كايسيد والفاتيكان.. جسور الحوار والأمان
2023-05-22
إميل أمين
إميل أمين

أضحى مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، "كايسيد"، شمعة مضيئة، بل شعلة منيرة، حول العالم في السنوات العشر الماضية، سيما بعد الدعم والزخم الذي يجده من قبل حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، ومساندة وأريحية رؤية 2030 التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تلك التي جسرت الجسور مع الآخر، وأعلت من شأن الحوار مع المغاير، وعادت بالإسلام السمح الوسط، إلى دائرة النور والضوء الذي يضيء، لاسيما في أزمنة الشقاق والفراق الأيديولوجي، وأوقات الصراعات ذات الملمح والملمس الدوغمائي.

يبدو كايسيد اليوم نقطة تواصل مرحب بها في كافة البقاع والأصقاع، لا سيما لدى الدوائر ذات الأوزان الإستراتيجية على صعيد المقدرات الدينية والإيمانية، وفي المقدمة منها حاضرة الفاتيكان، العضو المؤسس المراقب في مجلس الأطراف، مع جمهورية النمسا، ومملكة إسبانيا، والمملكة العربية السعودية.

وضع كايسيد وطوال عشريته السابقة هدفا واضحا أمام ناظري القائمين عليه، في حلهم وترحالهم، صحوهم ومنامهم، منتدياتهم وبرامجهم، شرقا وغربا.. كان الهدف هو بناء جسور من الحوار، وتهيئة الأجواء لسلام عادل شامل، قائم على التواصل مع الآخر المغاير، انطلاقا من سنة كونية، أراد الله سبحانه وتعالى، من خلالها للبشرية أن تتعارف وتتضافر جهودها على البر والتقوى.

نجح كايسيد باقتدار على صعيد العديد من البقاع والأصقاع الجغرافية، من أوروبا إلى أميركا الشمالية، ومن إفريقيا السمراء، إلى القارة الآسيوية، نجح في بلورة مثال ناصع لنجاح الحوار والانفتاح البناء، ذاك الذي يمهد الأجواء العالمية للسلام المطمئن، والذي يطرد الخوف والحروب، وينفي التشكيك والهواجس من قبل المختلف معه.

لماذا الحديث عن كايسيد والفاتيكان في هذه الآونة؟

المؤكد أن الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي، معالي الأمين العام لمركز الحوار العالمي، الدكتور زهير حارثي إلى حاضرة الفاتيكان، واللقاءات التي عقدها مع كبار المسؤولين هناك، هي من فتح الباب أمام هذه السطور.

على أنه قبل الخوض في تفاصيل هذه الرحلة الناجحة والمميزة، ربما ينبغي علينا التوقف قليلا، وعودة إلى التاريخ القديم، ودور حاضرة الفاتيكان في تعزيز الحوار بين البشر بشكل عام، والذي كانت بدايته من خلال ما عرف باسم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والذي انعقد في حاضرة الفاتيكان في الفترة ما بين عام 1962، و1965 للميلاد، وقد دعا إليه البابا يوحنا الثالث والعشرون، والذي توفي أثناء أعمال المجمع، وأكمل من بعده البابا بولس السادس.

صدر عن هذا المجمع أول وثيقة فاتيكانية معاصرة، بلورت رؤية المسيحية الكاثوليكية للمسلمين حول العالم، وقد جاءت تحت عنوان، "في حاضرات أيامنا"، وكان صدورها تلبية لرغبة البابا الداعي للمجمع، وعبر عنها الكاردينال، "بيا"، الألماني الأصل، وهدف البابا من هذا التصريح أن يستأصل كل جذور الكراهية والحقد التي طالما تسببت في الصراعات، وبخاصة حين اتخذت النصوص الدينية تاريخيا ذريعة لذلك.

تظهر الوثيقة احتراما فائقا للمسلمين في رياح الأرض الأربع، وتعترف بأنهم يؤمنون بالله الواحد الأحد القيوم الرحمن، فاطر السماء والأرض، ويشير نص الوثيقة إلى تسليم المسلمين لأحكام الله الخفية وقضائه.

حمل هذا النص – الوثيقة، دعوة تصالحية غير مسبوقة في الخطاب المسيحي الغربي، دعوة لم تعرفها أوروبا طوال خمسة عشر قرنا، وتدعو للقفز على الماضي وكذا انتكاساته وإخفاقاته.

نقرأ في متن الوثيقة ما نصه: "ولئن كان عبر الزمان قد وقعت من المنازعات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يهيب بالجميع أن ينسوا الماضي، وأن يعملوا باجتهاد صادق في سبيل التفاهم فيما بينهم، وأن يتماسكوا من أجل جميع الناس على حماية وتعزيز العدالة الاجتماعية والقيم الأدبية والسلام والحرية".

منذ ذلك الوقت، جرت في بحر الحوار والجوار، سفن كثيرة، وحفلت العقود الستة المنصرمة بالكثير من جوانب اللقاء الإيجابية، ولا نغالي إن قلنا إن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار، هو تجسيدها الحي.

كانت زيارة الدكتور الحارثي إلى روما، المدينة التي حملت ولا تزال عبق التاريخ، حيث تحكي شوارعها قصصا من المواجهات بين الدعوة المسيحية في مهدها، والصراع الدامي مع الأباطرة الرومان، نقول كانت فرصة طيبة للاطلاع على التاريخ والثقافة الثرية لهذه المدينة التي تعد ولو على سبيل المجاز، قبلة العالم المسيحي، سيما أنها مقر البابا الذي يتبعه قرابة مليار وأربعمائة مليون مؤمن منتشرين في قارات الأرض الست.

خلال مناقشات الأمين العام لكايسيد، بدا واضحا أن كافة دوائر الكوريا الرومانية (حكومة البابا)، مهتمة إلى أقصى حد ومد بتعميق فكرة الحوار والتعاون بين أتباع الأديان والثقافات، وماضية قدما في طريق الشراكة الخلاقة لجهة تعزيز التفاهم والتآزر.

يعن لنا أن نتساءل قبل الانصراف: "من الذي يغير العالم؟

حكما أصحاب النوايا الطيبة وأهل الطوايا الحوارية الإيجابية.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • الذكاء الاصطناعي.. آلة الزيف الانتخابي
  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي