غزة تفتقد ناجي العلي
2023-10-26
علي قاسم
علي قاسم

الحروب لا تصلح موضوعا للكوميديا. الحروب مأساة أو لا تكون.

الطرفة عادة لا تنمو إلا في بيئة سوداوية قاسية، لو وضعنا لها المعاناة مقياسا لوجدنا القراءة ترتفع درجة كلما ازدادت المعاناة درجة.

لذلك، نلاحظ ونحن في ذلك على صواب أن الشعوب المترفة تفتقد روح النكتة والطرافة.

هل يمكن أن نتخيل موليير سويسريا أو نرويجيا مترفا؟

لم يكن موليير الذي ولد في بدايات القرن السابع عشر فقيرا، فهو ابن لتاجر، درس في كلية كليرمون اليسوعية، حيث تلقى فيها روائع الأدب ومبادئ العلوم الأساسية والفلسفة، وتعلم اللغة اللاتينية أيضاً، ودرس إلى جانب ذلك القانون وزاول مهنة المحاماة.

اختار موليير طوعا أن يهجر المحاماة وعمره 21 عاما ليبحث عن المتاعب وينضم إلى مجموعة مسرحية صغيرة ويدخل السجن مرتين بسبب تراكم الديون عليه.

في عام 1643 وهو العام الذي اختار فيه المسرح على القانون، لم تكن باريس مدينة للأنوار، بل مدينة للفقر والبؤس يتحكم فيها رجال الدين والنبلاء، أما باقي سكان فرنسا من مزارعين وحرفيين وتجار، فكانوا يعانون الظلم والفقر.

من هذه البيئة استمد موليير شخصيات مسرحياته، ليموت وهو على خشبة المسرح يؤدي دوره في مسرحية مريض الوهم.

مات موليير بنوبة قلبية وهو في الخمسين من عمره، تاركا وراءه 95 عملا مسرحيا مازال معظمها يعاد تقديمه على مسارح العواصم الأوروبية إلى اليوم.

من الطبيب الطائر، إلى مريض الوهم، كتب موليير مسرحيات عن المغفل، المتحذلقات، البخيل، البرجوازي النبيل وطبيب رغم أنفه.. الشيء الوحيد الذي لم يكتب عنه هو الحرب، رغم أنه عاش حرب الفروند (1648 – 1653) بين الملك لويس الرابع عشر وبين النبلاء والبرلمانات المحلية وانتهت بانتصار الملك.

شارلي شابلن الذي قدم 80 فيلما كوميديا وعاصر حربين عالميتين استطاع أن يكسر القاعدة ويقدم ثلاثة أفلام كوميدية موضوعها الحرب. أولها عام 1918 فيلم الجندي المتأخر، يظهر فيه بدور المتشرد. والثاني في نفس العام، جندي الكتيبة. أما الثالث فهو فيلم الدكتاتور العظيم عام 1940 الذي أدى فيه دورين؛ دور هتلر ودور حلاق يهودي يشبه هتلر بالمظهر.

إذا كان شابلن قد قدم ثلاثة أفلام كوميدية يدور موضوعها عن الحرب، فإن فنان الكاريكاتير الفلسطيني المشهور بشخصية حنظلة قدم 40 ألف كاريكاتير خلال مسيرته الفنية، انتقد فيها الاحتلال الإسرائيلي والحكام العرب، وكان يستخدم أسلوبا ساخرا وجريئا في رسوماته، مما جعله عرضة للتهديد والملاحقة انتهت بعملية اغتياله في لندن عام 1987 حيث أصابه مسلح مجهول بطلقات نارية استقرت في رأسه، وظل في غيبوبة لأكثر من شهر، قبل أن يُعلَن عن وفاته في 29 أغسطس من نفس العام.

ولم يُكشَف عن هوية الجاني أو الجهة التي تقف خلفه حتى الآن.

اليوم والفلسطينيون محاصرون في غزة، معرضون للجوع والعطش والقتل، يفتقدون حنظلة ويفتقدون فنانا بقامة ناجي العلي يكشف للعالم مأساتهم.

من قال إن الطرفة لا يمكن أن تكون سلاحا، عليه أن يتصفح 40 ألف كاريكاتير رسمها ناجي العلي.

 

 


مقالات أخرى للكاتب

  • موقف موسكو الصعب وموقف بكين الأصعب
  • العالم أصبح ذكيا.. ولكن، ماذا ربحنا وماذا خسرنا؟
  • تونس.. البلد الذي أنهى عصر الأحزاب






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي