الحروب الثقافية.. تقسِّم الأميركيين!
2023-12-31
جيفري كمب
جيفري كمب

شهدت عشرينيات القرن الماضي سلسلةً من الحروب الثقافية المريرة في المجتمع الأميركي. والواقع أن القضايا الخلافية التي تقسّم الأميركيين بشدة كانت تختمر منذ سنوات عديدة، إلا أن تأثير الحرب العالمية الأولى والازدهار الاقتصادي الذي شهدته الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب أديَا إلى تسريع الضغوط من أجل تغيير المجتمع.

ومن تلك القضايا قضية تحرير المرأة التي أَضحت أخيراً قادرة على التصويت في الانتخابات بعد إقرار التعديل التاسع عشر للدستور في 1919. والعام نفسه شهد انتصار حركة الاعتدال التي كانت تحذّر من شرور المشروبات الكحولية وأفضت جهودُها إلى حظرها في الأخير عندما أصبح التعديل الثامن عشر الذي يحظر بيع المشروبات الكحولية وإنتاجها قانوناً في عام 1919. كما جعل قانون الهجرة لعام 1924 العديدَ من الأجانب غير مؤهلين للحصول على الجنسية الأميركية، ومنهم الكثير من الصينيين الذين أتوا إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر.

ومن القضايا الأخرى المثيرة للجدل النقاش الدائر حول تحسين النسل والاعتقاد بأنه من الممكن التقليل من ولادة بشر «غير مرغوب فيهم» من خلال منع فئات معينة من المواطنين الأميركيين من إنجاب الأطفال. كما كانت المواجهات بين الجماعات الدينية المسيحية شديدةً أيضاً، إذ يؤمن البعض بتفسير حرفي ضيّق للكتاب المقدس، بما في ذلك رفض نظرية التطور التي أتى بها داروين.

واليوم، وبعد مرور مئة عام على ذلك، أصبحت الحروب الثقافية مرة أخرى عنصراً أساسياً في المعارك السياسية التي تخوضها الولايات المتحدة داخلياً، وتتركز خلافاتها هذه المرة على التعليم، والعرق، والتنوع، وتعريفات النوع الاجتماعي، ودور الدين في المجتمع.

على مدى الأربعين عاماً الماضية، كانت القضايا الاجتماعية من قبيل الحق في الإجهاض، وحقوق النوع الاجتماعي، وقوانين الهجرة.. جزءاً من النقاش الثقافي الرئيسي. لكن الانفجار المعاصر للقضايا الثقافية بدأ فعلياً بعد حدثين دراماتيكيين. الأول هو ظهور جائحة كوفيد وما أعقبها من سياسة «البقاء في البيت» التي أدت إلى منع الأطفال من الذهاب إلى المدرسة وبالتالي زيادة اعتمادهم على والديهم للمساعدة في تعليمهم. ونتيجة لذلك، أصبح لدى الآباء فهم أوضح للدروس والمواد التي تعلَّم لأطفالهم ونوعية الكتب والمقالات التي يُطلب منهم قراءتها. أما الحدث الثاني، فهو مقتل رجل أسود يدعى جورج فلويد في مايو 2020 على يد رجال شرطة في مينيابوليس (ولاية مينيسوتا)، حيث أثار مقطع الفيديو الخاص بحادثة القتل واحداً من أوسع الاحتجاجات انتشاراً ضد «عنصرية البيض» في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى. ونتيجة لذلك، كانت هناك ضغوط متزايدة من أجل التأكد من أن الشباب واعون بمستوى العنصرية الموجودة في المجتمع والحاجة إلى ما أصبح يُعرف بـ«نظرية العرق النقدية» والتدريب على التنوع وقبول حقوق الآخر المختلف.

غير أنه عندما أصبح العديد من الآباء المحافظين على علم بما يدرَّس لأطفالهم في المدارس العمومية حول التاريخ الأميركي وأنماط الحياة الأميركية، طالبوا مجالس المدارس المحلية والمؤسسة التعليمية بمزيد من المساءلة والمحاسبة. وعلى نحو حتمي، ساهمت هذه القضايا في توسيع الهوة السياسية بين السياسيين المحافظين ونظرائهم الليبراليين.

غير أن إحدى عواقب هذا الانقسام المثيرة للقلق، هي الجهود التي يبذلها المتطرفون في كل من تياري اليسار واليمين من أجل قمع نقاش مفتوح للمواضيع المثيرة للجدل في الجامعات والمدارس. فقد مُنع أساتذة محافظون من إلقاء محاضرات حول العرق والنوع والأحداث التاريخية في الجامعات أو طُردوا منها، وذلك بدعوى أنها قد تثير «انزعاج» بعض الطلبة بسبب مما يسمعونه. أما «ثقافة إلغاء» اليسار، فقد عكسها نجاح المحافظين المتزايد في فرض قوانين تحظر مجموعة كاملة من الكتب في المدارس تتناول مواضيع مزعجة من قبيل تاريخ العلاقات بين الأعراق في الولايات المتحدة، والفصل بين الكنيسة والدولة المنصوص عليه في الدستور الأميركي.

كل هذه القضايا ستسلَّط عليها الأضواء بشكل كبير خلال الحملة الرئاسية المقبلة، إلى جانب المواجهات المتوترة والمشحونة على نحو متزايد حول حقوق الإجهاض والحاجة إلى سياسة هجرة قابلة للتطبيق في هذا الوقت الذي استفحلت فيه وخرجت عن السيطرة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي