الكويت: ما وراء الكهرباء... شحنات النفوس وكلام الفلوس
2024-06-28
سعد العجمي
سعد العجمي

قبل أيام انقطعت الكهرباء في بعض مناطق الكويت، الجهات الرسمية عزت الأمر إلى ضغط الاستهلاك في درجة حرارة عالية تجاوزت 50 درجة مئوية في الظل، و60 تحت أشعة الشمس واقترحت بعض الإجراءات لتخفيف الأحمال وتقليل الاستهلاك الكهربائي.

ضجت مواقع التواصل الاجتماعي باستغراب من القطع المبرمج الذي لا يتعدى بضع ساعات في دولة نفطية ثرية تقرض الدول الشقيقة والصديقة حول العالم لتنفيذ مشاريع كهربائية، وراح الناقدون يرددون المثل البحريني - الخليجي: "الكويت عين عذراي، تسقي البعيد وتخلي القريب".

الجدل حول انقطاع الكهرباء في الكويت الأسبوع الماضي أظهر كوامن ودلائل على اتجاهات تسير بها البلاد، بعضهم رأى بأن النقد اللاذع للحكومات المتعاقبة وفشلها بتوفير محطات تفي بحاجات البلاد الكهربائية كان نقداً في محله، وبعضهم الآخر رأى أن النقد الإعلامي عبر وسائل الإعلام المختلفة: المرئية والمسموعة والمقروءة، وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كان مبالغاً به بعض الشيء.

بينما رأى فريق ثالث أن هذا النقد الإعلامي زادت وتيرته بغياب مجلس الأمة الذي علق أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح المواد الدستورية المتعلقة به في العاشر من مايو (أيار) الماضي لمراجعة المسيرة الديمقراطية ودراستها لمدة لا تزيد على أربع سنوات، لكن أمير البلاد لم يعلق بقية المواد الدستورية وبالذات الأهم منها، وهي تلك المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، مما يتيح للناس اللجوء إلى التعبير الحر عن آرائهم في نقد الحكومات وأدائها.

 وكتب الكاتب المعروف أحمد الصراف مقالة عنونها بـ"نحن في حالة حرب"، ملخصها أن الكويت في حالة حرب ضروس ضد أشكال الفساد والتراجع على المستويات كافة، وفي ما يتعلق بالكهرباء أقتبس "نحن في حالة حرب ضد التوسع الرهيب، الحكومي والشعبي، في استهلاك الكهرباء. وفي حالة حرب ضد بيع الكهرباء بفلسين، وفي حالة حرب ضد من يحاسب الفقير، ’المديونير‘، على استهلاكه للكهرباء بنفس سعر وحدة محاسبة المليونير".

في نقده لانقطاع الكهرباء توازن الصراف بين لوم الحكومة وإسرافها وتبذيرها وبين استهلاك المواطن المفرط الذي تدعم الحكومة الكهرباء له، لكنها تدعمه للفقير وللمليونير على حد سواء وهو ما لا إنصاف به.

أما وزير الإعلام السابق والكاتب سامي النصف فأنحى باللوم في غالب رأيه على الاستهلاك الشعبي والدعم الحكومي الذي يصل إلى 90 في المئة من الكلفة من المال العام، وانتقد المبالغة في انتقاد انقطاع الكهرباء كظاهرة لم تنج منها الدول المتقدمة، وأقتبس: "إنتاج الكهرباء والماء بالكويت ممن يدعم المستهلك 10 في المئة فقط من كلفتهما ويدفع المال العام باقي الكلفة لا يتم عبر مولدات مساقط الشلالات والأنهر بل عبر حرق مكثف للنفط ثروتنا الناضبة لإنتاج مياه عذبة نرى شلالات وأنهراً منها كل يوم لغسل السيارات والبيوت، وكهرباء يسافر كثيرون ويبقون أجهزة التكييف والفريزرات تشتغل بأقصى طاقاتها بينما يمكن الترشيد بشكل مؤثر وبسهولة بالغة".

وزير الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتورة أمثال الحويلة صرحت بأن وسائل التواصل الاجتماعي "ليست المكان الأمثل لمحاربة الفساد وأن على من لديه دلائل على الفساد أن يتجه بها للنيابة العامة"، وهو قول عام كان يمكن أن يمر مرور الكرام لو لم تكن بعض النفوس مشحونة ضد الحكومة كقول النائبة والوزيرة السابقة الدكتورة جنان بوشهري إن الوزيرة تريد فرض قانون "أمثال"، وتريد تكميم الأفواه ولا تريد الكشف عن الفساد المستشري بالبلاد عبر وسائل الإعلام.

انقطاع الكهرباء بالكويت نتيجة تراكم تقصير حكومات سابقة بلا شك، ونتيجة تكالب قوى الفساد سابقاً على مناقصات ومشاريع كهربائية كان يسيل لها لعاب اللصوص، ويتزامن مع هذا التقصير إسراف وتبذير حكومي في الصرف على مؤسساتها ووزاراتها وكرمها مع كبار ملاك العقارات والعمارات الذين يدفعون قيمة الاستهلاك نفسها التي يدفعها المواطن العادي لمسكنه الخاص، ولا يمكن لأي منصف أن يخلي الإفراط الشعبي الاستهلاكي من المسؤولية.

التصريحات الحكومية تجاه حل مشكلة الكهرباء بالكويت عبر الربط الكهربائي الخليجي وعبر بناء محطات كهربائية ستنجز خلال أشهر، وهي مسألة تدفع للتفاؤل بحل جذري للمشكلة، كما يفترض أن تؤدي إلى تقليل الشحنات الكهربائية والنفسية.

يقال إن المزاج يكون أكثر توتراً في الأجواء الحارة، بينما تتسم الشعوب التي تعيش بالمناطق الباردة ببرودة الأعصاب، هناك نوايا وتصريحات وبعض الإجراءات الجدية في محاربة الفساد، لكن التصريحات التي لا تترجم لأعمال حكومية بناءة ستؤدي إلى ازدياد شحنات النقد الإعلامية لأداء الحكومة، وخصوصاً في ظل الغياب الموقت لمجلس الأمة الكويتي.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • القضية والاحتجاجات الطلابية
  • من أسقط المروحية؟
  • الكويت إلى أين؟







  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي