الحرب فى أوكرانيا وعين على تايوان
2022-04-07
 حسن أبو طالب
حسن أبو طالب

لا شك أن الحرب فى أوكرانيا هى بين روسيا والغرب على أرض يمكن التلاعب فيها بكل شىء، دون التورط المباشر فى مواجهة ثنائية غربية روسية، قد تُفضى إلى مواجهة نووية غير مرغوبة. لكن عدم الرغبة لا يعنى استبعاد الاحتمال بالتورط أو اللجوء بالفعل إلى حرب تُستخدم فيها أسلحة نووية. وعندها ستكون المبررات جاهزة من قبيل مواجهة التهديد الوجودى من طرف معادٍ. وقد أتاحت حرب أوكرانيا فرصة للعسكريين الروس والغربيين، لا سيما الأمريكيون والبريطانيون، لاختبار أنواع متعدّدة من الأسلحة التى وصفت غربياً بالفتاكة، لمواجهة المدرعات والدبابات الروسية، ويقابلها اختبار الروس أنواعاً من الصواريخ الفرط صوتية والدقيقة فى إصابة الهدف. فضلاً عن سبل الحرب الإلكترونية وفاعلية الرادارات ومنظومات رصد وإصابة الصواريخ المضادة، وفاعلية الطائرات المسيرة والحد منها.

وأياً كانت النتيجة التى ستنتهى بها الحرب، فقد أمكن لكل فريق أن تتوافر لديه معلومات ميدانية عن فاعلية خططه ومعداته وأسلحته فى مواجهة الطرف الآخر، وتبدو النتيجة الأكثر بروزاً تتعلق أساساً بأن حروب المدن والمساحات الشاسعة من الأراضى لم يعد بالإمكان الفوز فيها بسهولة مهما كانت قدرات الأسلحة التقليدية وعدد الجنود. وثانياً أن توافر الموارد الذاتية التى تعين على مواجهة أى حصار، والدعم الداخلى لقرار الحرب، والقدرة على حشد مؤيدين خارجيين ومتفاعلين بجدية عملية فى أرض المعركة، جنباً إلى جنب الأداء الإعلامى والتأثير على الخصم، هى عناصر ضرورية للفوز فى الحرب.

هذه النتائج العامة تخضع فى تفاصيلها لعملية تقويم وتحليل من جميع الجوانب من قِبل الأجهزة المختصة، وبناءً على الاستنتاجات التفصيلية المعمّقة تتغير السياسات وتوضع السيناريوهات المحتمَلة فى المدى الزمنى القريب. وأحد هذه السيناريوهات يتعلق باحتمال اندلاع حرب بين قوتين عظميين تمتلك كل منهما قدرات كبيرة ومتطورة فى الأسلحة البرية والجوية والقدرات السيبرانية والفضائية، فضلاً عن القدرات النووية. وهو احتمال يتعلق بحرب عالمية ثالثة، لن تقتصر على الأطراف الأكثر تسليحاً، بل غالباً ستشد أطرافاً أخرى. وهو سيناريو وإن لم يحدّد مكان تلك الحرب، فكل العوامل والمتغيرات ترجّح أنها ستكون فى أوروبا بالدرجة الأولى، أو فى الصين وجوارها أو كليهما معاً.

وفى تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية المتخصّصة فى الشئون الدفاعية قبل ثلاثة أيام، ذكرت المجلة أن سلاح الجو الأمريكى يقوم بتدريبات تحاكى الحروب الجوية ضد قوى عظمى، لم يُحدّدها التقرير، ويطلق عليها مناورات «العلم الأحمر»، والقوة العظمى المستهدفة فى التدريبات لديها قدرات متطورة فى الدفاع الجوى ومنظومات الصواريخ والطائرات الحديثة جداً ومنظومات التشويش الإلكترونى وقدرات فضائية متنوعة. والهدف من التدريب يتعلق بتطوير أساليب لشل فاعلية قدرات العدو مع الاستعداد لمواجهة متغيرات مفاجئة من قبيل التشويش على منظومة تحديد المواقع أو تغيير اتجاهاتها، ومن ثم العمل على إنجاز المهام بدون هذه الإمكانات، وأيضاً مواجهة طائرات حديثة لديها مهارات ومعدات وأسلحة فائقة السرعة وقدرات تدميرية كبيرة.

مغزى تقرير مجلة ذات سمعة مرموقة فى مجال المعلومات العسكرية فى هذا الوقت بالذات، ليس فقط توجيه رسالة إلى الدول العظمى، التى تعتبرها الولايات المتحدة عدواً، بل أيضاً طمأنة الرأى العام الأمريكى والغربى بأن الجيش يستعد لكل الاحتمالات. وفى وصف الطرف العدو كما جاء فى التقرير، يمكن للمرء بسهولة شديدة أن يستنتج أنه روسيا أو الصين أو كلتاهما معاً. ويلفت النظر إلى أن التدريب يختص بسلاح الجو مع منظومات الأسلحة الإلكترونية، ولم يُشر إلى تدريبات أخرى تتعلق بالبحرية الأمريكية أو القوات البرية. ما يعنى أن مسرح العمليات لن يكون بالضرورة الأرض الأمريكية، بل أرض أخرى، إما فى أوروبا وإما فى آسيا.

الصراع مع روسيا بات محسوماً من قِبل المؤسسات الأمريكية، وله جذور قوية فى الإدراك الأمريكى الرسمى. الصين أيضاً تُعد مصدر تهديد خطير، اقتصادياً وعسكرياً واستراتيجياً، ويزداد الأمر تعقيداً للولايات المتحدة إذا ما تحالف الطرفان تحالفاً عملياً، يتضمّن تنسيقاً استراتيجياً على أعلى مستوى. ومن خلال التحركات الأمريكية فى عهد الرئيس ترامب فإن الضغط على الصين بالعقوبات الاقتصادية لم يؤدِّ إلى نتائج كبيرة فى احتواء الصين وما تمثله من تهديد. وفى العام الأول للرئيس بايدن، استمر نهج العقوبات وزاد عليه بناء تحالفات لمحاصرة الصين كتحالف أوكوس مع أستراليا وبريطانيا، والحوار الأمنى الرباعى مع الهند واليابان وأستراليا، وهدفه مواجهة طموحات الصين فى التمدّد آسيوياً وعالمياً.

ويُعد مستقبل تايوان إحدى القضايا المحورية فى العلاقات الأمريكية - الصينية، فبكين تتمسّك بكون تايوان جزءاً من أراضيها، ووجوب ضمّها إلى السيادة الصينية سلماً حسب المعلن، والولايات المتحدة مع ضمان استقلال تايوان ورفض ضمها للصين بالقوة، مما يعنى نظرياً أنها قد تقبل ضمها سلمياً. أما على الصعيد الواقعى فثمة رفض شديد لمبدأ ضم تايوان للصين سلماً، أو بالقوة العسكرية.

وإذا تمعنا فى تقرير مجلة «ناشيونال إنترست» المُشار إليه، يمكن الاستنتاج بسهولة أن الولايات المتحدة، وحلفاءها يضعون فى اعتبارهم احتمال أن تلجأ الصين لضم تايوان بالقوة، مستفيدة من المناخ الدولى المتوتر والقلق بشأن تداعيات الحرب فى أوكرانيا. فعملية عسكرية صينية سريعة نسبياً، قد لا تجد القدر نفسه من التكاتف العسكرى الفعلى من الغرب، كما هى الحال فى أوكرانيا. ولذا ترتفع المطالبات بتوسيع دائرة الحلفاء الآسيويين وضمهم إلى تحالف إيكوس أو الحوار الرباعى أو كليهما معاً، وفى المقدمة كوريا الجنوبية، فى ظل رئيسها الجديد يون المتحمس لهذا التحرك، والذى يرى أن الرئيس الصينى قد يقدم على عمل عسكرى كما فعل الرئيس بوتين. ولذا يجب منع هذا الاحتمال فى مهده من خلال توسيع الحصار حول الصين، وتعزيز لغة القوة والحسم تجاه كوريا الشمالية فى الآن نفسه.

لم تعد الحرب فى أوكرانيا مجرد مواجهة فى بلد أوروبى يمكن التوصل إلى تسوية سلمية بشأنها، أياً كانت بنودها، ولكنها نقطة بداية لتغيير مفاهيم الحرب ذاتها، وتغيير نمط التحالفات الدولية والتحسّب لمفاجآت كبرى قد تغير الخرائط الجغرافية السياسية فى أكثر من قارة فى آن واحد، ومن ثم تغيير بنية النظام الدولى نفسه بشكل عنيف. وتظل القوى المتوسطة غير المنحازة والراغبة فى احتواء التوترات بين الكبار تحت ضغط كبير، يمكن تفكيكه بالقيام بمبادرات جماعية تُقيد فرص الحرب العالمية، وتحافظ على حد أدنى من الاستقرار الدولى، فمن يقبل البدء بمثل هذه المبادرة العالمية؟

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الوطن-



مقالات أخرى للكاتب

  • النيجر وتحدي الطامعين في أفريقيا
  • الغرب بين هزيمة روسيا والقبول الاضطرارى بها
  • الحوار الوطني في مصر... أسئلة تبحث عن إجابات






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي