بوتين فجر باخموت وحولها إلى فتات بسبب ظمئه لتحقيق نصر كبير
2023-05-28
كيت ماكدونالدز
كيت ماكدونالدز

قبل أكثر من سنة بقليل، غادر آخر الجنود الأوكرانيين مصانع "أزوفستال" للصلب في مرفأ "ماريوبول"، منهين بذلك حصاراً فرضته القوات الروسية على المدينة طوال ثلاثة أشهر تقريباً. لقد اكتملت مهمة القوات الأوكرانية المتمثلة في إشغال القوات الروسية في المدينة لأطول فترة ممكنة مع قتل أكبر عدد ممكن من أفرادها أثناء ذلك. ونفذت أوكرانيا خدعة مماثلة في بلدتا "سيفيرودونيتسك" و"ليسيتشانسك"، المدينتين التوأمين على جانبي نهر "دونتس"، خلال مايو (أيار) ويونيو (حزيران) 2022.

الآن، ربما يكون التحقيق الكامل لهذه التكتيكات انتهى للتو، أو لا يزال مستمراً لكنه على وشك الانتهاء، أو على وشك أن يأخذ منعطفاً جديداً. خلال عطلة نهاية الأسبوع، زعمت روسيا أنها "حررت" مدينة باخموت بالكامل، وهي بلدة ذات أهمية عملية ضئيلة تقاتلت عليها القوات الأوكرانية و"مجموعة فاغنر" المؤلفة من مرتزقة والموالية لموسكو، طوال فترة مذهلة بلغت 10 أشهر. وتقدر الولايات المتحدة أن 100 ألف من الجنود والمرتزقة الروس قتلوا أو أصيبوا في معركة السيطرة على البلدة. إن قائد "فاغنر" الأوليغارشي يفغيني بريغوجين، وهو رجل بلغ من القبح الأخلاقي والجسدي درجة تجعل المرء يشتبه في أن منتجات الألبان تحمض بوجوده، نشر شريط فيديو السبت الماضي يزعم فيه أنه سيطر على البلدة بالكامل. وأضاف أن "فاغنر" "ستتفقد باخموت بالكامل، وستنشئ خطوط الدفاع اللازمة" ثم تترك المدينة للجيش الروسي بحلول الـ25 من مايو 2023.

بعد الارتباك الأولي حول الموقف الرسمي للحكومة الأوكرانية، نفت كييف (ولا تزال تنكر) أن باخموت وقعت في أيدي الروس بالكامل، والأحد الماضي تواترت أنباء عن تقدم القوات الأوكرانية حول أطراف البلدة، بهدف فرض تطويق تكتيكي ثم مهاجمة مرتزقة "فاغنر" الذين يسيطرون الآن على الجزء الأكبر من البلدة. وبغض النظر عن عدم اليقين، استغل مشجعو نظام فلاديمير بوتين عبر الإنترنت، تلك "الأخبار" [عن سقوط باخموت] من دون ضوابط على الإطلاق. وكذلك استهل الداعية التلفزيوني الحكومي فلاديمير سولوفيوف ليل الإثنين الماضي برنامجه الليلي بالتفاخر بشعار يخص باخموت، إذ سرقه على ما يبدو من أحد الطرق المؤدية إلى البلدة.

وفي الوقت نفسه، أسهم الرئيس الدمية السابق بين يدي بوتين والمتحمس الحالي للمرطبات السائلة ديمتري ميدفيديف، في العرض الاحتفالي الأكثر إحراجاً في شكل مضحك عبر "تويتر". من الواضح أنه لا يزال رجلاً منشغلاً ومهماً للغاية. قضى ديمتري جزءاً من يوم الأحد في التنقيب داخل سبعة أشهر من الردود على يوم الـ20 من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، حينما أثنى عليه إيلون ماسك "نعم، لم يكن هناك أحد يستحق التأييد حقاً في هذا التبادل" في شأن نكتة تتعلق بنبتة الخس، وجهت إلى ليز تراس [قيل إن تراس لن تصمد في رئاسة الوزراء أكثر من خسة على رف]، قبل أن يتحوط بشأن توقعاته ويضيف، "بالمناسبة، كيف تسير الأمور في باخموت؟".

ورد ميدفيديف غاضباً، بانتصار ولو متأخراً قليلاً، بالقول "@elonmusk، لقد سألتني عن باخموت. تعال وانظر بنفسك!".

إذاً، لماذا هذه الدعاية الصاخبة كلها للاستيلاء المحتمل على بلدة ضمت قبل الحرب كتلة سكانية مماثلة لتلك التي تضمها بلدة بارنسلي البريطانية، وتقع على بعد 22 كيلومتراً من الأراضي التي تحتفظ بها روسيا منذ عام 2015؟ على رغم ما قد تزعمه المصادر المتعاطفة مع موسكو، ليست البلدة مركزاً مهماً للنقل والخدمات اللوجستية، ولاسيما الآن بعد تدمير البنية التحتية كلها في المدينة. كذلك لا تزال أوكرانيا تسيطر على مرتفعات إلى الغرب، مما يجعل الأنشطة الروسية كلها في باخموت، بما في ذلك استخدامها الافتراضي كمركز للقوات والمعدات، عرضة للهجوم.

كذلك لن توجه خسارة باخموت، وفق ما يزعم بعض الأشخاص، ضربة كبيرة للمعنويات العسكرية أو المدنية الأوكرانية. ذلك أن قيمة استنزاف القوات الروسية لأطول فترة ممكنة في مكان واحد قبل الانسحاب منه أخيراً إنقاذاً للأرواح الأوكرانية مفهومة جيداً من السكان الأوكرانيين الآن. واستطراداً، إن خسارة "ماريوبول" و"سيفيرودونيتسك" و"ليسيتشانسك" محسوسة بعمق في أوكرانيا، لكن تصميم البلاد على هزيمة روسيا وإيمانها بهذه النتيجة، صلب بشدة. ولن تسهم خسارة باخموت بشيء في تآكل ذلك.

واستطراداً، يبدي بريغوجين وبوتين توقاً كبيراً للغاية لإعلان الاستيلاء على باخموت، وذلك ببساطة لأن كليهما تائقان إلى نوع من "النصر" يشيران إليه، لأسباب مختلفة قليلاً. بالنسبة إلى بريغوجين، يتعلق الأمر بالأعمال وصدقية مجموعة المرتزقة خاصته المنهكة والمستنفدة في شكل كبير، كقوة مقاتلة. أما من منظور موسكو، وفق "معهد دراسة الحرب" في آخر تقييم له الإثنين، فسيشكل الاستيلاء على باخموت "خطوة افتتاحية نحو بلدات سلوفيانسك وكراماتورسك ودنيبرو"، المدن التي لا يمكن لروسيا إلا أن تحلم باحتلالها في هذه المرحلة. في الواقع، قد تكون أهم نتيجة دائمة لاستيلاء بريغوجين وبوتين على باخموت (إذا حدث ذلك حقاً) تقادم مصطلح "نصر بيروس"، أي النصر يلحق ضرراً مدمراً بالمنتصر إلى درجة أنه يرقى إلى مستوى الهزيمة، كي يحل بديلاً منه مصطلح "نصر باخموت".

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس- اندبندنت عربية-



مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب





كاريكاتير

إستطلاعات الرأي