حرائق هاواي.. المناخ والسياسة
2023-08-19
جيفري كمب
جيفري كمب

أغسطس هو الشهر الذي يربطه معظم الأميركيين بالعطلة. وإحدى أكثر الوجهات تفضيلا في موسم العطلة هذا هي جزر هاواي التي تتمتع بطقس مثالي على مدار السنة، وشواطئ ومناظر طبيعية خلابة تخطف الألباب، وسهولة الوصول إليها جواً من كل أنحاء أميركا الشمالية وآسيا. ضمّت الولايات المتحدة هاواي رسمياً في عام 1898 وأصبحت هذه الأخيرة الولاية الخمسين ضمن الاتحاد في عام 1959. وما زال بعض سكان هاواي الأصليين يعتقدون أن جزرهم سُرقت من قبل الولايات المتحدة وما زالوا يسعون وراء الاستقلال. وبسبب جمالها، فإن هاواي تُعد من أغلى مناطق الولايات المتحدة، حيث تصل أسعار السكن والمواد الأساسية إلى مستويات باهظة، بما في ذلك الطعام والطاقة والنقل.

في يوم 8 أغسطس، تسببت رياح عاتية من إعصار بعيد في سقوط خطوط الطاقة الكهربائية، ويُعتقد أن هذا هو سبب الحرائق التي حدثت، وخاصة في جزيرة ماوي. فقد كانت الأشجار والنباتات جافة جداً، وما إن شبّ الحريق حتى انتشر بسرعة ولم يكن بالإمكان إيقافه. وكان هذا كارثياً بالنسبة لبلدة لاهاينا بشكل خاص. ويُعد هذا الحريق الأسوأ من نوعه الذي يحدث في الولايات المتحدة منذ أكثر من مئة عام. وحتى الآن، تم تسجيل أكثر من 100 وفاة لها علاقة بالحريق. وهذه الحصيلة تظل مرشحة للارتفاع. ودُمر 3 آلاف منزل في المنطقة تقريباً. الكثير من مالكي المنازل المدمَّرة هم من سكان هاواي الأصليين الذين كانوا يمتلكون منازلهم منذ أجيال، أي دون أي قروض أو رهون عقارية. غير أن هذا يعني أنهم لم يكونوا مضطرين لشراء تأمين إلزامي على المنزل، وبالتالي فقدوا كل شيء وليس لديهم أمل في استرداد ما ضاع أو في الحصول على تعويض عادل.

وهناك حالياً نقاش حاد من النوع الذي بات يطلق على نحو متزايد في أعقاب مثل هذه الكوارث. فالسكان يشعرون بالضعف والهشاشة، إذ ليس لديهم أي مكان ليذهبوا إليه، ومن الصعب عليهم العثور على مأوى. والأهم من ذلك كله أنهم قلقون ويخشون أن يصبحوا أهدافاً للمطوِّرين العقاريين الذين سيحاولون شراء سندات الملكية الخاصة بهم ثم يعيدوا بناء المدينة بمنازل وشقق فاخرة لن يكون السكان المحليون قادرين على تحمل أسعارها.

ولا شك في أن ما حدث في هاواي عقب هذه الحرائق سيكون بمثابة جرس إنذار لكل بلد ومجتمع يزداد عرضةً للكوارث المرتبطة بالطقس، والتي يُعزى الكثير منها إلى الاحتباس الحراري. وهذا يشمل زيادةَ مخاطر حدوث أعاصير وعواصف استوائية أكثر قوةً، وموجات جفاف أكثر حدةً وأطول أمداً، من شأنها أن تدمِّر المحاصيل والماشية وتزيد من مخاطر اندلاع الحرائق، وتساقطات مطرية أقوى مع ما يترتب عنها من فيضانات، وشتاء أكثر دفئاً وصيف أكثر سخونة.

والواقع أن كل الكوارث المرتبطة بالأحوال الجوية تقريباً لها تأثير غير متناسب على الأُسر منخفضة الدخل، التي تعيش في كثير من الأحيان في مناطق عرضة لهذه الأحداث الجوية وتقطن في مساكن هشة. فحينما تحلّ الكوارث، تكون هذه الأُسر الأقل قدرة على المقاومة وتصبح معتمدة بشكل متزايد على الدعم الذي تتلقاه من الحكومات والجمعيات الخيرية. وفي كثير من الحالات، يؤدي فقدان المأوى ومصادر الدخل إلى زيادة الهجرة التي تحولت إلى أزمة في المجتمعات الأكثر ثراءً مثل أوروبا وأميركا الشمالية. وهذا بدوره يخلق رد فعل سياسي عنيف يتغذى على كراهية الأجانب في البلدان المضطرة للتعامل مع تدفق المهاجرين.

والواقع أن معظم الحكومات تعترف بالعلاقة بين المناخ والهجرة والاضطرابات السياسية، غير أن الجهود الرامية إلى التوصل إلى إجماع بشأن كيفية التعامل مع الأزمات المتنامية تظل صعبةً إن لم تكن مستحيلة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، فشلت الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق بين الحزبين بشأن الهجرة، ليس بسبب انعدام حلول ولكن لأن القضية أصبحت جد مثيرة للتعصب والانقسام بين الحزبين. إذ لا يتوانى «الجمهوريون» عن استخدام موضوع الحدود غير المُحكمة مع المكسيك لإلقاء اللوم على إدارة بايدن وتحميلها مسؤوليةَ «الفوضى»، في حين يشير «الديمقراطيون» إلى فشل جدار ترامب الذي قيل في وقت إن المكسيك ستدفع ثمنَه.

وفي غياب إصلاح للسياسات العامة، يظل المستفيدون الحقيقيون الوحيدون هم مهرِّبو البشر الذين يحققون أرباحاً ضخمة ولا يبدون أي مؤشرات على وقف هذه التجارة المربحة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • مايك جونسون.. بطل أم «دمية بيد الديمقراطيين»؟!
  • «الانعزاليون الجدد» في الحزب الجمهوري
  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي