مشكلة الوعد بتخفيض الضرائب: لا يمكننا تحمل كلفته
2024-01-28
جيمس مور
جيمس مور

عندما سمعت أن معهد دراسات المالية العامة قد دعا السياسيين البريطانيين إلى إظهار قدر أكبر من الصدق عند الحديث عن الأوضاع المالية المهتزة للأمة، قلتُ لنفسي: بالله عليك! في عام يشهد انتخابات؟

تلقي المؤسسة غير الحزبية للبحوث المالية نظرة على ما يقوله الحزبان الرئيسيان، في ظل الخلفية المالية العامة الرهيبة التي يتعين على بريطانيا أن تتعامل معها. وغني عن القول، أن الصورة ليست جميلة. فكروا في واحدة من تلك البقع المسببة للصداع والمؤلفة من ألوان عنيفة التي قد يراها المرء معلقة في دار تيت للمعارض [المخصصة للفن الحديث].

المشكلة الرئيسة التي تواجهها الأمة هي أن الاقتصاد يتأرجح مثل سيارة الترابانت الألمانية الشرقية القديمة وقد وُضِع مجفف شعر محل المحرك. من الصعب أن نرى هذا الوضع يتغير، على الأقل في الأجل القريب.

يَعِد كلا الحزبين الرئيسيين بخفض الدين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بعدما قفز خلال الجائحة وزاد مرة أخرى نتيجة لإنقاذ الحكومة شركات الطاقة المتعثرة. وسيكون من الصعب للغاية تحقيق ذلك عندما لا يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي قابلاً للزحزحة.

ووفق معهد دراسات المالية العامة، الذي يتمتع بسمعة قديمة ومحمية بدقة على صعيد الكفاءة، تنطوي خطط الحكومة الحالية على خفض 20 مليار جنيه استرليني (25 مليار دولار تقريباً) في الإنفاق اليومي باستثناء الإنفاق على هيئة الخدمات الصحية الوطنية والمدارس والدفاع والمساعدات الدولية ورعاية الأطفال، وكلها أولويات سياسية إلى درجة أكبر أو أقل.

وغني عن القول إن هذا الخفض سيشكل تحدياً خطيراً لمن سيصبح وزيراً للمالية في وقت تترنح الخدمات العامة، وفي بعض الحالات، توشك على السقوط. لاحظوا أن الحكومة اضطرت للتو إلى تمويل حزمة دعم طارئة بقيمة 600 مليون جنيه للسلطات المحلية، التي يحدق الإفلاس بالعديد منها، بالإضافة إلى ما أُعلِن عنه في التسوية الأخيرة بين الطرفين. ويُخصَّص معظم المال للرعاية الاجتماعية.

من السهل التحدث عن الحد من الروتين الإداري والحد من الهدر، كما يحب السياسيون أن يفعلوا عندما يُسأَلون أين سيجدون أوجهاً للتوفير. أما وضع القول موضع التنفيذ فأكثر بكثير. يكفي القول، إن حساب الحقل لن يوافق حساب البيدر.

هذا يقودنا إلى الوجه الآخر للعملة الواحدة: الضرائب. الطريقة الأخرى لسد الثقب الأسود التي يحددها معهد دراسات المالية العامة في الشؤون المالية للأمة هي رفع الضرائب. المشكلة في هذه الطريقة هي أن العبء الضريبي في المملكة المتحدة عند مستوى قياسي مرتفع، على رغم أن المعهد يشير إلى أنه، مقارنة بكثير من بلدان أوروبا، لا يزال في الجزء المنخفض إلى المتوسط في ترتيب هذه البلدان في هذا الصدد. وعلى رغم مما قد يعتقد به بعض الناس، من الممكن تماماً إدارة اقتصاد ناجح بضرائب مرتفعة نسبياً. انظروا إلى بلجيكا.

لا شك في أن المشكلة تكمن في أن الزيادات الضريبية تميل إلى أن تكون غير شعبية، ولهذا السبب أصبحت الحكومات مغرمة جداً بما أصبح يُعرَف بالضرائب الخفية. كان من بين أكثر هذه الإجراءات الضريبية خداعاً تجميد العتبات الضريبية، حتى يجد مزيد ومزيد من الناس أنفسهم وقد نُقِلوا إلى نطاقات ضريبية أعلى مع ارتفاع الأجور – أو ما يسمى السحب المالي العام.

وُصِف بيان جيريمي هانت الخريفي بأنه هبة في بعض الأوساط، مع خفض مساهمات التأمين الوطني وتقديم إعفاءات ضريبية إلى الاستثمار التجاري. لكنه في الواقع رفع العبء الضريبي الإجمالي. ومع اقتراب موعد الانتخابات في النصف الثاني من العام، ودعوة النواب الذين يجلسون خلفه في البرلمان بصوت عال إلى موازنة حازمة تخفض الضرائب، من غير المتوقع أن يكرر الحيلة عندما يكشف النقاب عن موازنته في أبريل (نيسان). على العكس من ذلك.

تعمل لمصلحة هانت الإيجابيات الدفترية العائدة إلى ديسمبر (كانون الأول)، عندما سجلت بريطانيا عجزاً في الموازنة أقل بكثير من المتوقع بلغ 7.8 مليار جنيه، أي أقل من نصف الرقم المسجل قبل سنة وأدنى مستوى لذلك الشهر منذ عام 2019. كذلك أدى تراجع معدل التضخم إلى خفض تكاليف الفائدة الحكومية. وأشارت "كابيتال إيكونوميكس" إلى أن هذه المجموعة مجتمعة منحت وزير المالية ما يقرب من 20 مليار جنيه بات في إمكانه التصرف بها.

هذا مبلغ مفيد حين يتوافر. ومن المحتمل أن يستخدمه، ما يخلق صداعاً لحزب العمال، الذي من المحتمل – كما فعل في الماضي – أن يعد بعدم إبطال خطوة كهذه. سيدرك كير ستارمر وزملاؤه جيداً أخطار الدخول في انتخابات مع التعهد بإلغاء التخفيضات الضريبية.

المشكلة هي أن خفض الضرائب، على حد تعبير ستارمر نفسه، "سيضع العصي في دواليب" الحزب الذي سيفوز في الانتخابات. فإما أن يواجه التحدي المتمثل في الاضطرار إلى إيجاد 20 مليار جنيه من الوفور – أي جولة أخرى من التقشف – أو سيتعين عليه زيادة ضرائب أخرى، أو كسر وعوده في شأن عدم الإفراط في الاقتراض.

أما الأسواق، كما اكتشفت ليز تراس على حسابها، فمن المرجح أن تنظر نظرة متشائمة إلى الإفراط في الاقتراض. هل يمكن للحزب الفائز أن يجد بطريقة ما طريقة لتحفيز النمو؟ هذا غير محتمل، ما لم تكن قدر من الذهب مخبأة في حديقة الورود الواقعة في مقر رئاسة الوزراء أو بعض الفاصولياء السحرية الكامنة بين الأشواك.

ما يمكن أن يفيد الاقتصاد البريطاني حقاً هو جرعة من الاستثمار الحكومي. المشكلة هي أن الخطط المالية العامة الحالية (وفق معهد دراسات المالية العامة) تدعو إلى خفض كبير في هذا المجال أيضاً. ومن المقرر أن ينخفض الاستثمار أيضاً إذا أُخِذت خطط حزب العمال لتوفير 20 مليار جنيه من الاستثمارات الخضراء في الاعتبار. يُعتبَر الاقتراض الحكومي بغرض الاستثمار عموماً اقتراضاً "جيداً" لأنه، إذا أُجرِي في شكل صحيح، يجب أن يحقق عائداً. وتميل الأسواق أيضاً إلى النظر إليه في شكل أكثر إيجابية مقارنة بموقفها من الاقتراض الذي يستهدف تغطية الإنفاق اليومي. لكن وبطبيعة الحال، من شأن الاقتراض بغرض الاستثمار أن يثير شكوكاً في شأن تلك التعهدات بخفض الديون كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

وهكذا، دعا معهد دراسات المالية العامة كلا الحزبين إلى الكشف عن خططهما: "بقدر ما قد يكون من المغري الانخراط في 'الكعكية' – السعي إلى الحفاظ على الكعكة المالية العامة الخاصة بالحكومة وأكلها [إنفاقها] – يجب على أي حزب جاد في الحكم بعد الانتخابات أن يقاوم الرغبة. ومن المؤكد أن الناخبين يستحقون أفضل من ذلك".

نحن نستحق أفضل من ذلك بالفعل. لكنني أظن بأن كثيراً من الكعك سيُقدّم إلينا في اليوم التالي للانتخابات فيتعين على الأمة بأكملها الانضمام إلى برنامج "مراقبة الوزن" المخصص لمكافحة السمنة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • إيلون ماسك يزرع رقائق كمبيوتر في الأدمغة... كيف أحصل على واحدة؟
  • هل يمكن لمنتدى دافوس أن يفجر مفاجأة؟
  • رسوم "رايان إير" الإضافية مخزية وأرباحها جنونية






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي