لا تدعوا صورة بايدن "الرجل اللطيف" تخدعكم
2023-07-16
جون رينتول
جون رينتول

قد تكون الحقيقة حول سرعة غضب الرئيس الأميركي جو بايدن من أقل الأسرار كتماناً في واشنطن. وفقاً للكاتب أليكس طومسون، الذي يعد كتاباً حول الرئيس الأميركي فإنه "في اللقاءات غير العلنية، يكون بايدن سريع الانفعال لدرجة أن بعض مساعديه يحاولون تجنب الاجتماع به على انفراد".

ويميل الرئيس بايدن للصراخ وتوجيه الشتائم إلى الموظفين العاملين معه، و"في أوقات مختلفة يستخدم الرئيس لهجة تحمل نبرة مهينة ومهددة في تهجماته اللاذعة"، بحسب ما قال طومسون.

هل يجب أن نتفاجأ من أن شخصية الرئيس بايدن في جانبها الخاص هي أكثر عدوانية مما تظهره شخصية الرجل المتقدم في السن في العلن؟ لقد كانت هناك تلميحات عن وجود جانب أكثر حدة لشخصية الرئيس بايدن وردت في كتب سابقة عنه. كواحد من السياسيين الذين امتهنوا المجال لأطول فترة في العالم -فلقد أصبح عضواً في مجلس الشيوخ يمثل ولاية ديلاوير، وهو في الـ30 من عمره عام 1973- ولقد تناقلت وسائل الإعلام أخباره وكتب عنه أكثر من أي شخص آخر منذ ذلك الوقت.

وكان فوز بايدن بمنصب الرئاسة في مواجهة دونالد ترمب بجزء منه لأنه اعتبر شخصاً رصيناً، وينساق بشكل أقل وراء الملذات أو ثورات الغضب مقارنة بمنافسيه. وأيضاً بسبب الفترة الطويلة التي خدم فيها، وكان ينظر إليه على أنه شخص من الطراز القديم، ومهذب للغاية، ولكن لا بد أن يكون واضحاً لكثيرين أن أي شخص ينجح في العمل السياسي لهذه الفترة الطويلة من الزمن، فإنه لا بد أن يكون قوياً في سعيه وراء أهدافه أكثر مما يظهر لنا عادة من خلال صورته العلنية.

على رغم من ذلك، يمكن للقادة أن يكونوا أقوياء من دون أن يبدر عنهم أي تهديد أو إهانة للأشخاص العاملين من حولهم. بالطبع، إن رأيي هو أن التهذيب والمزاج المتوازن لا بد أن يكونا مرتبطين بشخصية أكثر السياسيين فعالية. إن المثال على ذلك بين الرؤساء الأميركيين المعاصرين كان الرئيس باراك أوباما. فشخصيته الهادئة، لم تسمح فقط في تعبيد الطريق أمامه كي ينجح في تمرير إصلاحاته لقطاع الصحة الأميركي فحسب، بل أسهم ذلك في جعل النقاشات السياسية عبر العالم الناطق باللغة الإنجليزية أكثر حضارية.

الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب، كان أيضاً يتمتع بشيء من الفضائل التقليدية التي ترتبط بشخصية بايدن العلنية، ووفق كل المعايير كان رجلاً متوازناً على المستوى الشخصي، حتى في حياته الخاصة أيضاً. أما بوش الأصغر، وعلى رغم من الواجهة الأكثر قسوة التي أظهرها، فإنه لم يكن ممن يطلقون الصراخ ويرمون بالأشياء خلال اجتماعاته الخاصة. الرئيس السابق بيل كلينتون كان شخصية أكثر تقلباً، وكان شخصية قادرة على الترويج بفعالية رغم كونه رئيساً أقل نجاحاً على المستوى التشريعي.

من بين الزعماء البريطانيين، ربما لم تكن صدفة أن الزعيمين اللذين أمضيا أطول فترة على رأس السلطة كرئيس للحكومة، كانا كل من مارغريت تاتشر وتوني بلير اللذين عرف عنهما تهذيبهما والاحترام الذي أظهراه في تعاملاتهما مع زملائهما. حتى إن [السياسي البريطاني العتيق] روي جينكينز Roy Jenkins نجح في إهانة نفسه عندما قام بتوجيه الانتقاد لبلير وإن كان ذلك في معرض خصه بالمديح، عندما قال إنه كان لدى بلير عقل من الدرجة الثانية، لكن مزاجه كان من الدرجة الأولى.

وربما كان الفضل يعود إلى ذلك المزاج في تمكن بلير من التغلب على [منافسه وشريكه] غوردون براون، الذي كان يتمتع بشخصية معاكسة في ميزاتها لبلير، فهو كان مثالاً على الشخص الغاضب، الذي ينجح في تحقيق غاياته فقط عن طريق تهديد وتخويف من حوله. وفي كثير من الأحيان، كان ذلك النوع من الشخصيات ملهماً لنوع غريب من الولاء بين مساعديهم، وهم أشخاص يرغبون في تحمل تصرفات هي غالباً ما تكون غير مقبولة كثمن لقاء قربهم من أناس عظيمين. عدد من الناس الذين اشتغلوا مع [رئيس الوزراء السابق] براون، الذين لا يزالون يكنون له الاحترام، يتفهمون تماماً الوصف الذي أطلقه طومسون على مساعدي الرئيس بايدن، الذين أمضوا طويلاً في العمل معه والذين "لا بد أنهم قد توصلوا إلى خلاصة أن فضائله تزيد بكثير على سيئاته".

لا يتحتم عليك أن تكون رجلاً غاضباً كي يكتب لك النجاح في العمل السياسي، ولا يتحتم عليك حتى أن تكون رجلاً. فعلى رغم من صورتها في الحيز العام كزعيمة محاربة، كانت طريقة تاتشر في اعتمادها اللطف في تعاملها مع زملائها وحتى مع الموظفين المبتدئين نوعاً من أنواع الأساطير.

لم تدم رئاسة تيريزا ماي للحكومة في رقم 10 داونينغ ستريت طويلاً، وذلك ربما لم يكن خطأها، ولكنها كانت تنجح في تحقيق ما تسعى من أجله عن طريق اعتمادها على تكتيك اللجوء إلى الصمت بدلاً من الصراخ وإطلاق الإساءات. 

من بين رؤساء الحكومات الخمسة الذين أسعد حزب المحافظين الأمة بقيادتهم البلاد منذ 2010، كان ديفيد كاميرون ممن يعملون بسلاسة، وهو استمر في منصبه لفترة أطول من الآخرين. بوريس جونسون كان يسمح لموجات نكد غاضبة أن تسيطر عليه، وهي لم تكن موجهة ضد أحد آخر، ولكنها كانت ثورات ضد الكون، وعدم عدالته، أو أن ذلك كان موجهاً ضد نفسه. إن تصرفاته في الحيز الخاص كانت على عكس من صورته السعيدة التي يؤديها في الحيز العام، لكن نقاط ضعفه كزعيم كانت تكمن في وجهة أخرى من ثوراته العرضية الموجهة إلى وزرائه -مثل ما نشره مستشاره الخاص السابق دومينيك كامينغز من رسائل تطبيق "واتس آب"، التي كان جونسون من خلالها يصف وزير الصحة في حكومته مات هانكوك بأنه "عديم الفائدة للغاية".

وبعد قيام نواب حزب المحافظين في مجلس العموم بإقصاء ليز تراس، انتهى الأمر بالحزب بتعيين رئيس آخر للحكومة يتمتع بمزاج من الدرجة الأولى، لكن ريشي سوناك قد ورث ربما وضعاً ميؤوساً منه، وفي وقت متأخر للغاية. حتى ولو، وإن كان لحزب المحافظين أي فرصة لتحقيق النجاح في الانتخابات المقبلة، فإن ماركته المسجلة الشبيهة بتوني بلير، والموضوعية "البليرية" وتهذيبه، يمكنها فقط أن تكون مفيدة له.

تماماً كما في صورة تماثلية، يمكن أن يكون لمزاج الرئيس بايدن وثوراته أن تشكل مانعاً أمام مساعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية. وليس بسبب، كما يحلو لمعارضيه الزعم بشكل مهين، أنها أدلة تشير إلى أن قدراته الذهنية في تراجع، ولكن لأن الصراخ في وجه الناس ليس الطريقة المثلى لدفعهم لبذل أفضل الممكن.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • قاعدة حزب "المحافظين" البريطاني تتآكل على ثلاث جهات
  • هل يتفوق العمال أخيرا على المحافظين في الإنفاق الانتخابي؟
  • توني بلير يتحكم بإمبراطورية من المال والسلطة






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي