راكبو الأحصنة السود يغزون مدينة أميركية.

"الكاوبوي الصلب".. سود يسترجعون لقب راعي البقر من البيض

2021-04-18

طاهر علوان*


للوهلة الأولى لن نعثر في فيلم “الكاوبوي الصلب” على وجود الكاوبوي الذي تعوّدنا على مشاهدته من خلال العشرات من أفلام الويستيرن التي غزت الشاشات، فالمشاهد الأولى سوف تقدم لنا صورة أخرى مختلفة لأم أعيتها تصرفات ابنها المراهق وكثرة عراكه داخل المدرسة وقرار إدارة المدرسة طرده بشكل نهائي.

وبلا كثير من التفاصيل تأخذ الأم ابنها تحت الريح والمطر لتنتقل به إلى مدينة فيلادليفيا الأميركية وترميه هو وملابسه في مدخل البناية التي يعيش فيها والده.

الفتى الممزق
تحول حاد في حياة الشاب كول (الممثل ساليب مكلوغان) عندما يجد نفسه ممزّقا بين الأم التي تخلّت عنه لصالح أب ليس له معه أدنى صلة مودّة، وبين الأب وابنه، وها هو يحمل كيسين أسودين فيهما ملابسه ويبحث عن مأوى.

هذه الأرضية كانت كافية للتمهيد لهذه الشخصية لكي تنحرف عن المسار مادام قد وجد نفسه في وسط بيئة غالبيتها أو هي بالكامل من أصول أفريقية، وحيث أن الصورة النمطية في السينما الأميركية لطالما أوجدت معادلا موضوعيا بين السود وبين بيئة المخدرات، وهو ما لم يسلم منه كول أيضا عندما يلتقي صديق طفولته سماش (الممثل جاريل جيروم) الذي يدعوه للانضمام إليه في عملية توزيع المخدرات من أجل المال.

على الجهة الأخرى هنالك هارب (الممثل إدريس ألبا) الأب الصارم والمولع بالخيل وحيث لا مجاملة مع الابن الذي يبدو هشّا أمام واقع جديد لم يكن يتخيّله، حيث ينتهي به الأمر بأن يقوم يوميا بجمع روث الخيول وتحميلها في عربة ونقلها إلى مكانها.

معاناة متواصلة لا يشعر كول أنه سوف يخرج منها ولا المشاهد نفسه الذي يشعر أن ذلك الشاب إنما يدور في دائرة مأساوية لا نهاية لها، والجميع يتفرّجون عليه كما تفرّجوا على صراع مافيات المخدرات وهم يتنافسون ويقتلون بعضهم البعض.

لا يملك الجمهور في وسط دراما الضياع التي تعصف بالفتى الوحيد لوالديه سوى انتظار كيف سوف ينتهي ذلك العناء المرير، فيما يمضي هارب لياليه في جلسات سمر مع أصدقائه من هواة ركوب الخيل وتربيتها بمعزل عن ولده أو لامبالاة بوجوده، وخلال ذلك يكاد الفتى أن ينغمس في عالم المخدرات المتفشي في أوساط جيله بتأثير من صديقه سماش المتمرد على مافيا المخدرات.

الأب وابنه فارسان يرعيان خيولا لا تصهل

ربما تكون المساحة النفسية التي أفردت لشخصية الشاب كول بما فيها من انفعالات وشعور بالضياع هي أكثر ما يلفت النظر فهو يتلقى التعاطف والتشجيع والاهتمام ممن يحيطون به، بينما يفتقد ذلك من والده، وكل تلك الدراما النفسية المضطربة تحدث على أرضية غريبة وغير مفهومة تماما، ألا وهي عودة شخصية الكاوبوي في نسخة معاصرة، وحيث أقام هواة الخيل إسطبلاتهم في الضواحي وفي وسط المدن وهو ما يدفع لاحقا إلى اضطرابات ومشكلة مع السكان والسلطات.

الكاوبوي السود

هذه الدراما متعددة الخطوط هي التي تم إعدادها في الأصل عن رواية غريغوري نيري وكتب السيناريو لها المخرج ريكي سواب إلى جانب دان واسلر، وحيث تنساب الأحداث بإيقاع هادئ ومفعم بالمشاعر الحسية الإنسانية لأناس لا مشكلة عندهم مع أحد سوى رعاية تلك الخيول والاهتمام بها وعلى خلفيتها تقع تلك الدراما المريرة المتعلقة بالجيل الجديد من الشباب الذين تلاحقهم الجريمة والمخدّرات.

وما دام السود أو الأميركان ذوو الأصول الأفريقية قد اجتمعوا فلا بد لهم من حياة مستقلة ينفردون بها ولتثار في وسط يوميات الإسطبلات وتدريب الخيول والعناية بها مقولة إن البيض ليسوا هم وحدهم الكاوبوي الأصليون، بل هم السود، أو في الأقل بالمشاركة، وأما اقتصار ذلك على البيض فإن فيه تمميزا عرقيا وعنصريا فاضحا وهو ما سوف يدافع عنه السود ومنهم هارب وفريقه المتضامن.

على أن تحولا في تلك الدراما يقترب من حالة التطهير يقع ساعة مواجهة كول لوالده، ليسأله ذلك السؤال المرير المسيطر عليه وهو “لماذا تكرهني؟”، لنكتشف أن تلك الملامح الحادة والمتجهمة للأب تخفي وراءها عاطفة إنسانية وأبا محبّا أُجبر على ترك زوجته ودخل السجن فيما بقي فراق الابن يؤرّقه بل إنه يشعر الآن بالامتنان لطليقته لأنها أعادت إليه كول لغرض إعادة تأهيله.

على أن ما أشرنا إليه من مواجهة لا بد منها بين البيض والسود سوف تقع لا محالة عندما تقرر السلطات السيطرة على إسطبلات الخيل التي آذت السكان بروائحها، وهي حجج أريد منها وضع اليد على تلك الثروة الغالية من الخيول الثمينة وأيضا كنوع من التصدي للسود في المدينة.

تلك المواجهة هي امتداد لأزمات السود هناك لكن لا أحد يتخلى عن فرسه وذلك هو عهد الكاوبوي وهو أن يعنى بحصانه ويدافع عنه، وهو ما سوف يرثه كول عندما يكاد ينفجر غضبا على السلطات التي أرادت الحصان الذي تآلف معه، ولكن كيف يمكن تصور مشهد الخيل الهاربة بعد تسلل السود لمكان احتجازها وإطلاقها للريح وفرسانها الكاوبويز السود على ظهورها.


*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي