هل ينجح معارضو ترمب الصامتون في سد طريقه إلى البيت الأبيض؟
2024-03-11
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

لعل أكثر الانطباعات المثيرة للدهشة خلال الأسابيع القليلة الماضية كان إلى أي مدى يبدو مقبولاً على ضفتي المحيط الأطلسي، بأن يكون دونالد ترمب هو مرشح الحزب الجمهوري لخوض الانتخابات الرئاسية بشكل مفروغ منه، وأيضاً أنه من شبه المؤكد أنه سيكون مقيماً [كرئيس للبلاد] في البيت الأبيض في مثل هذا الوقت من العام المقبل. وربما يكون من المعقول أن نقول أمام كل تلك التأكيدات: "تريثوا لو سمحتم..."

إنه صحيح أيضاً أن ترمب وحتى الآن، كان قد حظي بواحدة من أسهل المسارات للفوز بترشيح حزبه لخوض الانتخابات المقبلة، في مواجهة أي من المنافسين في الفترة الماضية. نيكي هايلي المنافسة الوحيدة لترمب في ما بعد التصفيات في التجمعات الانتخابية التي جرت في ولاية أيوا Iowa، نجحت في الفوز في اختبارين فقط، في ولاية فيرمونت Vermont، والعاصمة واشنطن، قبل أن تقوم في تعليق حملتها. حتى إن هايلي كانت قد خسرت ترشيح الحزب الجمهوري في ساوث كارولينا South Carolina، الولاية التي تعتبر ولايتها، حيث كانت تشغل منصب الحاكم، وهو ما يعتبر بداية غير مقنعة لمحاولتها خوض غمار الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وهي من خلال ذلك تكون قد أفسحت المجال أمام ترمب كي يصبح مرشح الحزب الجمهوري لخوض ذلك السباق.

حصلت حملة ترمب على دعم لم يكن متوقعاً، من ناحية التوقيت وليس المضمون، عندما وافقت المحكمة العليا الأميركية على استئناف ترمب الحكم الصادر بمنعه من خوض منافسة مرحلة التصفيات على مستوى كل ولاية بشكل فردي. وجاء الإعلان عن الحكم وهو كان بإجماع من القضاة، في اليوم الذي سبق ما يعرف بيوم "الثلاثاء العظيم" Super Tuesday، الذي يشهد قيام 15 ولاية بإجراء انتخابات التصفية تلك في يوم واحد. تتعلق القضية المعنية بولاية واحدة محددة هي ولاية كولورادو Colorado، لكن ولاية ماين Maine، كانت قد لحقت بها أيضاً من خلال إعلانها منعا بحق ترمب من خوض منافسات التصفية على ترشيح الحزب، وكان من المتوقع أن تقوم ولايات أخرى في القيام بنفس الخطوة.

وقضت المحكمة العليا بأن الكونغرس الأميركي هو وحده السلطة المخولة البت بأي قضية تتعلق بالانتخابات الفيدرالية، وكان القضاة الثلاثة المحسوبين على التيار الليبرالي، الذين كان من الممكن أن يبحثوا عن أي سبب كي لا يدعموا موقف ترمب، قد شرحوا مصادقتهم على الحكم من خلال مجادلتهم، وعن حق بالتأكيد، بأن أثر العزوف عن إصدار مثل ذلك الحكم قد يكون له تبعات "فوضوية من خلال قيام كل ولاية على حدة باتخاذ الموقف المناسب لها، وهو ما يعارض "مبادئ الفيدرالية" السائدة في الولايات المتحدة الأميركية. هناك حالياً تحركات جارية على قدم وساق لتأمين قيام الكونغرس بمراجعة المسألة، ولكنه من المستبعد جداً أن يتم تمرير أي إجراء، إذا أخذنا في الاعتبار توزيع الأصوات بين الأحزاب في الكونغرس، وقرب موعد إجراء الانتخابات.

 وعلى رغم أنه لا تزال هناك محاذير في شأن فرص ترمب للفوز إما بترشيح الجمهوريين أو بمنصب الرئاسة، مقارنة بالمخاوف من فترة رئاسية أخرى له، وهي أمر مختلف تماماً، فإن تلك المحاذير تأتي بشكل كبير من جانب الخبراء السياسيين، وعلماء النفس الذين يحللون التفاصيل الدقيقة للقضية. المحاذير المعينة هذه تبدو أيضاً بأنها تعكس تماماً المحاذير التي كنا قد سمعنا عنها في حملات انتخابية سابقة.

قبل انتخابات كل من عامي 2016 و2020، كانت التحذيرات في تلك الفترة تتعلق بإمكانية وقوع أخطاء حسابية قد ترتكبها مؤسسات استطلاعات الرأي، لأنه كان يعتقد على الأقل أن مؤيدي ترمب قد يكونون متخوفين من الكشف عن ولاءاتهم بصورة علنية. أما في هذه المرة، فإن تلك التحذيرات تتعلق بمسألة التقليل من تقدير حجم "الأغلبية الصامتة"، أو من يعتبرون "معارضين سريين لترمب من الجمهوريين"، الذين يتحتم عليهم حالياً الاختيار إلى من ستذهب أصواتهم إذا كان هناك بالفعل جولة إعادة للمباراة بين الرئيس بايدن والرئيس السابق ترمب في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ربما صوت هؤلاء لصالح هايلي في الانتخابات الأولية أو أنهم فضلوا البقاء في منازلهم، هذا وقد تمت الملاحظة بأنه في بعض الولايات، ومن ضمنها كل من ولاية أيوا، وتكساس وساوث كارولينا، كان حجم المشاركة في الاقتراع فيها منخفضاً أو أن عدداً من صوتوا لترمب كان أقل مما كان متوقعاً، وأن نسبة الفرق بين الأصوات التي فاز بها كل من هايلي وترمب لم تكن كبيرة. فهل يمكن اعتبار ذلك بمثابة نذير لما من شأنه أن يأتي في المستقبل؟

"أحد العوائق التي قد تنشأ عن المؤشرات بوجود رد فعل معارض صامت بين الجمهوريين ضد ترمب، هو أن حجم تلك الشريحة ربما يكون أكبر ومنتشراً بشكل أوسع مما يظهر عليه الأمر حالياً، وأن من شأنه أن ينمو أكثر".

إذا افترضنا جدلاً بأن ترمب سيكون مرشح الجمهوريين في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وأن الرئيس بايدن سيكون مرشح الحزب الديمقراطي، فإنه سيتحتم في ذلك الوقت على الجمهوريين المعارضين لترمب القيام في الاختيار بين التضحية بولائهم الحزبي [والتصويت للمرشح الديمقراطي] أو الامتناع عن التصويت تماماً، ما هو عدد هؤلاء التقريبي، وما من شأنه أن يقنعهم للقيام بمنح أصواتهم للفريق الآخر، وكم سيبلغ عدد من سيقررون الامتناع تماماً عن التصويت ربما، من شأنها كلها أن تشكل الأسئلة الأساسية بالنسبة لمستطلعي الآراء، والمسؤولين في الحملات الانتخابية في الأشهر المقبلة.

لكن، هذا لا يعني أنه لا يوجد ما يوقف عملية ترشح ترمب للرئاسة، قبل أن تبلغ الأمور ذلك الحد، لكن من المحتمل ألا تكون المحكمة العليا هي المؤسسة التي تقوم بذلك. ينظر إلى حكم المحكمة ضد الولايات التي تبقي مرشحاً خارج الانتخابات الأولية على نطاق واسع على أنه تلميح قوي إلى أنها ستحكم أيضاً لصالح ترمب في مسألة الحصانة الرئاسية.

إن تهمة التمرد هي الجناية الوحيدة التي يمكن على أساسها أن يتم منع أي شخص من الترشح للانتخابات وفق الدستور الأميركي، وهو ما يفسر لماذا يحرص كل معارضي ترمب بشكل كبير على اعتبار أن ثورة الكابيتول في السادس من يناير عام 2021، كانت عملية تمرد، وأن تتم محاكمة ترمب على ذلك الأساس ومحاسبته، لكن ترمب يصر على أنه كان لا يزال رئيساً في ذلك الوقت، ولذلك كان لا يزال يتمتع بالحصانة من أي مقاضاة في المحاكم. وإذا وافقت المحكمة العليا على ذلك، فإن مساعيه لخوض الانتخابات الرئاسية ستكون ممكنة.

إن جدول المواعيد هو أيضاً ضد طرح جدلية الحصانة من أجل وقف تقدم ترمب نحو الوصول إلى البيت الأبيض. ومن المفترض أن تقوم المحكمة العليا بالنظر في تلك المسألة في 25 أبريل (نيسان)، وهو ما قد يجعل من البت بأي من القضايا الأخرى المرفوعة ضد ترمب غير محتمل، قبل وقت طويل من موعد انعقاد المؤتمرات الحزبية في الصيف، أو موعد الانتخابات نفسها، التي ستجرى في الخامس من نوفمبر المقبل. وتماماً كما كان يفعل عندما كان رئيساً، يواصل ترمب محاولاته اختبار الدستور الأميركي إلى أقسى الحدود.

حتى ولو كانت بعض القضايا العالقة في المحاكم ضد ترمب، التي من بينها دعاوى مدنية، إضافة إلى أربع قضايا جنائية، ومن بينها التمرد في مبنى الكابيتول، وقضية الاشتباه بدفع المال من أجل "شراء صمت" المخرجة والممثلة في الأفلام الإباحية، ستورمي دايلز، وكلها كان من المفترض إجراؤها قبل موعد الانتخابات، علماً أنه ليس هناك ما من شأنه دستورياً أن يمنعه من أن يتم انتخابه أو أن يمارس مهام منصبه الرئاسي من زنزانة السجن.

وهذا هو الوضع نظريا، على الأقل، على رغم من الشكوك الكبيرة التي تحيط بمثل هكذا احتمالية على هذه الضفة من المحيط الأطلسي. وأكثر من ذلك، لا يبدو أن أنصار ترمب منزعجون من إمكانية قيامهم بمنح أصواتهم الانتخابية إلى شخص مدان جنائياً، علماً أنهم ينظرون إلى تلك الاتهامات الموجهة إليه وإمكانية إيداعه السجن كدليل إضافي يؤكد السردية التي يؤمنون بها أصلاً، وهي أن النظام في الولايات المتحدة الأميركية ينحاز ضد الأشخاص من أمثالهم وأمثال ترمب، وهو اعتقاد يؤدي فقط إلى زيادة صلابة تأييدهم لترمب.

إذا كان من غير الممكن وقف ترمب عن طريق المحاكم، فهل هناك ما من شأنه ربما أن يصد طريقه نحو الانتخابات، وفي النهاية يقطع عليه وصوله إلى منصب الرئاسة؟ هناك حاجز يمكن أن ينشأ من التلميحات، وهذه ليست سوى تلميحات صغيرة، عن وجود رد فعل صامت ضده في أوساط شرائح من الجمهوريين، يبدو أنها أكبر وأكثر انتشاراً مما يبدو عليه الوضع حالياً، وذلك ربما من شأنه أن يتعاظم.

وكشف تحليل نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن "الجمهوريين المعارضين لترمب" أن تلك الشريحة الجمهورية تميل لكونها على مستوى علمي أكبر ومرتاحة مادياً وأكثر عدوانية لفكرة انتهاك القانون، وهي شريحة تندد بشكل أكبر بتمرد الكابيتول من أنصار ترمب المعتادين.

إذا تمت إساءة تقدير حجم هذه الشريحة أو أنها ستنفر من القضايا القضائية التي يواجهها ترمب في المحاكم، قد يؤدي ذلك ربما إلى إطلاق انقسام مفتوح في الحزب الجمهوري، الذي قد يولد عائقاً آخر أو أن من شأن ذلك أن يعقد مسيرة ترمب الرئاسية. ليس هناك من مؤشرات كبيرة على مثل هذا الانقسام [بعد]، ولكن ستة أشهر لا تزال تفصلنا عن موعد انعقاد المؤتمرات الحزبية، ويمكن أن يحدث الكثير حتى ذلك الوقت.

احتمال ثالث ممكن أيضاً ويمكن وصفه "بعامل بايدن" the Biden factor، الذي يمكن أن يظهر بعدة أشكال. ماذا لو تم إقناع الرئيس بايدن أو أنه جرى إجباره على التخلي عن حملته لإعادة انتخابه، فكيف سيكون شكل المنافسة بين ترمب وشخصية ديمقراطية أخرى؟ أو أن ينجح الرئيس بايدن بالقيام بحملة انتخابية أقوى مما هو محتمل، وحينها سيتوجب على ترمب أيضاً أن يزيد من جهوده للفوز. كان ترمب قد تحدى بايدن من أجل عقد مناظرة بينهما أخيراً، متسلحاً بما يعتقد أنه موقع القوة الذي يتربع عليه، ولكن ذلك يمكن أن يتغير أيضاً.

يمكن للناخبين في الولايات المتحدة أن يلتفتوا إلى كل تلك الاحتمالات من الخطاب عن حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس بايدن. وتصريحاته في الآونة الأخيرة تفيد بأنه لا نية لديه ليتم اعتباره خارج السباق، على الأقل ليس بعد. وقد هزم ترمب فعلياً في عام 2020.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • القتال بين إيران وإسرائيل لن يتوقف لكن حربا موسعة جرى تفاديها
  • 3 أسئلة ملحة قاد إليها الهجوم الإيراني على إسرائيل
  • إيران تعلم أن العالم في ترقب فما خطوتها التالية؟






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي