حال الاتحاد الأميركي
2023-02-12
خالد اليماني
خالد اليماني

يجمع كتاب الرأي في الإعلام الأميركي على أن خطاب الرئيس بايدن عن حال الاتحاد، الذي ألقاه أمام الكونغرس يوم الثلاثاء الماضي، شكل تدشيناً تجريبياً لحملته الانتخابية سعياً إلى دورة رئاسية ثانية في انتخابات 2024. وتتوقع المصادر المقربة من البيت الأبيض قرب إعلان بايدن عزمه خوض السباق الرئاسي القادم.

ومن هنا كانت كلمة الرئيس عن حال الاتحاد بعد انتصاف دورته الرئاسية الأولى، أشبه ببيان انتخابي امتلأ بالتفاؤل والتطمينات بغدٍ أفضل لأميركا التي قال إنها تمر بمنعطف تاريخي، في واحدة من اللحظات التي تعيشها قلة من الأجيال، ولذا "فإن قراراتنا التي نتخذها اليوم ستحدد مسار هذه الأمة والعالم بأسره لعقود قادمة". ووجه رسائل مناشدة لخصومه الجمهوريين لإنجاز المهمة بقوله، "تعالوا ننهي العمل الذي بدأناه معاً".

لهذا كان القلق يراود بايدن من أن هذا الكونغرس الذي يلقي فيه بيانه عن حال الاتحاد، منقسم، مع وجود معارضة جمهورية متزايدة، وخلافات بين الحزبين حول قضايا كثيرة أبرزها سقف الدين الحكومي، وتعاطي الإدارة مع تعقيدات الحرب الروسية ضد أوكرانيا التي تقترب من إتمام عامها الأول، وارتفاع وتيرة المواجهة مع الصين.

واختار الرئيس هذه المناسبة للتركيز على القضايا الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي للسكان، والتي تكسبه شعبية واسعة، مثل توفير إدارته 800 ألف وظيفة تصنيع ذات رواتب جيدة، في أسرع نمو منذ 40 سنة، كما قال، وإنجازات الرعاية الصحية وخفض أسعار الأدوية، وقوله إنه لعقود عدة، كانت أميركا تستورد المنتجات وتصدر الوظائف، والآن، بفضل ما صنعته إدارته، تصدر أميركا المنتجات المحلية وتوفر فرص عمل للأميركيين.

وكان بايدن يدرك وهو يلقي بيان "حال الاتحاد" أنه من أجل إنجاز مهمته، والفوز برضا الأميركيين في الانتخابات القادمة فهو بحاجة في هذا المناخ السياسي في الكونغرس إلى مساعدة الجمهوريين، ومن هنا فقد ناشد خصومه مواصلة التعاون المشترك في الكونغرس في موضوعات التطور التكنولوجي وحماية المنجزات التكنولوجية الأميركية مثل موضوع الشرائح الإلكترونية عالية التقنية، وفي ملفات السياسة الخارجية، مع إقراره بوجود ملفات خلافية مثل قضايا الهجرة، والضرائب، والضمان الاجتماعي، وبرنامج الرعاية الصحية.

وخلال إلقائه كلمته واجه بايدن هجوماً جمهورياً، بشكل غير معهود في بيانات "حال الاتحاد"، حيث رفعت عضو مجلس النواب الجمهورية مارجوري تايلور غرين صوتها بكلمة "كاذب" في وجه الرئيس، حينما قال إن بعض الجمهوريين يريدون قطع الرعاية الصحية، والضمان الاجتماعي. وحينما استعرض الرئيس موضوع المنافسة مع الصين صرخت ذات النائبة بالقول إن الصين تتجسس على أميركا.

وكانت آخر مرة أطلقت فيها كلمة "كذاب" في القاعة نفسها منذ 14 سنة في وجه أوباما. وعلى رغم محاولات بايدن تصوير الانسجام في بيانه عن حال الاتحاد، فإن الجمهوريين يخططون لاستخدام غالبيتهم في مجلس النواب لإجهاض أجندته التي عرضها، الثلاثاء الماضي، ومن المرجح أن يواجه البيت الأبيض ظروفاً صعبة خلال العامين المقبلين.

"لا يليق ببايدن أن يكون القائد الأعلى"، هكذا كان تعليق حاكمة ولاية أركنساس الجمهورية سارا هاكابي ساندرس، على خطاب بايدن، وهي التي عملت سكرتيرة صحافية للرئيس ترمب، مضيفة أن "الجمهوريين يتعرضون للهجوم في حرب ثقافية يسارية، لم نبدأها، ولم نرغب أبداً في خوضها". وعلى رغم الصراع السياسي بين الحزبين فيما مضى، فإنه كان يجري في مناخات ودية، وربما أن ضعف رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي الذي فشل في ضبط رفاقه، هو مؤشر إلى الدخول في مرحلة من الفوضى الجمهورية داخل الكونغرس.

عند حلول موعد انتخابات 2024 سيكون بايدن قد بلغ من العمر 82 سنة، وإذا كان منافسه حينها في البطاقة الجمهورية هو الرئيس السابق ترمب فسيكون الأخير قد بلغ الـ78 من عمره، الأمر الذي يجعلهما أكبر مرشحين في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية. كيف سيقبل الأميركيون وضع كهذا، بخاصة إذا ما علمنا أن ترمب ما زال يمارس سطوته القوية على الجمهوريين، مع عدم وجود قيادي ديمقراطي يمكنه الوقوف في وجه بايدن، باعتبار تقديم الرئيس الحالي لنفسه كـ"الوحيد القادر على هزيمة ترمب".

وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس"، في نهاية العام الماضي، بين شرائح معيارية من الحزب الديمقراطي، أن 52 في المئة من الديمقراطيين يعتقدون أن فترة رئاسية واحدة تكفي بايدن على رغم إصرار الأخير على إعلان ترشحه مجدداً، وهم يعتقدون أن هذه السن المتقدمة سيكون لها الأثر الواضح على قدراته الحيوية، وستعوقه عن أداء وظائفه الرئاسية، وهم يفضلون رئيساً شاباً، بالنظر إلى أن بايدن في حال أنهى فترته الرئاسية الثانية سيكون قد تجاوز الـ86 عاماً من عمره.

في المقابل، يرد بايدن في تطلعه إلى انتخابات 2024 على المشككين في موضوع السن وعدم القدرة بقوله، "راقبوني". ويرى الديمقراطيون الداعمون لبايدن أن صحته الجيدة وخبرته الطويلة الممتدة لخمسة عقود من الخدمة العمومية في أروقة السياسة الأميركية في العاصمة واشنطن، مفيدة لأميركا، وتؤهله لمواصلة قيادة البلاد لدورة ثانية، انطلاقاً من معرفته العميقة بآليات العمل الداخلية للحكومة، وخبرته المتراكمة في العمل مع القادة من الحزبين بحثاً عن حلول عملية لمشكلات مستعصية.

غالبية الأميركيين لا يؤيدون اليوم طريقة إدارة الرئيس بايدن لوظيفته، حيث استمرت شعبيته عند مستوى 42 في المئة لأشهر متواصلة. وقد تضررت صورة الرئيس بفعل التضخم وارتفاع أسعار الوقود، وخلال الأسابيع القليلة الماضية أضيفت إليها التحقيقات حول الوثائق السرية. لقد كان الاقتصاد، ولا يزال، العنصر الحاسم في تقييم أداء الرؤساء الأميركيين، ومن هنا جاءت المقولة المشهورة، "إنه الاقتصاد يا غبي"، التي أطلقها جيمس كارفيل خبير الحملات الانتخابية.

وأشار 35 في المئة من الأميركيين إلى أن التضخم يعد القضية الأكثر إلحاحاً التي تواجه أميركا اليوم. وفي استطلاع للرأي أجرته جامعة كوينيبياك في ولاية كونيكتيكت، وافق 37 في المئة من الأميركيين على طريقة إدارة بايدن للاقتصاد في العام الثاني لرئاسته.

اقتصاد بلا سياسة خارجية

غابت السياسة الخارجية عن خطاب حال الاتحاد، حتى الإشارات إلى الصين، جاءت من باب البالون الذي فرقعه الجيش الأميركي، السبت الماضي، بعد أن اجتاز كل مساحة الجغرافيا القارية لأميركا الشمالية، حيث أكد الرئيس بايدن أن "الصين هي الخطر الأكبر الذي يتهدد المصالح الأميركية"، وأنه يسعى إلى علاقات تنافسية، ولا يسعى إلى نزاع معها، وأنه لن يعتذر لأنه يستثمر لجعل أميركا قوية.

أما في الموضوع الأوكراني، وصف بايدن قيام بوتين بغزو أوكرانيا باعتباره "اختباراً للعصور"، مجدداً التزام أميركا بدعم أوكرانيا "مهما كلف الأمر". ولم يرغب بايدن التعمق في الموضوع الأوكراني لمعرفته بدقة التعامل معه في الكونغرس، فعلى رغم دعم الجمهوريين للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، فإن هناك تململاً واضحاً في صفوفهم. وكان رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي قد أكد في الخريف الماضي أنه لن يكون هناك "شيك على بياض" في الموضوع الأوكراني.

وغابت عن خطاب بايدن موضوعات لا يمكن إغفالها، فاكتفى بذكر اثنين فقط، الأول وهو إحدى أكبر الكوارث الطبيعية التي تواجه الإنسانية، وأقصد زلزال تركيا وسوريا، والذي أودى بحياة أكثر من 20 ألف نسمة، والرقم في تزايد مطرد، فيما شرد الملايين على جانبي الحدود بين البلدين. والثاني رسالة التضامن مع النساء والرجال والأطفال في شوارع المدن الإيرانية وهم يصارعون أعتى أنظمة الديكتاتورية في العالم، ديكتاتورية الملالي الفاشية.

ومع ذلك، فبيان حال الاتحاد وصاحب البيان، وتركيزه على الداخل الأميركي، بعيداً من الشؤون الدولية، على موعد مع الأيام، لتقول فيه حكمها، فهل ينصفه التاريخ ويفوز بدورة رئاسية ثانية، أم سيكون للسنتين المقبلتين قول آخر وسيل جارف من التحديات المرهقة، أو ربما يكون العمر غلاباً؟

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-اندبنتدت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • عام قبل الانتخابات الأميركية 2024  
  • الكبتاغون شرقا وغربا  
  • مسقط رمانة التوازن الخليجي في العلاقة مع إيران





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي