من يدخل الآخر في "نوع من الشعب المرجانية".. ترامب أم نتنياهو؟  
2025-01-15
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

المفاوضات حول صفقة التبادل على شفا نهاية إيجابية: إسرائيل تجاوزت العقبة الكأداء بضغط أمريكي شديد، وهي الآن مستعدة للصفقة، حتى قبل أداء الرئيس ترامب اليمين بعد ستة أيام. كالعادة، هناك تحفظات: الأول أن رئيس الحكومة نتنياهو يمكنه التراجع عن الاتفاقات، كما حدث في مرات كثيرة خلال فترة المفاوضات. الثاني أنه رغم الإشارات الإيجابية، ما زالوا ينتظرون رد حماس النهائي، لا سيما رد رئيسها في القطاع محمد السنوار.

حسب الافتراض القائل بأنه سيتم الاتفاق على الصفقة، فالعامل الرئيسي، كما كتب هنا قبل شهر تقريباً، هو تأثير ترامب. الرئيس الجديد يمسك أدوات كثيرة ثقيلة بكلتا يديه للتأثير على نتنياهو والوسطاء، مصر وقطر، مقارنة بالرئيس التارك بايدن. المثال الأفضل لتأثير ترامب أعطي في لقاء استثنائي صباح السبت، استضاف فيه نتنياهو المبعوث الجديد للرئيس الأمريكي في المنطقة، ستيف فتكوف في القدس. وأوضح المبعوث الأمريكي للمستضيف بلغة لا تقبل التأويل، بأن ترامب يتوقع منه الموافقة على الصفقة. المواضيع التي قال نتنياهو إنه مستعد للموت من أجلها (هل ما زال أحد يتذكر أساس وجودنا، محور فيلادلفيا؟) تلاشت دفعة واحدة.

من الجدير عدم الاستخفاف بالتغيرات التكتونية، السياسية والاستراتيجية، التي تحدث هنا. وافق نتنياهو في نهاية أيار من السنة الماضية، بضغط من بايدن، على خطة تتضمن إخلاء تدريجياً كاملاً من القطاع، ووقف الحرب وتحرير عدد كبير من السجناء الفلسطينيين. بعد ذلك، تراجع واستل ممر فيلادلفيا ذريعة، ووضع العقبات أمام تقدم الصفقة لأشهر (نقول في صالحه إن حماس افتعلت المشاكل أيضاً). في هذه الفترة، مات ثمانية مخطوفين، اثنان كما يبدو قتلا في قصف الجيش الإسرائيلي وستة على يد حماس. وقتل أيضاً 122 جندياً إسرائيلياً في هذه الفترة، أكثر من الثلث في عملية عسكرية في جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، التي بدأت في تشرين الأول الماضي. بالتأكيد، ثمة أهمية لتوجيه ضربة عسكرية أخرى لحماس، لكن الهزيمة لن تتحقق هنا، والنصر المطلق لا يقف على الباب. ادعاء نتنياهو، الذي حصل أحياناً على الدعم من القادة الكبار في الجيش الإسرائيلي، الذي يفيد بأن الضغط العسكري وحده سيؤدي إلى تحرير المخطوفين، ظهر بدون أساس.

رئيس الحكومة يتراجع الآن. ولو تعلق الأمر بالأرواح لأمكننا مشاهدة تسلية أزمة الثقة التي تمر على اتباعه في قنوات الدعاية، الذين يضطرون الآن إلى اختيار ما إذا كانوا سيتساوقون مع صفحة الرسائل الجديدة الصادرة عن مكتبه (لم نتنازل؛ الاتفاق جزء من اتفاق استراتيجي مهم جداً)، أو البقاء مخلصين للخط الذي تحدثوا عنه كثيراً قبل يومين، الذي عرض أي تنازل كخطر فوري على أمن إسرائيل. يتسرب إلى القلب التفكير بأنه منذ الفشل الاستخباري الذريع في 7 أكتوبر، لم يكن هناك خطأ في التقدير مثل سرور اليمين والمستوطنين في إسرائيل من فوز ترامب في الانتخابات. ليس لأن ترامب لا يحبنا، بل لأن له مصالح أخرى. صفقة ضخمة مع السعودية، بما في ذلك التطبيع بين إسرائيل والسعودية؛ واتفاق نووي جديد مع إيران؛ وجائزة نوبل للسلام – بدأ شك يظهر بأن كل ذلك مهم بالنسبة له أقل من حلم إعادة المستوطنات إلى شمال القطاع أو حلم ضم الضفة الغربية.

نقطة الضعف التي من المهم التوقف عندها، تتعلق بتقسيم الاتفاق إلى نبضتين: في اليوم الـ 16 للتوقيع على الاتفاق، من خلال تطبيق النبضة الأولى، ستبدأ المفاوضات حول النبضة الثانية. عائلات المخطوفين تتخوف من فشل المفاوضات، ولا يعود إلى إسرائيل إلا أعضاء المجموعة الأولى، الإنسانية: النساء، كبار السن، المرضى والجرحى، في حين أن الجنود والرجال الشباب سيبقون في يد حماس لفترة طويلة كبوليصة تأمين لحماية رئيسها. يمكن التقدير بأن ترامب يؤمن أنه سينجح في إدخال نتنياهو في نوع من الشعب المرجانية. بعد تنفيذ المرحلة الأولى، ستستخدم ضغوط كبيرة على الحكومة لتحرير كل المخطوفين الآخرين الأحياء، وإعادة جثامين الأموات.

ستضطر إسرائيل إلى ابتلاع المزيد من الضفادع في الاتفاق المتبلور. إن الاتفاق لن يضمن تدمير سلطة حماس رغم وعود نتنياهو والوزراء.

ستضطر إسرائيل إلى ابتلاع المزيد من الضفادع في الاتفاق المتبلور. إن الاتفاق لن يضمن تدمير سلطة حماس رغم وعود نتنياهو والوزراء. الحاجة إلى إنقاذ 50 مخطوفاً، الأحياء، قبل موتهم في الأنفاق يعني التنازل عن الهدف العلني الثاني للحرب – تدمير نظام حماس كاملاً. ولا شك أن حماس ستستغل تحرير المخطوفين الإنساني لتعزيز مكانتها في أوساط الفلسطينيين في الضفة والقطاع. الانسحاب من ممر نتساريم، ثم من محور فيلادلفيا بشكل جزئي في المرحلة الأولى، سيقيد قدرة الجيش الإسرائيلي من السيطرة على القطاع. والاتفاق لا يضمن رقابة حقيقية على حركة السكان الفلسطينيين الذين سيعودون إلى شمال القطاع.

كل ذلك يعتبر تنازلات لم تفرض فقط من ترامب، بل هي تنازلات مطلوبة للبدء في إعادة المخطوفين الأحياء والأموات إلى البيت. هذا ثمن باهظ، ولا يمكن تجنبه. لا يجب تجاهل ما حدث في الحرب: الضرر الذي لحق بحماس وقيادتها السياسية والعسكرية، وشبكاتها وبناها التحتية العسكرية، والدمار الشديد في القطاع الذي سيذكر الفلسطينيين لأجيال بالثمن الجماعي الذي سيدفعونه بسبب الجريمة الفظيعة في مذبحة 7 أكتوبر.

في الطريق، في السيناريو المتفائل، سيندمج الهدوء طويل المدى في القطاع بخطة دولية لإعادة الإعمار، التي ستضخ دول الخليج في إطارها الأموال شريطة مغادرة حماس السلطة. ستكون السلطة الفلسطينية، بكل مشاكلها، شريكة في اتفاق السيطرة الجديدة في غزة. وهذا قد يكون جزءاً من الحل الشرق أوسطي الواسع، الذي يبدو يطمح إليه ترامب، بما في ذلك خطة السعودية والتطبيع. حتى الآن، من غير الواضح بأي وتيرة ستتقدم الإدارة الأمريكية الجديدة، وما إذا كانت الأفكار متبلورة تماماً. إذا كان نتنياهو يعتبر نفسه مندمجاً في هذه الخطط، فسيجد صعوبة في الحفاظ على الائتلاف بالصيغة الحالية لفترة طويلة.

في هذه الأثناء، بشكل ممتع، يخرج شركاؤه في اليمين المتطرف، مثل سموتريتش وبن غفير، علناً ضد صفقة التبادل، لكنهما لا يعلنان عن انسحابهما من الحكومة. على المدى الأبعد، إذا طرحت الحكومة وبحث ومضت بخطة مركزة، فستكون لذلك تداعيات كبيرة على المستوى السياسي في إسرائيل. سيضطر نتنياهو للتقرير ما إذا كان توجهه نحو انتخابات جديدة، والانحراف نحو المركز السياسي وحل التحالف الطويل مع المتطرفين، وما هو مصير محاكمته (صفقة ادعاء؟).

ما حال إسرائيل لو فشلت الصفقة الحالية؟

كل ذلك ما زال حلماً بعيداً، وفي هذه الأثناء، قبل التوقيع على الصفقة، إسرائيل تنزف في غزة. أمس، قتل خمسة جنود من لواء “الناحل” في بيت حانون شمالي القطاع، وأصيب ثمانية جنود إصابة بالغة. يبدو أنهم أصيبوا بخطأ عملياتي أدى إلى انفجار ذخيرة. هكذا يرتفع عدد القتلى في المنطقة خلال أقل من أسبوع إلى 15.

لا يوجد للمخطوفين وقت، بل حتى الجنود يموتون بدون هدف واضح في العملية المستمرة في شمال القطاع. عدد القتلى الكبير في بيت حانون أدى على الفور إلى توجيه الانتقاد في قنوات الإعلام المتماهية مع الحكومة. هيئة الأركان اتهمت بمظاهر التذلل مرة أخرى. فقد تم الادعاء أن طريقة العمل التي ترتكز على اقتحام قوات صغيرة نسبياً، التي تعمل في الأراضي الفلسطينية، غير ناجعة. في الحقيقة، تستمر حماس في التسبب بالإصابات.

طريقة العمل ربما غير مناسبة، لكن الجيش يقول إن تعزيز القوات في القطاع مرهون بتخصيص قوات متاحة، والمستوى السياسي هو الذي وجه هيئة الأركان لتقليل عدد جنود الاحتياط في الخدمة الفعالة إلى 50 ألفاً، لغرض التوفير، في حين أن هيئة الأركان تقول إن العدد الحالي (70 ألفاً) غير كاف، لأننا نحتاج إلى توزيع الكمية المقلصة بين جنوب لبنان والحدود مع سوريا وغزة والضفة الغربية.

إذا فشلت المفاوضات حول الصفقة وانهارت، فسيتطور نقاش عاصف في إسرائيل مجدداً حول أهمية الاحتفاظ بورقة جغرافية في شمال القطاع. يسعى اليمين المتطرف لحلول أخرى، مثل إقامة حكم عسكري وتشغيل مقاولين أجانب من الباطن لتوزيع المواد الغذائية على الفلسطينيين. يحذر الجيش من فشل هذه الخطوة، وستلقى المهمة على الجيش في نهاية المطاف، بصورة تؤدي إلى قتل الجنود أثناء توزيع الطحين على المدنيين الفلسطينيين.

عملياً، رغم الخسائر الكثيرة التي تتكبدها حماس، فمن الواضح أن العملية لا تؤدي إلى نتائج حاسمة. فالمعارك في جباليا خففت، وثمة افتراض بأن بضع عشرات من المخربين الناشطين ما زالوا هناك. المخربون كما يبدو يستعينون بالأنفاق التي لم تكشف بعد، ويعتمدون على كمية الغذاء والسلع التي جمعتها حماس في البلدة المدمرة خلال أشهر كثيرة.

 

عاموس هرئيل

 هآرتس 14/1/2025



مقالات أخرى للكاتب

  • أين تتجه حسابات ترامب.. لـ "نوبل" أم ضرب إيران؟   
  • للإسرائيليين: هل رأيتم كيف ملأ رجال حماس ساحة السرايا بـ"التويوتا البيضاء" والزي المكوي؟  
  • تذكير لنتنياهو: إدارة ترامب الجديدة ليست عادية.. وويتكوف: لو أفشلتم الصفقة لزرت غزة  






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي