“أحد الأسباب الذي بسببه يحاول نتنياهو التملص من تقديم شهادته، إضافة إلى الأسباب المفهومة ضمناً، هو رؤيته أن هذا يشكل عودة إلى المكان الذي يصعب عليه استيعابه، مكان مهين”، قال شخص مطلع جيداً على ملفات الآلاف. “من شاهد التحقيقات معه في الشرطة يفهم ذلك. فجأة، الشخص القوي في الدولة يجلس أمام المحققين الذين ينظرون إليه من نفس المستوى ويسألونه أسئلة محرجة، ويتهمونه بالكذب، ويستخدمون معه ألاعيب التحقيق ويحرجونه ويعرونه. في حينه، هو مر بتجربة قاسية جداً. حسب رأيي، هو لا يريد تكرار ذلك. هذا الاحتفال قد يتكرر، بشكل أكبر، في التحقيق المضاد الذي سيكون أمام الجمهور هذه المرة”.
في كانون الأول 2021 كان نتنياهو رئيس المعارضة في إسرائيل، وأجرى محامي نتنياهو، بوعز بن تسور، سراً، مفاوضات متقدمة مع المستشار القانوني للحكومة في حينه افيحاي مندلبليت، حول صفقة ادعاء تؤدي إلى انسحابه من الحياة السياسية. في المحكمة المركزية في القدس جرى التحقيق المضاد في حينه مع شاهد الدولة نير حيفتس. تم طرح اسم كايا في إحدى الجلسات، وهي كلبة عائلة نتنياهو الميتة. “لو كانت موجودة لأطلقناها على شخص ما، بعد أن وجهوا إلينا لائحة الاتهام”، قال بمزاح. ضحك الجمهور وصمت القضاة وتفجرت المفاوضات. بعد سنة، عاد نتنياهو إلى الحكم وأطلق ياريف لفين على من حققوا معه ورفعوا دعوى ضده وأهانوه، حسب رأيه.
في 7 أكتوبر، توقف الانقلاب النظامي فجأة، الذي استهدف إنقاذ رئيس الحكومة من المحاكمة. للحظة، ظهر أن نتنياهو وشركاءه اصطدموا بحائط الواقع، وأدركوا إلى أي درجة ذهبوا بعيداً، وأي ثمن دفعته إسرائيل مقابل ذلك. كان هذا وهماً، ولكن سرعان ما تبدد. الآن ينقضون كجائعين. يقوم لفين بإنعاش خياله المدمر، ويتخيل تركيع المحكمة العليا، بحيث لا يكون هناك من يقف في طريقه (أو تطبيق القانون على نتنياهو في استئناف جنائي)؛ وكرعي الظلامي يهدد بإسدال الستار على هيئة البث؛ وأعضاء الائتلاف يتنافسون فيما بينهم في تهديد المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف ميارا.
هذه العاصفة تتعلق بشكل مباشر بشهادة نتنياهو في محاكمته، التي قد تبدأ الثلاثاء القادم، والفيديو الذي هب فيه للدفاع عن المعتقل ايلي فيلدشتاين، لم يكن ليأتي لولا أن الوقت حان للصعود على منصة الشهود. مصير فيلدشتاين يهمه كقشرة الثوم. هو يزرع الفوضى لتجميع وتسخين القاعدة قبل الشهادة، وفي الوقت نفسه، إلقاء الرعب على المدعين الذين سيحققون معه وعلى القضاة الذين أداروا الحدث.
وفقاً لموقف “الشاباك”، ستقدم الشهادة في قاعة تحت الأرض في المحكمة المركزية في تل أبيب، التي جرت فيها محاكمة إسحق افرجيل. ربما يرافق الحراس رجال الادعاء، كما رافقوا المدعين في ملف 512، ولنفس السبب: الخوف من غضب جنود. رئيس منظمة الجريمة القاتل، الذي ترعرع في حي القطار في اللد مع أب مدمن وتسعة أخوة، تم إحضاره للنقاشات في زنزانة مرتدياً ملابس باللون البرتقالي وحوله السجانون. رئيس الحكومة، ابن البروفيسور من رحافيا، سيأتي إلى المحكمة في قافلة رسمية مرتدياً البدلة وربطة العنف، حمراء أو زرقاء، بمرافقة رجال “الشاباك”.
نتنياهو فعل كل ما في استطاعته لئلا يصل إلى هذه اللحظة. قبل بضعة أسابيع، عندما تم مناقشة طلبه حول تأجيل تقديم شهادته إلى شباط 2025، ظهر في المحكمة مستشاره السياسي اوفير فيلك وهو مزود بهاتف أحمر. أراد نتنياهو أن يشرح للقضاة، بشكل شخصي وفي خط محمي، بأن الوضع الأمني يقتضي التأجيل، لكنهم رفضوا التحدث معه. في المرحلة التالية، حاول تمديد شهادته بقدر الإمكان، الفكرة هي تطبيع الوضع غير الطبيعي الذي يقف فيه رئيس حكومة دولة تنزف على منصة الشهود بشكل ثابت خلال أشهر. أمس، رفض القضاة أيضاً طلبه للاكتفاء بجلستين قصيرتين في الأسبوع، وقرروا بأن عليه المثول في المحكمة ثلاث مرات في الأسبوع. سيجد نتنياهو صعوبة في الالتزام بذلك لفترة طويلة. وحتى الآن، لديه إمكانية للتنازل عن هذا الموقف. هذه الخطوة ستظهره كمن يضحي بمصلحته الشخصية من أجل الدولة، وإشعال الحملة ضد منظومة إنفاذ القانون، لكن هذا سيضره بشكل كبير من ناحية قضائية.
في النصف الأول، سيلعب نتنياهو أمام هدف فارغ. الشهادة الأولى التي يديرها المحامي هي منصة مريحة بأسلوب برنامج “حياة كهذه”، وسيسمح للمتهم بالتحدث عن إسهامه الكبير في تأسيس إمبراطورية إسرائيل، والشكوى من مطاردته والثمن الذي دفعه هو وعائلته مقابلها. ستكون هذه هي اللحظة الأكثر أصالة في شهادته. نتنياهو واثق حتى الآن بأنه ضحية مؤامرة سوداء استهدفت إبعاده عن الحكم. في السابق، آمن بأن مصيره قد حسم، وأنه إذا لم يوقف القطار السريع فسيجد نفسه في القسم 10 في سجن معسياهو، مثل أسلافه. في المحكمة، شاهد نتنياهو أصبعاً أخرى في اليد التي تهدد برميه لسمك القرش. “الحكم ضدي كُتب”، قال. ولكن القضاة فاجأوه للأفضل، بالأساس واحد منهم، الذي يذكره بالخير في محادثات مغلقة. سيحاول نتنياهو في الشهادة شراء قلوب القضاة، إلى جانب النضال المستمر الذي يقوم به لكسب الرأي العام. سيدعي أنه لم يكن هناك خطأ في علاقته مع شاؤول الوفيتش. (“توجهت إلى جميع الناشرين”)، أو في علاقته مع أرنون ملتشن (“هو يحبني، هو أخي”). المفاوضات التي أجراها مع يوني موزيس، سيشرح، كانت حول موضوع الدفاع عن النفس. فهو كان الأب المستعد لفعل كل شيء لمنع أولاده الحساسين من إنهاء حياتهم عقب منشورات مجرمة في وسائل الإعلام للناشر الانتقامي. على نتنياهو بذل جهود نفسية كبيرة وإظهار المصداقية – التحدي المعقد إذا أُخذت في الحسبان أكاذيبه في تحقيقات الشرطة معه، التي ستطرحها النيابة العامة في النصف الثاني الأصعب في الشهادة. سيحاول المدعون العامون عرض المتهم بأنه شخص فاسد، وأنه لا يجب تصديق أي شيء يقوله، بل أيضاً تفسير فشل اللقاء التوجيهي وإقناع القناة الذين كانوا مستعجلين عندما أوصوا النيابة بإلغاء دعوى الرشوة.
خطأ آخر يمكن للنيابة إصلاحه إذا تم فتح التحقيق المضاد في الملف 1000 بدلاً من الملف 4000. قرار التحقيق مع رئيس الحكومة في تسلسل رقمي متصاعد، يتضمن أيضاً منطق رياضيات. فإضافة إلى القصة المعروفة عن جشع منزل نتنياهو، فإن الملف 1000 يجسد استعداد رئيس الحكومة لتجاوز الخطوط الحمراء لإرضاء زوجته. ورغم أنه، بنصيحة محاميه المتوفى يعقوب فينروت، حاول التنصل منها (“أنا وسارة كيانان منفصلان”)، فإن الشهادة في القضية تولد الانطباع بأن الزوجين نتنياهو كيان واحد. التسجيلات الموجودة في صلب الملف 2000 تروي قصة رئيس حكومة يتاجر بقوته الحكومية لشراء السيطرة على وسائل إعلام. الملف 4000، الفصل النهائي في ملحمة الفساد، يربط الأفكار التي تنظم إخوته الأصغر منه.
مرت ثماني سنوات منذ فتح التحقيقات مع نتنياهو. كثيرون تنبأوا بأنها ستضع حداً لحياته السياسية، لكن كان لرئيس الحكومة خطط أخرى. حتى لو لم ينجح في وقف المحاكمة، فإنه مصمم أكثر من أي وقت مضى على الانتقام من الذين تجرأوا على مروره في حملة الإهانة هذه.
غيدي فايس
هآرتس 6/12/2024