إيران وإسرائيل والغرب: حلفاء أم أعداء أم ما بينهما؟
2024-10-28
إبراهيم ابراش
إبراهيم ابراش

حتى قبل توقيع الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة (5+1) عام ٢٠١٥ وإسرائيل تحذر وتهدد بأن إيران تسعى لامتلاك سلاحا نوويا وأنها لن تسمح بذلك وكانت دائمة التهديد بضرب منشآت إيران النووية.

وطوال سنوات وهي وواشنطن يحذرون من خطر إيران والنووي المزعوم على إسرائيل والمنطقة وفي كل مرة تقول إن إيران ستمتلك القنبلة النووية خلال عام وأحيانا تقول خلال أشهر ... خلال ذلك كانت إيران تعزز نفوذها وسيطرتها في العالم العربي وخصوصا في الدول التي بها وجود شيعي وتُطور قدراتها الصاروخية البالستية والمُسيرات وتزود بها محور المقاومة أيضا تتعزز علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة كما انجزت مصالحة سياسية مع الرياض برعاية صينية وواصلت طهران تخصيب اليورانيوم.

جاءت حرب عزة ثم حرب لبنان وانهمرت مئات الصواريخ البالستية والمسيرات على مواقع في قلب اسرائيل وفي العاصمة تل أبيب ،والملاحظ أن ضربات إيران كانت محسوبة بدقة ،كذلك رد إسرائيل بل وكانت بتنسيق مع واشنطن حتى لا تتجاوز قواعد اشتباك متفق عليها، وحتى الضربة الإسرائيلية الأخيرة فجر السبت 26 أكتوبر كانت ضعيفة جدا مما دفع قادة طهران للقول بانها لم تُلحق خسائر مادية وبشرية ذات قيمة ، كما كانت محل هزء وسخرية داخل إسرائيل وخصوصا عندما قال وزير الدفاع بأن المواجهة مع أيران انتهت مما دفع الوزير المتطرف بنغفير للقول بأنه ستتبع ضربة السبت ضربات أخرى ستكون أكثر تدميرا.

انطلاقا من تهويل إسرائيل من الخطر الإيراني ومن احتمال حصولها على القنبلة النووية وتأكيد نتنياهو دائما أن الخطر الوجودي على إسرائيل هو إيران، ولو كانت صادقة بوجود هذا الخطر وبعد تعرضها لصواريخ ومسيرات من كل أطراف محور المقاومة لكانت استغلت ذلك لتدمير المفاعل النووي الإيراني بل وتستعمل قنابل نووية محدودة القدرة لتنهي خطر إيران مرة واحدة وتنهي الحرب لصالحها، ولكنها لم تفعل حتى لم تضرب البنية التحتية الإيرانية من منشآت نفطية وموانئ ومطارات!

كل ذلك يطرح تساؤلات حول حقيقة العلاقة بين تل ابيب وواشنطن وطهران، وهل هي علاقة تحالف وتنسيق استراتيجي خفي وعداء ظاهري وتكتيكي لخدمة مصالح استراتيجية مشتركة؟ أم هي سياسة تجمع ما بين الأمرين وهي سياسة نراها اليوم في كثير من العلاقات الدولية حيث إن تداخل وتشابك المصالح تحد من وجود عداوات مطلقة ولا صداقات مطلقة ،فقد يتطور الخلاف والتصعيد الإعلامي وحتى العسكري الى حافة الهاوية ثم تنفرج الأمور ويتم التوصل لتسويات تخدم الدول الرئيسة في الصراع ولكن على حساب دول ضعيفة لعبت دور الوكيل لطرف من الأطراف في الحرب والصراع .

قد يقول قائل إن إسرائيل تنتظر نهاية الانتخابات الأمريكية ومجيء ترامب لتضرب ضربتها، أو اتها تنتظر حل مشكلة النووي الإيراني من خلال المفاوضات أو أن إيران استطاعت تحقيق توازن الردع والرعب مع إسرائيل حتى دون امتلاكها للسلاح النووي! الخ، ولكن ألا تتخوف إسرائيل من أن يؤدي هذا الانتظار الى تمكين إيران من تصنيع القنبلة النووية وهي التي كانت تحذر دوما وقبل سنوات بأنه أمام إيران أشهر فقط لاستكمال التخصيب وصناعة القنبلة! أم كانوا يكذبون بهذا الأمر لخدمة أهداف أخرى؟

إن لم تضرب إسرائيل المفاعل النووي والمنشآت الاستراتيجية الإيرانية فهذا يؤكد وجود تنسيق وتحالف خفي بين طهران وواشنطن وتل أبيب على استعمال فزاعة النووي الإيراني لإبعاد الأنظار عن جوهر الصراع وهو الاحتلال والتقليل من أهمية التأثير والخطر الذي يشكله الصمود والمقاومة الفلسطينية عليه، ولبيع السلاح للأنظمة العربية وخصوصا الخليجية وزيادة القواعد العسكرية والتطبيع مع اسرائيل مقابل إطلاق يد إيران في الدول العربية التي بها اقليات شيعية ولتقاسم العالم العربي بينهم، وبالفعل نجح المخطط وتم تدمير وتقسيم اربعة دول عربية بالحرب الأهلية والصراعات المذهبية ،وكان الخاسر الأكبر القضية الفلسطينية من خلال انجرار فصائل فلسطينية للمحور الإيراني ثم تخلي إيران عنهم في آخر المطاف، وابعاد الأنظار عن جوهر الصراع وأصله .

لعبتها إيران الفارسية بذكاء كما هو الأمر مع تركيا وإسرائيل، فهؤلاء جميعا وظفوا الدين لخدمة الدولة واستعادة أمجاد الماضي، الذي كان أو المزعوم، فيما الجماعات الإسلاموية العربية والأحزاب والنخب عموما مستعدة للتضحية بالدولة الوطنية والقومية لصالح مصالحهم الحزبية ومشاريع وايديولوجيات دينية خيالية ومن أجل السلطة، واليوم يتم تقاسم النفوذ في المنطقة بين المشاريع الثلاثة: المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني الفارسي والمشروع التركي التوراني بالإضافة ألي تعزيز النفوذ الامبريالي الأمريكي، مع غياب كلي للمشروع القومي العربي الذي كان يُنضر له القوميون العرب منذ بداية القرن العشرين وتراهن عليه الشعوب العربية لقيام دولة عربية واحدة أو على الأقل تضامن عربي يحمي الهوية والثقافة العربية، والمشاريع الثلاثة المعادية تتوسع على حساب أراضي دول عربية بل وتحتل بعض أجزائها بتنسيق ورعاية الولايات المتحدة الأمريكية التي تتواجد قواتها وقواعدها العسكرية في كثير من الدول العربية بل وتحتل عنوة بعض المناطق كُرها كما هو الأمر بالنسبة لتواجدها في العراق وسوريا.

وأخيرا فإن العمليات الفدائية الفلسطينية في قلب فلسطين المحتلة كما جرى يوم الأحد 27 أكتوبر من عمليات الدهس في تل أبيب والقدس، وبالرغم من بعض التخوفات من أن يستغل اليمين الصهيوني المتطرف هذه العمليات لصالحه، إلا أنها مع صمود وثبات الشعب على أرضه أكثر خطورة على أمن ووجود دولة الكيان من إيران والنووي الإيراني المزعوم، وبالتالي لن تشعر إسرائيل بالأمن والسلام إلا بوقف حربها في غزة وكل فلسطين والاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية كما تطالب غالبية دول العالم.


*أكاديمي وباحث فلسطيني - الأمة برس
[email protected]
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • على حركة حماس أخذ عبرة من التاريخ ومما جرى مع حزب الله
  • قرار مهم بالرغم من صعوبة بل استحالة تنفيذه
  • التباس واقع ومفهوم القيادة والنظام السياسي في الحالة الفلسطينية






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي