رفض ترمب لانتقاد بوتين موقف عبثي وهدية لمنافسيه
2024-02-29
جون سوبيل
جون سوبيل

إنه زمن الـ"سي بي أي سي" CPAC. وإذا لم تحرك الكلمات السابقة شهيتك، فسأحاول إثارة حماستك. إنه زمن مؤتمر "لجنة العمل السياسي المحافظ" الذي ينعقد على بعد أميال عدة من العاصمة واشنطن.

إلى حد ما، يشبه الـ"سي بي أي سي" الأميركي مؤتمر حزب المحافظين البريطاني، لكن صيت الأول أقل شيوعاً، ويحضره عدد أقل من الشباب الذين يرتدون ملابس تظهرهم بهيئة من يود أن يكون في الـ50 من العمر. ويشهد المؤتمر الأميركي نقاشات خلافية أقل من مثيله البريطاني. إلا أن النقاش قد انتهى، وبات الـ"سي بي أي سي" مكاناً لتجمع أنصار حركة "ماغا" MAGA [اختصار عبارة Make America Great Again "لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"] كي يلقوا التحية على قائدهم وملكهم بلا منازع، دونالد ترمب.

وكذلك بات الـ"سي بي أي سي" مكاناً يتحدث فيه المتكلمون المدعوون إليه عن الدولة العميقة، وكيف أن الحكومات يسيطر عليها "نشطاء متحولون جنسياً" و"متطرفون من نشطاء البيئة". ويتحدثون أيضاً عن تقويض القيم الأميركية عبر رؤى الجناح اليساري التي يبثها "بيت بايدن الأبيض".

وقد اقتصر ذلك على ليز تراس. كلا، ليس فعلياً. في هذا الأسبوع، روجت تراس قصة عن كيفية إسقاط حكومتها بواسطة تلك القوى الشريرة التي تآمرت على خنقها، إضافة إلى شرحها لجمهورها الأميركي المستمتع عن تجربة الـ"كوانغو" quango [هيئة شبه عمومية تتلقى تمويلاً من الحكومة التي تعين كبار المسؤولين فيها، لكن أفرادها لا يعدون من الموظفين العموميين].

لعل الذاكرة قد خانتني، لكن حينما تولت تراس رئاسة للوزراء، ألم تطرد كبار الموظفين في وزارة الخزانة، وساندت "بنك إنجلترا" بصورة عمياء، وتجاهلت "مكتب المسؤولية عن الموازنة" الذي أثار ذعر الأسواق بالكامل حينما كشف عن الموازنة المصغرة آنذاك؟ وقد كانت تلك هي الأسواق نفسها التي وضعت تراس ثقتها فيها بصورة كلية. ووفق ما ذكرت، ربما تتلاعب ذاكرتي بي، لكن بصدق، أين كانت الدولة العميقة عندما برزت الحاجة إليها؟

على كل حال، ثمة إغراء للمضي في مسار هذا النقاش، لكن مقالاتي القصيرة تتعلق الآن بالسياسات الأميركية، وليس البريطانية. في المقابل، تجدر الملاحظة أن مؤتمر "سي بي أي سي" الأميركي أضحى الآن أقرب إلى مكان يشبه عبادة طائفة مؤمنة بترمب، بأكثر من كونه منتدى لنقاش الأفكار الصادق. بالتالي، لقد اجتذب ذلك المؤتمر تراس، وكذلك، بالطبع، نايجل فاراج.

ويتولى إدارة شؤون "سي بي أي سي" الزوجان النافذان مات ومرسيدس شلاب. وقد تولت مرسيدس منصب مديرة الاتصالات الاستراتيجية إبان ولاية الرئيس ترمب. وأتذكر أنني أجريت نقاشاً مطولاً معها في مكتبها داخل الجناح الغربي من البيت الأبيض، عن سبب وجوب إجراء مقابلتي مع ترمب قبل زيارته المزمعة آنذاك إلى بريطانيا. وتملك مرسيدس وجهات نظر صارمة تماماً عن السياسات البريطانية، لكنها تبدو متناسبة بصورة عكسية مع مدى معرفتها عن ذلك الموضوع.

في المقابل، يعرف الزوجان شلاب الشأن الأميركي بصورة وثيقة. وتتمثل نقطة الذروة في مؤتمر "لجنة العمل السياسي المحافظ" بظهور دونالد ترمب. وبصورة مطلقة، يعتقد الزوجان أنه لا شيء يستطيع سد مسيرته إلى الانتصار على بايدن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

وفي ملمح مغاير، هنالك تقاطع عطلة نهاية الأسبوع مع الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في ولاية كارولاينا الجنوبية التي تولى منصب الحاكم فيها المرشحة نيكي هايلي. ولا يحول فوز ترمب دون تحولها شوكة في خاصرته. وعلى عكس أي جمهوري قد تهتمون بذكره، إنها ترفض التراجع والانحناء. بالفعل، أي شيء سوى ذلك. وقد أخبرت مناصريها هذا الأسبوع "أشعر أنني لست في حاجة إلى تقبيل الخاتم. لست بخائفة من انتقام ترمب. أنا لا أسعى للحصول على أي شيء منه".

جاءت الكلمات السابقة ضمن مؤتمر صحافي عمد منظمو حملتها الانتخابية بذكاء إلى إخبار مؤسسات الإعلام أنه يشكل إعلاناً عن "حالة السباق". إنه أمر ذكي لأن كل الأقنية الموالية للجناح اليميني افترضت أن المؤتمر الصحافي سيشهد إعلان هايلي عن انسحابها. إذاً، للمرة الأولى، تولت تلك الأقنية بث مؤتمر صحافي لهايلي بصورة مباشرة، لكنها وجهت ضربة مفاجئة لترمب.

وقد فتح موت أليكسي نافالني، بالأحرى رد فعل ترمب على ذلك، مساحة أمام هايلي كي تزيد حدة هجماتها على الرئيس السابق، إذ لم ينبس الأخير ببنت شفة على مدار الأيام التي تلت الوفاة. لكن، حينما كسر حاجز صمته، قارن ترمب ما أصاب نافالني مع ما يفعله النظام القضائي في الولايات المتحدة معه. بالنسبة إلى تلك المقارنة، وفي أفضل الأحوال، قد تصفونها بالأمر الكريه، لكنه أمر أتاح لهايلي أن تضع ترمب في هيئة التابع لبوتين، إذ لم يصدر عن ترمب أي نقد للرئيس الروسي.

في الواقع، أطلب منكم أن تعثروا لي على انتقاد واحد وجهه ترمب إلى بوتين، على الإطلاق. حينما تولى الرئاسة، إذا طلبتم مني خوض ذلك التحدي [العثور على انتقاد من ترمب] في شأن رئيس وزراء كندا ترودو أو المستشارة الألمانية السابقة ميركل أو الرئيس الفرنسي ماكرون أو رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تريزا ماي، لأعطيتكم إجابتي خلال بضع ثوان. لكن، بخصوص بوتين، لا شيء على الإطلاق.

في المقابل، خلال هذه الأوقات من الأخطار الجغرافية - السياسية المتفاقمة، قد يأتي ضرر كبير من سردية مفادها أن ترمب سيكون أضعف من هايلي على المسرح العالمي، وأنه واقع في حب قادة مستبدين، ولسوف يحطم حلف "الناتو" أيضاً.

وبالتأكيد، لقد التقط البيت الأبيض والرئيس بايدن، تلك الملاحظات التي صدرت من هايلي. وبسرعة فائقة، وضع البيت الأبيض تلك الملاحظات على أقنية السوشيال ميديا.

إذاً، لم لا تفكك هايلي خيمتها وتعود لمنزلها؟ إنه سؤال وجيه. وبصورة واقعية، لا فرصة لها لهزيمة ترمب في نيل ترشيح الحزب الجمهوري، ما يعني أيضاً الملايين التي تنفق على حملتها ليست سوى أموال ترمى في لمجرد الوفاء بالالتزام. واستدراكاً، ثمة منظور آخر، واحد على المدى القريب، وثانٍ في المدى البعيد.

إذا سقط ترمب بسبب تلك الصعوبات القانونية أو حالته الصحية، ستكون من سيستدعى لملء الفراغ. إنها المرشحة الأكثر إثارة لرعب الديمقراطيين، ومرد ذلك أن الاستطلاعات تؤكد حقيقة ذلك الخوف.

في المدى البعيد، ثمة أمر آخر. إنها في سن الـ52. بالتالي، إنها تستطيع الاستمرار في الملعب السياسي حتى عام 2040 حينما ستغدو أصغر مما كان ترمب وبايدن في انتخابات الرئاسة لعام 2016. لنقل إن ترمب خاض انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل، ثم خسر ثانية. حينها، سيأتي انتصارها من كونها قدمت للحزب الجمهوري، مقاربة ذات طابع ريغاني تام، بمعنى تقليص الحكومة ومد أذرع القوة الأميركية في الخارج.

قد تذهب نيران ولايتها، كارولاينا الجنوبية، بحظوط هايلي، لكنها تراهن على لعبة طويلة الأمد. وسيأتي ذلك متأخراً، لكنه سيكون أكثر فاعلية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • قد يخسر ترمب قضية المال مقابل الصمت لكن الأسوأ ما زال أمامه
  • الحظ يحالف ترمب من جديد لكن ما معنى ذلك لحملته الانتخابية؟
  • غزة وأوكرانيا قد تطيحان حظوظ بايدن في الفوز بالانتخابات






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي