حرب أوكرانيا تمتد إلى روسيا وتنذر بانفجار جبهة جديدة
2023-05-29
ماري ديجيفسكي
ماري ديجيفسكي

في مطلع الأسبوع الحالي، توغل عدد غير محدد من عناصر قوات شبه عسكرية جاءت من أوكرانيا، داخل منطقة "بيلغورود" الروسية.

ما زالت تفاصيل الواقعة غير واضحة ومحل جدال، لكن يبدو أن ما حصل على النحو الذي ستنقله السطور التالية. لقد استولت تلك القوات شبه العسكرية على مركز حدودي، وهاجمت قرى عدة في الجانب الروسي من الحدود، إلى شمال خاركيف التي تعتبر المدينة الأوكرانية الثانية. وتوغلت القوات المذكورة عشرات الكيلومترات داخل روسيا قبل أن ترغمها القوات الروسية على التراجع. وزعمت روسيا أنها قتلت 70 عنصراً منها، لكن هذه المعلومات غير مؤكدة بعد.

وتفيد أوكرانيا بأن تلك القوات شبه العسكرية مؤلفة من مجموعتين من المتطوعين الروس المناهضين للرئيس بوتين، وأنهم يعملون بشكل مستقل عن حكومة كييف. في المقابل، تشير روسيا إلى أنهم مخربون وإرهابيون أوكرانيون يعملون بمعرفة كييف التامة ودعمها، لكن هوية الجهة المسؤولة عن الهجوم ليست سوى تفصيل ثانوي مقارنة مع فكرة وقوعه بالفعل.

حدثت محاولات عدة للتسلل عبر الحدود خلال الأشهر الأخيرة، لكن يبدو أن هذه المحاولة كانت الأكبر والأطول والأفضل تنظيماً. وكشفت صور جرى التحقق من صحتها أن المجموعة استخدمت مركبات أميركية الصنع كسيارات "هامفي"، ما يشير إما إلى احتمال وجود تضليل أو استخدام مسموح به للمساعدات العسكرية.

وعلى رغم أن الهجوم لم يدم طويلاً، ويبدو أنه أحبط فإنه دليل إضافي على أن الحرب في أوكرانيا بدأت بالامتداد داخل الأراضي الروسية. ولقد وقعت هجمات بطائرات مسيرة على مناطق حدودية استهدفت مستودعات للذخيرة ومنشآت أخرى. وكذلك أفيد عن وقوع سلسلة هجمات على قطارات أدت إلى إخراجها عن مسارها، ومن بينها قطارات شحن لمسافات بعيدة في" بريانسك" ومناطق روسية أخرى قريبة من أوكرانيا. 

واستطراداً، نفذت ثلاث عمليات اغتيال أو محاولة اغتيال سياسية، بدءاً بمقتل داريا دوغينا ابنة فيلسوف روسي قومي معروف، ومروراً بالمدون المقيم في "سان بطرسبورغ" الذي كتب تحت اسم مستعار هو فلادلين تاتارسكي، ولقي مصرعه بعبوة مخبأة داخل تمثال صغير، ووصولاً إلى محاولة اغتيال كاتب قومي آخر مطلع الشهر الجاري هو زاخار بريلبين، بعبوة استهدفت سيارته وقتلت مرافقه وأصابته بجروح بالغة.

ثم وقعت حادثة تلك الطائرات المسيرة التي أسقطت على مقربة من الكرملين، في عملية اعتبرها المسؤولون الغربيون في بادئ الأمر هجوماً كاذباً نفذته روسيا، لكنه بات يعتقد على نحو متزايد الآن أن القوات الأوكرانية الخاصة قد خططت لها، ما يتطابق مع زعم الروس في البداية. واعترف بهذا التغيير في رأي الغرب خلال الأيام القليلة الماضية، من خلال تقرير أوردته صحيفة "نيويورك تايمز".

يمكننا أن نضيف مثلاً آخر لهجوم سابق وقع داخل روسيا، وقد حدث حينما انفجرت قنبلة محملة داخل شاحنة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على جسر "كيرش" الرابط بين البر الروسي وشبه جزيرة القرم، وألحقت به أضراراً. 

واستكمالاً، تجمع بين كل هذه الحوادث قواسم مشتركة، إذ إنها حوادث سيئة لم تعرف روسيا سوى قلة من مثيلاتها قبل الحرب في أوكرانيا. وقد حملت روسيا أوكرانيا المسؤولية عنها كلها. ونفى الرئيس زيلينسكي وكييف ضلوعهما بها، فيما انحاز المسؤولون الغربيون إجمالاً إلى صف كييف، قبل أن يستنتجوا لاحقاً أن أوكرانيا ربما تورطت بعض الشيء في الموضوع.

في المقابل، يرجح أن منفذي الهجمات عملاء مستقلون أو متمردون أو ربما قوات خاصة أو أجهزة استخباراتية مدنية أو عسكرية الأوكرانية. ووفق خط التفكير السائد بين المسؤولين الغربيين بصورة عامة، فحتى لو ضم الهجوم عنصراً أوكرانياً، فلا علاقة أبداً لزيلينسكي ولا كييف به.

وفي ذلك الصدد، ثمة أسباب وجيهة تستدعي ذلك [الخط من التفكير]، إذ لا يشكل الإنكار عادة مجرد كونه "أفضل الممارسات" في ظروف مشابهة، بل إن الولايات المتحدة بالتحديد قد أعربت عن قلقها في شأن خطر امتداد الأعمال العنيفة إلى الداخل الروسي. وفيما قدمت واشنطن أسلحة أكثر تطوراً، شددت على ضرورة عدم استخدامها لمهاجمة روسيا، بل ظلت تقيد المدى الذي تبلغه نيران هذه الأسلحة على هذا الأساس حتى وقت قريب.

واستكمالاً، أفادت التقارير أن الولايات المتحدة أنبت كييف على اغتيال دوغينا، بعد أن وجدت "وكالة الاستخبارات المركزية" علاقة لجهاز الاستخبارات الأوكراني مع ذلك الحادث. وكذلك نشرت علناً تحذيراً وجهته إلى كييف في شأن خطة أوكرانية لتوجيه طائرات مسيرة نحو الكرملين في الذكرى الأولى للغزو الروسي. واستجابت أوكرانيا لذلك التحذير، لكن يبدو أنها نهضت بأمر تلك المحاولة في أي حال، ربما في تاريخ أقل حساسية.

استناداً إلى ذلك، من المستطاع ملاحظة أن مقدراً كبيراً من عدم اليقين ما زال موجوداً، بل لا شك في أنه عدم يقين متعمد، حول مدى موافقة حكومة زيلينسكي على تلك العمليات، واحتمال أن تكون أجهزة الاستخبارات الأوكرانية تعمل بشكل مستقل.

وفي نهاية المطاف، قد يبدو ذلك كله غير مهم، إذ تبقى الخطورة هي نفسها، وتحمل تداعيات تهدد كل الأطراف، بما في ذلك أوكرانيا نفسها. 

وفي السياق نفسه، لقد انتهكت أوكرانيا الشروط المقترنة بتلقيها المعدات الغربية التي وصلتها، بالتالي، فإنها تخاطر بإبطاء أو تقييد، وصول تلك المعدات. وقد يعطي ذلك عذراً لروسيا كي تتوغل غاراتها الجوية أكثر فوق الأراضي الأوكرانية. وحتى الآن، باستثناء بعض الغارات التي كان من الواضح أنها عقابية (كأن تكون قد جرت رداً على الهجوم على جسر "كيرش" أو مسيرات الكرملين)، تركزت الهجمات الروسية على شرق نهر "دنيبر".

وقد يتغير هذا الوضع إذا ازدادت وتيرة عمليات التسلل أو الهجمات داخل روسيا. وقد تقرر روسيا مهاجمة خطوط الإمداد الغربية، الأمر الذي امتنعت حتى الآن عن فعله إجمالاً. ربما تثار الشكوك حول قدرة روسيا أن تفعل أكثر مما تفعله الآن، لكنها معتادة على إيجاد الموارد التي تريدها حينما تحتاج إليها فعلياً.

كذلك تجدر الإشارة إلى أن الانتقادات الصريحة لبوتين من داخل روسيا، صدرت عن جهات تعتقد أن الجهد الحربي الروسي اتسم بانعدام الكفاءة وأنه لا يشن الحرب بصرامة كافية. ولا شك في أن الوقت الذي احتاجته القوات الروسية لصد آخر عملية توغل حدودية لم يطمئن تلك الجهات، حتى لو قتل 70 مهاجماً بالفعل. وسيكون للهجمات داخل روسيا بالتالي ثمنها.

إذا وقع توغل حدودي أخطر [مما حدث حتى الآن]، فسيمكن اعتباره غزواً. وحينها، تسقط كل الاتفاقات. وقد يحدث ذلك أيضاً إذا اغتالت القوات الأوكرانية الخاصة بوتين مثلاً. لقد أوضحت روسيا وأوكرانيا أن أياً منهما لن تستهدف زعيم البلد الثاني. وحاضراً، أنا لست ممن يعتقدون أن روسيا ستلجأ للسلاح النووي، لكن لا يمكن استبعاد الخطوات المتطرفة، عرضية كانت أم متعمدة.

وحتى الآن، تجنبت روسيا تنفيذ هجمات تتخطى الأراضي الأوكرانية، فيما نزعت الولايات المتحدة بسرعة فتيل حادثة اتهام أوكرانيا (الخطأ) لروسيا بأنها أطلقت صاروخاً وقع داخل الأراضي البولندية. في المقابل، إذا نفذت روسيا هجوماً على دولة عضو في حلف الناتو، فسيغدو من الصعب مقاومة الرد وفق البند الخامس [من ميثاق حلف الناتو]، وستفقد حرب الناتو وروسيا التي تدور بالوكالة الآن عنصر الوكالة [بمعنى أنها حتى الآن حرب بين الطرفين بالوكالة]، وتصبح حرباً حقيقية.

علينا أن نأمل بوجود أشخاص مطلعين في مناصب رفيعة المستوى، في لندن وبروكسل ووارسو، لا سيما في واشنطن، يعملون على هذا الموضوع ويدرسون سيناريوهات ربما رفضوها في أوقات سابقة.

وبالنسبة لي، آمل أيضاً ألا يتوصلوا إلى استنتاج أن روسيا ضعيفة جداً لدرجة أن المجازفة بتوسيع رقعة الحرب تستحق التجربة، بل إن أي امتداد للحرب قد يخلف تبعات لا تحمد عقباها على بقية أوروبا، بالتالي يتوجب تفاديها بأي ثمن.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس- اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

  • مفاجآت قد تكون بانتظار بوتين في الانتخابات الروسية      
  • هل ينجح معارضو ترمب الصامتون في سد طريقه إلى البيت الأبيض؟
  • الحضور الشعبي في جنازة المعارض الروسي نافالني يبعث على الأمل





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي