الشرق الأوسط .. هل من حرب جديدة؟
2024-06-27
إميل أمين
إميل أمين

ولأن الموت في الشرق الأوسط بات عادة، فقد أضحى السؤال الأكثر ترديدًا على لسان سكّان هذه المنطقة الموبوءة بعدم الاستقرار: "هل من حرب جديدة على الأبواب"؟

يبدو أن تسعة أشهر أو يزيد من الجحيم في غزة لم يَعُدْ يكفي، وتكاد القارعة الكبرى تنفلش في المنطقة، مهددة بما هو أشدّ خطورةً، ودفع لبنان الذي كان يومًا بلاد الأرز العالي والغالي، إلى مجهول أكثر خطورةً، بل بما يحمله على الضياع قبل الوصول إلى الانحدار للهاوية.

بالنظر إلى التجهيزات على الحدود الشماليّة لإسرائيل، يبدو المشهد وكأن القارعة غدًا أو بعد غد، والجميع يتوقّع، بل بلغ الأمر حدَّ وضع محددات زمنية للعملية العسكرية هناك في مواجهة حزب الله.

لكنّ قومًا من الخبراء الإستراتيجيّين، لهم وجهة نظر أخرى، مفادها أن إسرائيل لا ترغب ألبتّة في الدخول في حرب مباشرة مع حزب الله المدعوم إيرانيًّا، وتوسعة رقعة الحرب في المنطقة، تزامنًا مع الحرب الدائرة في قطاع غزة، وقد تسعى لممارسة ضغوط نفسيّة على الداخل اللبناني من أجل ردع حزب الله عن الهجمات المتواصلة ضدّ الأهداف الإسرائيليّة.

لم ينجرّ الحزب الذي يمثل أداة من أدوات حروب الوكالة لإيران إلى المعركة الدائرة في غزة بشكل كامل، غير أنّه لم يتوقف عن المناوشة العسكرية، بقصفات صاروخيّة من وقت لآخر، مع ردّات فعل إسرائيلية، غالبها ضربات انتقائيّة، تختار كوادر من الحزب، وتوقعهم قتلى سواء في سوريا أو لبنان، عطفًا على الغارات الجويّة، والضربات بالطائرات المسيَّرة أو الصاروخية.

هل لدى نتنياهو رفاهية حرب جديدة مع حزب الله؟ وهل ستقف إيران مكتوفة الأيدي هذه المرة، بعد أن صمتت طوال أشهر الحرب في غزة؟

المقطوع به أن نتنياهو يدرك تمام الإدراك أن المواجهة مع الحزب العقائدي، ومن ورائه إيران الزاخم والداعم، يختلف عن المواجهة مع الحمساوية في غزة لسببَيْن:

أوّلاً: الصراع مع حزب الله مغلَّف برؤية عقائديّة مطلقة، وعلى هذا الوصف، هو ليس صراعًا أيديولوجيًّا، قابلاً لقسمة الغرماء، والتوصل إلى معاهدات ترضي جميع الأطراف أو بمعادلة أخرى الجميع فائز.

في هذا النوع من الصراعات تسود ثقافة الإقصاء على ثقافة اللقاء، وتعلو أفكار العزل والاستبعاد إلى حدّ المطالبة بإنهاء الآخر أدبيًّا وماديًّا.

ثانيًا: حديث الحشد العسكري، سواء كان قوة بشرية، أو لوجستيات تبدأ من الأسلحة التقليدية، لا سيما النوعيّة، وصولاً إلى المنظومات الصاروخيّة طويلة المدى، وهذه تتوافر للحزب بأكثر كثيرًا جدًّا مما وُجِد لدى الحمساويّين في غزة.

هنا يُعاد طرح التساؤل: "كيف يمكن لنتنياهو أن يُقدِم على مثل هذه المعركة وفي هذا التوقيت الصعب، حيث لا يزال المستنقع الغزاوي مفتوحًا، وخلف باب غزة أزمات تشتهي أن تنغص من رفاهية العيش الإسرائيلي في الحال والاستقبال؟

الجواب محيّر ومثير، غير أنّ نظرة عليا، إن جاز التعبير لزيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لواشنطن الأيّام القليلة الماضية، ربما تكشف لنا أكثر ممّا هو ظاهر على سطح الأحداث تجاه أزمة الشرق الأوسط، وما إذا كانت هناك نِيّة لخوض حرب جديدة.

ليس سرًّا القول إن إدارة بايدن قد سئمت أو مَلَّت من نتنياهو، وهذه غالب الظنّ حقيقة، فقد خذل نتنياهو بايدن شخصيًّا أكثر من مرة، ولا يعني ذلك أنّ واشنطن بريئة بالمطلق من ألاعيب رئيس الحكومة الإسرائيلية.

هنا يبدو من الواضح جدًّا أن هناك في العاصمة الأميركية من يسعى لتغيير نتنياهو، وهو ما يفهمه الأخير بشكل جيد، وعليه تُطرَح علامات استفهام مقلقة للأميركيين عامة ولإدارة بايدن خاصةً، تتصل بما يريد نتنياهو بالفعل تحقيقه.

لا يبدو تاريخ نتنياهو ناصعًا أبدًا في العلاقات مع بعض من رؤساء أميركا، فالجميع يتذكر أنه في نهاية تسعينيات القرن الماضي، وحين حاول الرئيس الأسبق بيل كلينتون ممارسة نوع من أنواع الضغوطات السياسية تجاهه، للوصول إلى ما أطلق عليه في ذلك الوقت "كامب ديفيد 2"، كانت ردَّة فعل نتنياهو كارثيّة، وقد هدّد كلينتون بأنه سيشعل له واشنطن، وهو ما حدث بالفعل من خلال تفجير قضية المتدربة في البيت الأبيض "مونيكا لوينسكي"، ما جعل من كلينتون في ولايته الثانية، بطّة ميتة لا بطة عرجاء فحسب.

هل وصلت العلاقات مع بايدن إلى هذا الحدّ وباتت هناك رغبة لدى نتنياهو في الخلاص من بايدن لهدف آخر؟

يعلم الجميع أنه رغم الخلافات الداخلية في مجلس الحرب الإسرائيلي، والذي تمّ حلّه، إلا أنه ما من أحد يختلف هناك حول ضرورة حصول تل أبيب على أحدث الأسلحة الأميركية، ومن الواضح أن بايدن وتحت ضغوطات الداخل والخارج، بات يؤخّر تسليم أنواع بعينها تحتاجها إسرائيل في مغامرتها القادمة مع حزب الله، صاحب الأنفاق التي تتجاوز حكمًا في مهنيّتها أنفاق حماس.

هدف غالانت المؤكد هو الحصول على قنابل الأعماق الأميركية الشهيرة GBU بأنواعها المختلفة وأشكالها المتباينة بحسب الهدف المراد تدميرُه.

غالانت بدوره لم ينفِ استعداد إسرائيل لأيّ عمل قد يكون مطلوبًا سواء في غزة أو لبنان، أو أيّ مناطق أخرى إضافية حسب تعبيره، ما يعني أن الساحة مفتوحة أمامه، وأن تخطيط حكومة نتنياهو قد يمضي إلى ما هو أبعد كثيرًا من مجرد حزب الله.

هل في الأمر مناورة سياسية وعسكرية للضغط على الحزب وإرجاع قوّاته إلى ما وراء نهر الليطاني كما تطالب تل أبيب؟

هذا وارد بالفعل، غير أن مدرسة التحليل المؤامراتيّ، تذهب للقول بأن نتنياهو قد يمضي بالفعل في طريق عملية عسكرية محدودة أو متوسطة ضدّ الحزب لهدف أبعد مما يبدو على السطح.

أنصار هذا الطرح يقولون إن نتنياهو سوف يعمد إلى الحرب السريعة الخاطفة، ليورّط بايدن في الردّ العسكري، الأمر الذي سوف ينعكس حكمًا على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر القادم.

تقليديًّا، لا يمكن لإدارة في زمن انتخابات أن تسمح بنشوب حرب تتورط هي فيها، لما لذلك من تأثير على الرأي العام الأميركي، وبخاصة الجماعة الداعية للانعزالية.

على رأس هؤلاء الرئيس ترامب، والذي يعتبر أنه لا يوجد في الشرق الأوسط سوى الرمال والموت والدماء.

هل يتطلع نتنياهو لأن يخسر بايدن انتخابات الرئاسة القادمة، ولهذا يضع العصا في دواليب كافة مبادرات الرئيس ساكن البيت الأبيض بهدف تسويف الوقت وإشغاله في عملية أخرى تدفعه خارج البيت الأبيض ليحلَّ ترامب مكانه؟

ترامب في أعين الكثيرين هو الصديق الأنفع والأرفع لإسرائيل والرجل الذي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما لم يتجرَّأْ عليه رئيس من قبله منذ إنشاء دولة إسرائيل.

هل من خلاصة؟

الضباب والارتباك لا يخيمان على إسرائيل والشرق الأوسط فحسب، بل على واشنطن كذلك، الأمر الذي يسمح بحدوث مفاجآت غالبًا غير سارَّة... دعونا ننظر ما يحدث.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • واشنطن - بكين.. من يكسب ثقة العرب؟
  • الزلزال الأوروبي والحضارة الجديدة
  • أميركا.. انتخابات رئاسية مأزومة







  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي