
في الأسبوع الماضي كان السائحون يشقون طريقهم إلى «وادي الموت» في كاليفورنيا، على أمل أن يَشهدوا أكثرَ الأيام حرارةً على وجه الأرض، والتي تبلغ حالياً 134 درجة فهرنهايت (56.7 درجة مئوية).
وإلى ذلك تعاني أوروبا أيضاً من طقس استثنائي في ارتفاع درجة الحرارة، حيث أُغلقت المزاراتُ السياحيةُ الشهيرةُ في كل من اليونان وإيطاليا خلال قسط من النهار، وحيث تتزايد حرائق الغابات على امتداد القارة.
ودرجات حرارة البحر في جنوب فلوريدا شديدة الحرارة لدرجة أن السباحة تشكل خطورةً على البشر ولها تأثير قاتل على الحياة البحرية والشعاب المرجانية. وتتسبب مياه البحر الدافئة حول جرينلاند والقارة القطبية الجنوبية في انزلاق الجروف الجليدية إلى البحر مما يخلق ظروفاً لتسريع ارتفاع مستوى سطح البحر في جميع أنحاء العالم.
ويشعر العلماءُ بالقلق الشديد من هذه الأحداث، ولم يعد بعضهم يستخدم عبارة «تغير المناخ»، بل يتحدثون بدلا من ذلك عن «أزمة المناخ». وهذه الأزمة لها تأثيرٌ مباشر وخطير على القطاعات الرئيسية لاقتصادات معظم البلدان.
ويتجلى هذا بشكل خاص في قطاع العقارات الذي تعرض في ولايات أميركية، مثل فلوريدا وغيرها، لأضرار مباشرة ومدمرة بسبب زيادة حوادث الأعاصير والفيضانات وارتفاع مستويات سطح البحر. ولم تعد شركات التأمين التي قدَّمت تغطية للأضرار الناجمة عن الحوادث المتعلقة بالمناخ على مدار سنوات، تقدِّم تغطيةً للمنازل بسبب الخسائر غير المقبولة، والتي يمكن التنبؤ بها الآن بعد كل عاصفة كبيرة.
ويفرض هذا الواقعُ عدداً من الخيارات الصعبة بالنسبة لأصحاب المنازل، وكذلك بالنسبة للمدن والمقاطعات والولايات التي يعيشون فيها. والسبيل الوحيد الذي يمكن لشركات التأمين الخاصة أن تبقى به على قيد الحياة هو إما زيادة الأقساط بشكل كبير أو طلب إعانات من الحكومة المحلية أو على مستوى الولاية أو على مستوى الحكومة الاتحادية، ولذا فالخيارات كلها قاتمة.
ولن يستطيع إلا الأثرياءُ تحمُّلَ كلفة التأمين على الممتلكات المعرَّضة للأخطار، أو سيتعين على دافعي الضرائب دعم التأمين على المنازل التي يتم بناؤها أو إعادة بنائها في المناطق المعرَّضة للخطر.
والناس الذين يعيشون في هذه المناطق التي لا تشمل فقط المناطق الساحلية، وإنما أيضاً مناطق الغابات الكثيفة أو الأراضي القريبة من الأنهار المعرضة للفيضانات، يتزايد إدراكهم بأنهم قد يضطرون للانتقال نحو مواقع أكثر أماناً. لكن هذا يعني زيادةَ الطلب وارتفاع أسعار الأراضي وبالتالي المنازل.
وسيكون لهذا عواقبٌ سياسيةٌ على أوضاع وسياسات المدن والولايات، وعلى المستوى الاتحادي أيضاً. وقد يجد الأشخاصُ ذوو الدخل المنخفض صعوبةً في الانتقال إلى أنواع البيئات اللطيفة التي اعتادوا عليها. والأعاصيرُ وحرائقُ الغابات والفيضانات ظواهرٌ موسميةٌ تزدادُ تواتراً وشدةً وتتسبب كلَّ عام في أضرار بمليارات الدولارات. كما أن آثار الجفاف الذي طال أمدُه، وارتفاع منسوب مياه البحر.. ستؤدي أيضاً إلى إجبار الملايين من الأشخاص على الانتقال أو تغيير أنماط حياتهم بشكل جذري.
ويعد الانتقالُ إلى أرض أكثر أماناً وصالحةً للعيش، تحدياً سيتعين على كل بلد في العالَم تقريباً مواجهتَه خلال العقود القادمة، إن لم يكن قبل ذلك. ومحنةُ مجتمعات الجزُر في المحيطين الهندي والهادئ تم تسجيلُها بشكل واضح، لكن الخطرَ الذي تتعرَّض له المدنُ الكبرى يتزايد. وهذه المدن تتضمن لندن وأمستردام والإسكندرية ومومباي والبصرة ودكا وشنغهاي ونيويورك وميامي.. وغيرها كثير. وقد تساعد التكنولوجيا الجديدةُ وتقنياتُ البناء الأفضل في تقليص كلفة إعادة بناء المناطق التي أصابها الدمارُ وحمايتُها من هبوب العواصف.
والحقيقة هي أن سكان الكوكب لم يبدأوا في فهم العواقب العالمية لأزمة المناخ إلا الآن فقط. وفي غياب تعهدات صارمة وضخ نفقات كبيرة من الموارد للتخفيف من تأثير الأزمة، فليس من الواضح مدى إمكانية تجنّب هذه الكوارث مستقبلا.
وعلى المستوى السياسي، يجب أن يكون المفتاح هو توثيق التعاون بين الولايات المتحدة والصين. وهذان البلدان هما الأكثرَ مسؤوليةً عن الانبعاثات العالمية المسببة للاحتباس الحراري، وهما الأكثرَ قدرةً على تزعم مسعى تقليص حدة أزمة المناخ بوسائل تمنع وقوع أسوأ الاحتمالات.
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الاتحاد-