هشام سليم يرفع «الراية البيضا»
2022-09-25
خالد منتصر
خالد منتصر

وُلدنا فى اليوم نفسه ٢٧ يناير، برغم اختلاف السنين فإنه قد شكّل ركناً هاماً فى وجدانى، محطاته الفنية بصمات على جدران الروح لجيلى الذى أنهكته تقلبات الزمن والسياسة، جمعتنى لقاءات مع مكتشفه الفنى المخرج الكبير حسين كمال الذى منحه دور الانطلاقة فى إمبراطورية ميم، وكان الفيلم بداية حماتى كوثر هيكل فى الكتابة السينمائية.

كانت نبوءة حسين كمال منذ البداية أن هذا الاسم سيلمع نجمه، وظلت كوثر هيكل حتى رحيلها حريصة على متابعة أعماله ومكالمته هاتفياً لتهنئته، لكن هشام سليم بالنسبة لى ولجيلى مشوار وتاريخ لا يُنسى. عشت معه الحلم فى عودة الابن الضال، غنيت معه ومع ماجدة الرومى: «نبص قدامنا على شمس أحلامنا»، كانت الصالة تضحك بسذاجة على صوت ماجدة الأوبرالى وتعتبره صراخاً، لكنى كنت مأخوذاً بنظرة التصميم والتحدى عند هشام سليم، وهو يترك خلفه أسرة قتلت بعضها بعضاً، وبطلاً منهزماً، وبيتاً محترقاً، مؤكداً أن الشارع لنا إحنا لوحدنا والناس التانيين دول مش مننا، هشام سليم فى ليالى الحلمية المحب الحائر عادل سليم البدرى الذى يعشق «قمر»، كان هو وشقيقه ممدوح عبدالعليم أيقونتين لجيل الآمال المؤجلة والأحلام المجهضة، الفنان التشكيلى «هشام» فى الراية البيضا ابن المحامى أنيس البسيط العفوى، ابن زمن قصر الثقافة المقاتل ابن الطبقة الوسطى الذى يقف فى مواجهة فضة المعداوى، تلك المعلمة فى زمن الانفتاح الاستهلاكى القبيح.

تتخيل أنها تستطيع شراء كل شىء حتى التاريخ، حتى مفيد أبوالغار راهنت على الفيلا التاريخية التى يسكنها وتسكنه، وقف «هشام» ضد بلدوزر الخراب، لكن فى المشهد الأخير اقترب البلدوزر ولم نعرف هل دهس «هشام» ورفاقه أم تراجع عن سحق الوجدان المصرى؟ السؤال: لماذا شاهدنا كل تلك الدموع التى غمرت مصر كالفيضان حزناً على هذا الفنان؟ هشام سليم كان صريحاً مواجهاً لا يخشى لومة لائم فى الحق، كرامته فوق كل شىء، ابن أصول فعلاً، تربية رجل صارم جداً وفنان جداً، وأم شيك وراقية وهانم فعلاً.

جمع بين حكمة وهدوء دوره فى مسلسل الجاسوسية، والشقاوة فى مسرحية شارع محمد على، أما موقفه مع ابنه «نور» العابر جنسياً من بنت إلى ولد، ودعمه نفسياً ومواجهة المجتمع بكل شجاعة، فهذا موقف إنسان مثقف متحضر وفنان يمتلك من الوعى ما لا يمتلكه الكثيرون ممن يمتهنون الفن الآن.

وداعاً صاحب القلب الأبيض. رحلت جسداً بعد أن رفعت الراية البيضا أمام المرض القاسى، لكنك لم ترحل عن وجداننا.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الوطن-



مقالات أخرى للكاتب

  • الموبايل واقتحام الخصوصية
  • غاندي وسوناك
  • مؤتمر المناخ.. مع بعض نقدر





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي