوانتانامو صنع وحوشا بشرية من أناس أبرياء

2021-05-01

الفيلم له خطان دراميان وسرديان يسيران بالتوازي وهما الخط الذي تمثله المحامية والخط الذي يقوده المحقق العسكري

طاهر علوان*

كرست السينما الأميركية صورة مزرية للعرب كان قد ناقشها الراحل جاك شاهين في كتاب قيم عن صورة العرب الأشرار في السينما الأميركية، مستعرضا عشرات من الأفلام منذ بدايات السينما الأميركية حتى سنوات قريبة من وفاته.

صورة الموريتاني والعربي والمسلم عموماً وقد اقترنت بأسوأ بقعة مكانية على مر التاريخ ألا وهي سجن غوانتانامو الفضيع، هي ما نشاهده من خلال فيلم “الموريتاني” للمخرج الأسكتلاندي كيفن مكدونالد في إضافة أخرى لمنجزه الممتد لعشرات من الأفلام الروائية ونيل جائزة الأوسكار عن فيلم وثائقي.

خطان دراميان


الموريتاني محمد ولد صالحي (الممثل الجزائري – الفرنسي طاهر رحيم) سوف يظهر في لقطات سريعة يفتتح بها الفيلم، وهو يمضي فيها عطلته بصحبة أهله وأقاربه في حفل زفاف عائلي، لتصله قوة من البوليس، وينتهي به الأمر مختفيا طيلة ثلاث سنوات ولا يعلم أحد عنه شيئا.

ولد صالحي شخصية حقيقية كان قد حصل على منحة دراسية في ألمانيا، وبمجرد وصوله إلى بلاده وحيث كانت قضية إرهاب 11 سبتمبر في ذروتها وبوش يصول ويجول حاملا راية البطولة والشجاعة يكون قد انتهى به المطاف إلى غوانتانامو.

في التفاصيل الأخرى السجناء المعزولون عن العالم وتدار في حقهم عمليات نفسية معقدة وعمليات تعذيب وانتزاع للمعلومات سوف يمرّ بها ولد صالحي فيما هو يكتب رسائله.

سوف يجد ولد صالحي نفسه في إطار ثلاث شخصيات هي التي سوف تقلب مصيره بشكل كامل، وهم المحامية الشرسة نانسي هولاندر (الممثلة جودي فوستر) ومساعدتها تيري دونكان (الممثلة شيرين وودلي) والمحقق العسكري ستيوارت كوتش سيديل (الممثل بينيدكت كومبرباتش).

الطبيعة المكانية المعلومة لسجن غوانتانامو والشخصيات من الجلادين والمحققين تتكامل في ذهن هولاندر وهي تشرع في قراءة ملف ولد صالحي ولتكتشف اعترافاته تحت التعذيب وكل جريمته أن قريبا له التحق ببن لادن وأراد أن يطمئن عائلته فاتصل بولد صالحي بهاتف أقمار صناعية يعود لبن لادن، لكن ذلك لا يكفي إذ يتم مرارا وتكرارا عرض أسماء مروان الشحي ورمزي بن الشيبة وغيرهم من الشخصيات المتورطة في جريمة سبتمبر.

يوميات الشقاء في غوانتانامو

يستخدم المخرج العديد من طرق السرد السينمائي لتجاوز النمطية المعتادة في مثل هذه الافلام، فهو يغوص في شخصية ولد الصالحي ويعود به إلى ذكرياته وطفولته التي تتكشف تباعا، وبذلك فإنه ظل يحاكي شخصية بشرية عادية وليس وحشا، ومن هنا سوف تكشف الرسائل التي سوف يكتبها عن العالم الحقيقي الذي يعيش فيه وهي الرسائل التي تمت مراقبتها من طرف الاستخبارات التي تدير المعتقل وشطب أبرز ما فيها من حقائق.

وخلال ذلك كان هنالك خطّان دراميان وسرديان يسيران بالتوازي وهما الخط الذي تمثله المحامية الشرسة نانسي ومساعدتها والخط الذي يقوده المحقق العسكري، فالمحامية كما سيظهر ليست معنية بالدفاع عن ولد الصالحي بقدر دفاعها عن الحقيقة وهو ما سيظهر عندما تقرر مساعدتها ترك العمل في الملف متأثرة بدعاية شرسة ضد تلك الوحوش البشرية.

في المقابل يرسم المخرج دورا مختلفا للمحقق العسكري الذي هو أيضا باحث عن الحقيقة المجردة، بينما رؤساؤه يحثّونه على سرعة إصدار قرار الإحالة بأقصى عقوبة ضد ولد صالحي، بينما هو يبحث عن أدلة كافية للإدانة.

ماكنة سلطوية

الكل يدور مع دوران ماكنة سلطوية مقفلة لا قرار لها ومجرد سماع أي اسم مرتبط بأحداث 11 سبتمبر فهو وحش بشري مهما كان، لكن للمحامية والمحقق العسكري وقفات أمام أطنان من الوثائق والاعترافات المكدسة في صناديق المخابرات والمحققين وكلّها بلا أدلة وفيما ولد صالحي يمضي سنوات امتدت الى 14 عاما بلا دليل إدانة ولا حكم قطعي.

على أن التحوّل الذي يشترك به كل من المحامية والمحقق على السواء هو ساعة أن يلتقيا في إطار حبكة درامية قوية سوف تدفع بالأحداث إلى الأمام، وهي اطلاع المحامية على الرسائل الشخصية لولد صالحي والتي يروي فيها لعائلته وأمه الحقيقة، ويشرح يومياته، وعلى الجانب الآخر التسجيلات شديدة السرية التي اطلع عليها المحقق العسكري والتي تكشف كيف تم تطبيق بروتوكولات التعذيب الممنهج بحق ولد صالحي بحسب توجيهات وزير الدفاع اليميني المتطرف في عهد بوش ديفيد رامسفيلد.

ولنعد إلى معطيات راسخة في تلك التراجيديا وهي ارتباط ذلك المكان وتلك الشخصيات بعمليات تعذيب ليس لها مثيل في التاريخ، وكان على المخرج فضحها بالكامل من خلال مشاهد مصنوعة بعناية شديدة هي خلاصة العبقرية الأميركية في انتزاع الاعترافات من الإيهام بالغرق والحرمان من النوم والسجن في مكان شديد البرودة والاعتداءات والتحرشات الجنسية وغيرها كثير.

يكفي أن قصة ولد صالحي البريء بعد 14 عاما من السجن في غوانتانامو والتعذيب الممنهج انتهت به حرّا لتتحول قصّته إلى موضوع عالمي ينتهي بنشر يومياته في غوانتانامو في كتاب ترجم إلى العديد من لغات العالم، وهو ما يظهر في لقطات وثائقية مؤثرة في نهاية الفيلم.

*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي