
تمهيد لابد منه:
أولاً: لمحة عن النظام السياسي في اليمن
قبل الوحدة اليمنية بين شطري اليمن في عام ١٩٩٠، كان الشطران يحكمان بنظام الحزب الواحد، حيث كان حزب المؤتمر الشعبي العام ذو التوجهات شبه الليبرالية والمكون معظمه من ألوان الطيف السياسي السائد في تلك الفترة وخاصة الإخوان المسلمون والبعثيون والناصريون، يتولى الحكم في الشطر الشمالي، وكان الحزب الاشتراكي ذو التوجهات الاشتراكية الماركسية يتولى الحكم في الشطر الجنوبي من اليمن. بعد تحقيق الوحدة في عام ١٩٩٠، تم إقرار مبدأ التعددية الحزبية وحرية الإعلام والتعبير لتظهر أول ديمقراطية ناشئة في المنطقة كلها . تولى المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي الحكم وتوزعا المناصب الحكومية مناصفة بينهما . في عام ١٩٩٣، تم تنظيم إنتخابات برلمانية فاز من خلالها حزب المؤتمر الشعبي العام بأغلبية مقاعد البرلمان وجاء حزب الإصلاح بالمرتبة الثانية والحزب الاشتراكي بالمرتبة الثالثة ، أما بقية الأحزاب( البعث والناصري )، فقد حقق كل منهما مقعدين وفاز حزب الحق التابع للحوثيين بمقعد واحد .
ونظرا لعدم القبول بنتائج الانتخابات والرغبة بالسيطرة والتفرد بالحكم لمن كان يحكم ما قبل الوحدة بدأت الخلافات بين حكام الشطرين سابقاً تطورت إلى حرب كانت نتائجها كارثيه على اليمن واليمنيين انتهت بخسارة الحزب الاشتراكي وسيطر نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح وحلفاؤه على المشهد كاملاً، وشكلا المؤتمر والإصلاح حكومة ائتلافية، سرعان ما انفضت في العام ١٩٩٧، بعد الانتخابات البرلمانية ليشكل بعد ذلك المؤتمر الحكومة بمفرده. وتشكل المعارضة تحالف حزبي واسع ضم أغلب الأحزاب بما فيهم حزب الإصلاح حليف صالح سابقاُ (اللقاء المشترك) وحكم حزب المؤتمر منفردا حتى أحداث الربيع العربي ٢٠١١. حتى هذه الفترة كان هناك أكثر من ٢٠ حزبا مصرحا وأكثر من ٤٠ صحيفة يومية وأسبوعية وشهرية مستقلة، وكانت تتمتع بقدر لابأس به من الحرية.
إلا أن الخلافات السياسية كانت كبيرة وعميقة بين السلطة والمعارضة أدت الى تأجيل الانتخابات النيابية المستحقة عام ٢٠٠٩ عاشت البلاد خلالها في حالة انسداد سياسي الى عام ٢٠١١ عام أحداث ماسمي بالربيع العربي اندلعت الاحتجاجات في أغلب المحافظات اليمنية ضد نظام صالح تخلل هذه الاحتجاجات بعض مظاهر العنف والتي ذهب ضحيتها المئات من الأبرياء.
توصلت بعدها السلطة والمعارضة إلى اتفاق سياسي تم بموجبه تنحي الرئيس صالح لصالح نائبه وتشكيل حكومة شراكة برئاسة المعارضة توزعت الحقائب الوزارية بين حزب المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك بموجب تفاهم مشترك أسموها فيما بعد المبادرة الخليجية ووفقًا لهذا الاتفاق تم الاستفتاء الشعبي على تولي نائب الرئيس منصب رئاسة الدولة،بعد تولي هادي الرئاسة شهدت اليمن العديد من التحولات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبالرغم من التأثيرات التي كادت تصل باليمن إلى الانهيار الكامل للدولة والانزلاق في أعمال العنف وإشعال الحرب الأهلية، وبالرغم من ذلك تجاوزت اليمن تلك الأخطار واتجهت نحو الحوار كوسيلة وحيدة لمعالجة مختلف قضايا اليمنيين عبر مؤتمر الحوار الوطني الشامل برعاية الأمم المتحدة، استمر هذا الحوار لمدة سنة نتج عنه الأتفاق على اغلب القضايا الخلافيه سمي هذا الاتفاق بمخرجات الحوار الوطني الشامل، لكن جماعة الحوثي عملت على تأزيم الوضع السياسي بإعاقة تنفيذ ما تم التوافق عليه والعمل على فرض مشروعها الخاص بقوة السلاح فاستولت على العاصمة صنعاء وعلى مؤسسات الدولة وصولا إلى فرض الإقامة الجبرية على الرئيس هادي والحكومة والبرلمان وإلغاء الدستور واستبداله بإعلان دستوري .
ألغى الحوثيون العمل السياسي وحضروا الأحزاب وجمدوا كافة البرامج والمشاريع الاقتصادية والتنموية وشنوا حربا شاملة على اليمن.
التدخل السعود
عندما شعرت الجارة السعودية بالخطر الشديد من استيلاء الحوثي الموالي لإيران على اليمن وإمكانية تمدد هذا المشروع إلى السعودية ودول المنطقة
أعلنت عن قيام تحالف عسكري شمل عدد من الدول العربية وغير العربية أبرزها السعودية والإمارات الهدف المعلن لهذا التحالف كما قالوا عودة الشرعية وإسقاط انقلاب الحوثي وقطع يد إيران في المنطقة إلا انه خلال ثمان سنوات من الحرب لم يسقط مشروع الحوثي ولم تقطع يد إيران بل تم تدمير مقدرات اليمن وتمزيق اليمن إلى كنتونات وتشكيل تشكيلات عسكرية تمول وتنفذ توجيهات هذه الدول ولا تتبع الجيش اليمني بل تم ازاحة القيادات الوطنية التي تعمل لمصلحة بلادها اليمن وفرض شخصيات تنفذ مايطلب منها إلى أن تم الوصول بازاحة رئيس الدولة بطريقة غير دستورية نتج عن هذه التصرفات تدمير سمعة وثقة قيادات مؤسسات الدولة لدى الشعب اليمني الذي يرى أن هذه القيادات المعينة من قبل دول التحالف لاتمثله أو تدافع عن مصالحة .
دور الأمم المتحدة :
قامت الأمم المتحدة خلال الثمان السنوات من عمر الأزمة اليمنية بعدة محاولات لتقريب وجهات النظر بين الحوثيين وبقية القوى السياسية اليمنية وترتيب عدة جولات من المحادثات المباشرة لكن كل هذه المحاولات بأت بالفشل بسبب تعنت الحوثيين وعدم رغبتهم بالوصول إلى سلام في اليمن .
واقتصر دور الأمم المتحدة عبر مبعوثها على دور الميسر فقط، عبر رحلة طويلة من المفاوضات ابتداء من مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي خرج بوثيقة تحدد شكل الحكم وتداول السلطة في اليمن مرورا باتفاق السلم والشراكة الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية وخروج المسلحين الحوثيين من العاصمة صنعاء، ثم مفاوضات جنيف ١ وجنيف ٢ نزولا عند مفاوضات الكويت التي استمرت لمدة ٣ أشهر تداول فيها المتحاورين افكار جوهرية لأول مرة، تنص على تشكيل مجلس رئاسي من جميع الأطراف وتشكيل حكومة جديدة تشرف على نزع السلاح والترتيبات الأمنية من خلال لجنة عسكرية وأمنية يتم اختيارها من الضباط العسكريين المحترفين والمحايدين وتأمين العاصمة صنعاء .
دور المجتمع الدولي
كان المجتمع الدولي واضحاً برفضه وادانته انقلاب مليشيات الحوثي ودعمه لمؤسسات الدوله اليمنية، إلا أنه ظل يرقب الوضع من بعيد دون أن يتدخل بشكل مباشر في تنفيذ القرارات الدولية .
الدور الأمريكي السعودي في الحرب
تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الحرب في اليمن من خلال المملكة السعودية ولذلك تركت يدها مطلوقة في خوض الحرب مع الحوثيين دون تحديد سقف زمني لهذه الحرب كما أن القرار الأمريكي كان مشتتا بين الخارجية الأمريكية والبنتاجون فاستمرت الحرب نتيجة لذلك لأسباب عدة من بينها:
الأول، يتمثل بأن أعداء السعودية داخل الإدارة الأمريكية وخارجها وقفوا إلى جانب الحوثيين من منطلق عدائهم للمملكة العربية السعودية. أما الثاني، فتمثل بحشد الحوثيين لقطاع واسع من اليمنيين تحت ذريعة مواجهة العدوان. والسبب الثالث، فتمثل بتعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع اليمن عبر المملكة العربية السعودية ولم تتعامل مع اليمن بشكل مباشر، مما جعل قرار الحرب في اليمن بيد السعودية إلى حد كبير، إضافة إلى ما سبق، فإن الإدارة الأمريكية ضخمت من الإرهاب الفردي في اليمن وتركت الإرهاب الجماعي المتمثل بجماعة الحوثي التي ترفع شعار " الموت لأمريكا الموت لإسرائيل "، بل إن أمريكا اعتبرت جماعة الحوثي شريكة لها في مواجهة الإرهاب الفردي .
وتأسيسا على ما سبق فإن الخطوط الفاصلة بين السلام والحرب لم تعد واضحة في اليمن، بسبب تعاطي المجتمع الدولي وكذلك الأمم المتحدة مع الأزمة في اليمن واعتبارها أزمة سلطة وتحويلها إلى أزمة إنسانية، لذلك فإن بناء سلام دائم في اليمن التي مزقتها الحرب يعد من بين أكثر التحديات صعوبة، فالحوثيون يديرون الحرب على أساس أنهم يمتلكون وصية من الله بحكم اليمن وفق مرجعية الولي الفقيه، وقوى أخرى تدير الحرب وفق مرجعية تمزيق اليمن بدعم من قوى إقليمية ودولية، وللوصول إلى السلام، يجب إلزام الحوثيين وبقية المليشيات الأخرى التحول إلى أحزاب سياسية والتخلي عن فكرة الاصطفاء الإلهي والقبول بالمواطنة المتساوية تحت سقف الجمهورية اليمنية والتخلي عن السلاح لصالح الدولة والامتثال للإرادة الشعبية، وبالمثل مطلوب من المليشيات الأخرى التخلي عن الخطاب المناطقي المملوء بالكراهية وإسقاط مشروع تمزيق اليمن وإتاحة إمكانية استعادة الدولة لمؤسساتها والاحتكام لإرادة الناس وليس لقوة السلاح والاستقواء بالخارج.
بدون أن تسعى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى وضع تلك المطالب كشرط أساسي من شروط التسوية السياسية، فإن عوامل الحرب ستظل قائمة، فالسلام في اليمن لم يعد يعني توقف الحرب والعنف فقط، بل يعني نزع فتيل الحرب وتوفير بنية تحتية وآليات فعالة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي لضمان استمرار السلام، فالسلام يتضمن العمل من أجل العدالة، فلا سلام في ظل مصادرة إرادة الشعب تحت مسمى ولي الفقيه، ولا تحت ذرائع مناطقية وهويات جزئية .
إن إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب في اليمن، هي من بين أولويات ميثاق الأمم المتحدة الذي كان الدافع الرئيسي لإنشاء الأمم المتحدة لاستعادة السلام وإنهاء النزاع المسلح وتعزيز السلام الدائم، والأمم المتحدة مطالبة بوضع مشروع متكامل وعلى أسس سليمة تضمن الانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام ونزع مخاطر الانزلاق في العودة مجددا إلى الصراع، وهي مطالبة بتعزيز القدرات الوطنية لإدارة الصراع وإرساء أسس السلام والتنمية المستدامة، وللوصول إلى ذلك يجب الآتي:
١. بدلا من الحديث عن الهدنة ، يجب الحديث عن وقف إطلاق النار الكلي.
٢. الدعوة إلى عقد حوار وطني تشترك فيه جميع الأحزاب والقوى السياسية يتم فيه تقرير مصير اليمن بعيدا عن التدخلات الخارجية، يرتكز هذا الحوار على مخرجات الحوار الوطني المتوافق عليها ويشكل مجلس رئاسي لايزيد عن خمسة أعضاء وتشكل حكومة وحدة وطنية مهمتها تنفيذ البرنامج المتفق عليه في هذا الحوار وإزالة آثار الحرب ودعم السلام في اليمن وإقامة علاقات طبيعية مع دول المنطقة والمجتمع الدولي وفق المصالح الدولية، على أن تحدد الفترة الانتقالية بفتره لاتزيد عن ثلاث سنوات، تنتهي بانتخابات رئاسية وبرلمانية.
٣. الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار اليمن وفق خطة زمنية محددة تتضمن مجموعة من الإصلاحات الحكومية والاستثمارات في القطاع الخاص وحشد الدعم الدولي للمساعدة في إعادة بناء المجتمع المحلي وخلق فرص العمل وتحديث الاقتصاد.
٣. تشكيل قوة أمنية مهمتها حماية مؤسسات الدولة في عواصم المدن، فبدون إرساء دعائم الأمن فإن إعادة الإعمار ستشكل فصلا جديدا من فصول التنافس بين الأطراف الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية .
٤. من أجل إنهاء الحرب ، لابد من إرساء آليات محددة لإعادة توزيع التكاليف والأرباح بين المجموعات السياسية في رحلة ما بعد الحرب وعدم إرساء مثل هذه الآليات سيحافظ على حالة من التفاعل غير السلمي مثل الاغتيالات والإرهاب وحروب العصابات .
٥. غياب الترتيبات الأمنية والسياسية بعد الحرب ستحول مسار إعادة الإعمار والتعافي إلى امتداد للتنافس الإقليمي والدولي .
٦. ستتدفق أموال الإعمار من دول مجلس التعاون الخليجي المنخرطة في حرب اليمن، وإذا كتب للحرب أن تنتهي بدون تخلي الحوثيين عن المرجعية الإلهية في الحكم وتخلي المليشيات الأخرى عن الانفصال، فغالب الظن سيصاحب إعادة الإعمار حالة من التشرذم الموجودة في البلاد وسيتدفق التمويل الخارجي إلى مناطق نفوذ المليشيات المختلفة، مما يجعل الصراع قائما والاستقطاب الإقليمي مستمرا.
٧. استمرار تعاطي الأمم المتحدة مع السلام في اليمن وإنهاء الحرب بتلك الطريقة، سيجعل اليمن مجرد مجموعة دويلات صغيرة ترعاها قوى إقليمية ودولية متنافسة وفي ظل غياب أي عملية سياسية سليمة، ستكون إعادة الإعمار منفصلة عن أي محاولة لإعادة بناء الدولة.
التوصيات المطلوبة:
١. على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يدركوا أن الصراع مع الحوثي ليس صراعا سياسيا على السلطة، وإنما صراعا وجوديا بدوافع عنصرية تمارس من قبل هذه الجماعة، وأن القبول بالآثار التي ترتبت على استيلاء الحوثي على السلطة في ٢٠١٤، لا تصنع سلاما، بل تشكل عراقيل ممتدة ومستمرة في وجه السلام.
٢. عدم مواجهة الأمم المتحدة لمشروع التمزيق والتشرذم الذي تغذيه دول إقليمية، يجعل السلام غير ممكن، لأنه يقف ضد إرادة اليمنيين وضد القرارات والشرعية الدولية .
ويخلق صراع وحروب جديدة لا تنتهي.
٣. لا يمكن الوصول إلى سلام في اليمن، في ظل التراخي الدولي وفي ظل غياب الإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات بين جميع الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية ذات الصلة لتحقيق الإصلاح السياسي.
وللوصول إلى عملية السلام، فمطلوب من المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية أن تفي بإلتزاماتها
تجاة الشعب اليمني، وعليها ألا تتوقف جهودها عند الحديث عن الهدنة، بل يمتد إلى الحديث عن وقف الحرب وإلزام جميع الأطراف بالرضوخ إلى السلام والاحتكام إلى الإرادة الشعبية عبر صناديق الاقتراع ، فذلك هو أقرب الطرق وأسهلها لدعم الديمقراطية في اليمن .
إن الحرب في اليمن تلقي بظلالها على رؤية الشعب اليمني والشعوب العربية لممارسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ، اللذان لم يتحركا بالشكل المطلوب لإنقاذ الشعب اليمني من تدخل التحالف العربي الذي شكلت مصالحه وأهدافه خطأ لا يمكن تجاوزه، مالم يتم إنهاء الحرب وإنجاز السلام واستعادة الدولة اليمنية.
هناك فرصة نادرة في الأفق لإنهاء الحرب الدائرة في اليمن، وإذا ضيعت هذه الفرصة فإن الحرب ستستمر لعقد آخر. فالهدنة الحالية أعطت خمودا غير مسبوق في النزاع وهذا الهدوء النسبي ينبغي أن يتحول إلى وقف إطلاق نار وسلام دائم.
*نائب رئيس مجلس النواب اليمني
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-من صفحنه على الفيس بوك