كيف تبدو المرحلة الثانية "عائقاً كبيراً" أمام الصفقة؟
2024-12-21
كتابات عبرية
كتابات عبرية

تميزت الفترة الأخيرة بموجة نشاطات محدثة حول الجهود لبلورة صفقة لإطلاق سراح المخطوفين بين إسرائيل وحماس. الإدارتان في أمريكا، التاركة والجديدة، تضعان الآن كل ثقلهما لفرض اتفاق على الطرفين قبل تبادل السلطة، بعد شهر بالضبط. هذا الفيلم شاهدناه عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنهم الآن يعدون بأن تكون النهاية مختلفة، أكثر تفاؤلاً.

ثمة عقب أخيل في الصفقة التي تلوح في الأفق يكمن في نية صائغيها بتقسيمها إلى نبضتين. الولايات المتحدة ودول الوساطة، مصر وقطر، تؤمن بأنها ستنجح في دفع إسرائيل إلى نوع من الشعب المرجانية. فمنذ اللحظة التي سيبدأ فيها تطبيق المرحلة الأولى، سيصعب على رئيس الحكومة نتنياهو الانسحاب من الاتفاق. تفجير الصفقة في الفترة الانتقالية بين المرحلتين سيؤدي إلى استئناف الحرب وإبقاء المخطوفين المتبقين في الأسر في قطاع غزة. ولن تتمكن الحكومة من الصمود أمام الضغط الذي سيستخدم عليها، سواء من الخارج أو من داخل المجتمع الإسرائيلي.

لكن الخوف، الذي بدأت عائلات المخطوفين تعبر عنه علناً وبقوة متزايدة، أنه لن تتحقق صفقة كاملة في نهاية المطاف. ترى العائلات أن المفاوضات بين إسرائيل وحماس ستنفجر في مرحلة الانتقال بين النبضتين بسبب الصعوبة التي ستجدها إسرائيل في تلبية طلبات حماس. في هذا السيناريو، سيبقى المخطوفون الرجال، الجنود والمدنيون الشباب، في القطاع، في حين سيستأنف الجيش الإسرائيلي القتال وعمليات القصف. عشرات المخطوفين ماتوا منذ انهيار الصفقة الأولى في 1 كانون الأول السنة الماضية. بعضهم بقصف لإسرائيل بالخطأ، وبعضهم بسبب مرض، وبعضهم بسبب قتلهم بدم بارد على يد آسريهم. ثمة مصير مشابه قد يكون للمخطوفين الذين لم يتم تحريرهم في النبضة الأولى من بين النبضتين المخطط لهما.

تقدير فشل المفاوضات في الجزء الثاني يكمن في إدراك اعتبارات الطرفين. الموضوع الحاسم لحماس هو إنهاء الحرب وانسحاب كامل لقوات الجيش الإسرائيلي من القطاع. وللتوصل إلى هذا الهدف، وإزاء الوضع البائس الحالي الذي أوصلت قيادة حماس نفسها اليه، فإن من تبقى منها سيوافقون على التنازل في النبضة الأولى. حماس ستسلم بوجود عسكري إسرائيلي جزئي في القطاع طوال فترة تنفيذ الاتفاق، التي سيتم خلالها إطلاق سراح النساء والمرضى والمسنين، مقابل بضع مئات من السجناء الفلسطينيين. ولكن نتنياهو وشركاءه في الجناح اليميني المتطرف في الحكومة، لا يريد إنهاء الحرب، وسيجد صعوبة في دفع الثمن المرتفع الذي ستطلبه حماس مقابل إطلاق سراح الجنود والمدنيين الباقين (إضافة إلى إعادة جثث المخطوفين). في هذه الظروف، يتوقع فشل المفاوضات واستئناف الحرب. ستكون هذه كارثة بشكل خاص لعائلات المخطوفين الباقين.

حدثت في الأسابيع الأخيرة تغييرات مهمة وراء الكواليس في تشكيلة وأسلوب عمل هيئة النضال من أجل تحرير المخطوفين. بعض المستشارين الاستراتيجيين الذين لعبوا دوراً رئيساً في النضال وساروا في خط متشدد تجاه نتنياهو وحكومته، تركوا وظائفهم. تتصرف العائلات الآن في عدد من قنوات العمل الموازية، وإلى جانب تنظيم المظاهرات وخطوات احتجاج أخرى، تحاول استخدام تأثيرها أيضاً على نشطاء يمين، وحتى يمين متطرف، في محاولة لتخفيف المعارضة للصفقة (مع المعرفة بأن الجزء الأصعب هو تطبيق النبضة الثانية).

التفكير هو أن اليسار والوسط، وحتى الأحزاب الحريدية، ستؤيد تمرير كل صفقة يصادق عليها نتنياهو. والصعوبة تكمن في تخفيف المعارضة من اليمين بهدف ضمان أكبر قدر من التأييد. ليس سراً أن بقاء رئيس الحكومة السياسي يعتمد على شركائه في اليمين، وأن معارضتهم لتقديم التنازلات في السنة الأخيرة كانت اللغم الأساسي في الطريق إلى الصفقة. بعض هذه الجهود وجدت تعبيرها في تطبيق خطوات علنية. هكذا، نشرت رسائل لحاخامات “الصهيونية الدينية” (المعسكر وليس القائمة) عبرت عن تأييد مبدئي لتحرير المخطوفين بواسطة صفقة، وتم تنظيم زيارات لحاخامات ومراسلين من اليمين في كيبوتسات غلاف غزة. مع ذلك، تأتي معظم عائلات المخطوفين من كيبوتسات الغلاف ومن معسكر أيديولوجي بعيد جداً عن اليمين، وتجد صعوبة في إجراء حوار مفتوح مع أعضاء الكنيست وحاخامات “الصهيونية الدينية”. لذلك، تتركز هذه الخطوات في عدد قليل نسبياً من النشطاء.

ادعاء هؤلاء النشطاء هو أن اليمين العميق، أحزاب “الصهيونية الدينية” و”قوة يهودية” وبعض أعضاء الكنيست في الليكود، مصمم على العودة إلى القتال بعد النبضة الأولى، ليس بسبب الرغبة في إعادة الاستيطان إلى القطاع، بل لأنهم يروا أنه لم تتحقق حتى الآن كل الإنجازات الجوهرية المطلوبة في الحرب. هذه رؤية “النصر المطلق” التي يوجد خلفها أيضاً تفكير وأهداف، لكن نتنياهو يسوقها بدون تفصيل وتفسيرات حقيقية. على الأغلب، يكررها مؤيدوه بدون أي نقاش حقيقي. في الخلفية رغبة في إصلاح ما يعتبره اليمين ظلم تاريخي: اتفاق أوسلو، الانفصال وصفقة شاليط، التي لم تحرر 1027 مخرباً فحسب، بل أعادت يحيى السنوار، الذي فكر في إيقاد 7 أكتوبر السنة الماضية.

ويعمل اليمين أيضاً من خلال شعوره بأن الخطوات الحاسمة التي قامت فيها إسرائيل في غزة ستمنع أي خطر جديد من هناك، وهكذا ستضمن الأمن لفترة طويلة. في حين أن أهداف الحرب في القطاع كما حددها الجيش الإسرائيلي تتحدث عن “منع التهديد لفترة طويلة”، فإن اليمين يطالب بضمان الأمن لعقود قادمة. هذا الطلب يترسخ أيضاً في شعور التضحية في أوساط الجمهور الديني – الوطني. مئات عائلات قتلى الجيش الإسرائيلي في الحرب الحالية (من بين الـ 800 جندي الذين قتلوا) هم أعضاء في “منتدى البطولة” الذي يعلن عن أهداف مشابهة، وجاء في معظمه من التيارات الدينية. في حين أن المستوطنين يعتبرون أنفسهم مجموعة تتعرض للخطر نتيجة إطلاق سراح مخربين في المستقبل بواسطة صفقة. لأن جزءاً كبيراً من نشاطات التنظيمات الإرهابية يحدث في الضفة الغربية.

حسب خط التفكير ذاته، سيرفض اليمين الموافقة على وضع تنتهي فيه الحرب بدون هزيمة حماس، أو حتى من خلال وعد تلميحي لاستئناف القتال، بعد العثور على ذريعة مناسبة. لن يكتفي اليمين بالتركيز الوطني على الاستعداد لمهاجمة المنشآت النووية في إيران، بل سيطلب مواصلة القتال في الجبهتين. في المقابل، رغم الضجة التي تثيرها دانييلا فايس وأمثالها، فسيكون بالإمكان كبح تحقيق هذه التطلعات الاستيطانية، مع الحصول على أغلبية أكبر لتأييد الصفقة.

لذلك، ادعاء عدد من النشطاء في القيادة هو وجوب السعي إلى عقد الصفقة التي تأخذ في الحسبان الخطوط الحمراء لدى اليمين العميق. وهذه تشمل إعادة جميع المخطوفين شرطاً للانسحاب شبه الكامل من القطاع؛ وإنشاء محيط صارم على حدود القطاع داخل الأراضي الفلسطينية، وأي دخول إليه سيرد عليه بإطلاق النار؛ وإيجاد فصل كامل بين القطاع ومصر (بواسطة إغلاق تكنولوجي كامل لمحور فيلادلفيا، بدون تواجد إسرائيلي مادي، وإقامة معبر حدودي تحت سيطرة إسرائيل في كرم أبو سالم)؛ ومنع إشراك حماس والسلطة الفلسطينية أو مبعوثيهم في الإدارة المستقبلية في القطاع؛ والتصميم على عدم عودة المخربين الذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة إلى الضفة الغربية أو شرقي القدس، بل طردهم إلى القطاع أو إلى الخارج. تطبيق هذه الأهداف مرهون بخطوات أخرى من ناحية إسرائيل، التي ستتأثر أيضاً بتسلم ترامب لمنصبه في الولايات المتحدة. هذا يحتاج إلى تنسيق كبير مع الأمريكيين، ونشاط إسرائيلي مبادر إليه وحازم أكثر في القطاع وفي الخارج، وبلورة اقتراح آخر في المفاوضات.

هذه الأفكار بعيدة المدى وتحتاج إلى نظرة مختلفة كلياً على المفاوضات حول الصفقة. بنظرة أولية، يمكن إيجاد نقاط ضعف مركزية فيها بدون التعمق في جوهر الخطوط الحمراء التي رسمت. أولاً، النقاش كله يتناول الآن الصفقة بالطريقة التي يقترحها الأمريكيون، أي نبضتين، الثانية كما يبدو لن يتم تنفيذها. وربما يتم الاتفاق عليها قريباً. ثانياً، حتى لو تم تطبيق الخطوط الحمراء فمن غير الواضح من الذي سيوافق عليها في اليمين العميق، وما إذا كان سيقرر في النهاية الجناح الذي يعارض تقديم تنازلات.

رغم التعاطف الإنساني الكبير في أجزاء من الجمهور الديني الوطني، مع إنهاء مأساة المخطوفين، فإن القيادة تعمل بشكل مختلف؛ فالوزير سموتريتش انحرف عن ذلك للحظة بصورة تستحق التقدير، عندما وافق على تأييد صفقة المخطوفين الأولى. فهل سيتصرف هكذا في الصفقة القادمة، حيث تهديد نسبة الحسم في الانتخابات القادمة يحلق فوق رأسه؟ أول أمس، صرح بشكل متشدد ضد الصفقة الجديدة التي تلوح في الأفق.

 

عاموس هرئيل

هآرتس 20/12/2024

 



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟
  • ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي