لبنان.. التأليف في ورطة
2021-07-31
مصطفى فحص
مصطفى فحص

في اليوم الثاني للتكليف غادر السفير السعودي الأستاذ وليد البخاري بيروت متوجها إلى الرياض. توقيت المغادرة يقطع الشك باليقين بأن الرياض أدارت ظهرها للتكليف والتأليف معا، كما أن قرار سفر البخاري يمكن تفسيره أو وضعه في إطار رفع الحرج عن السفارة السعودية بسبب كثرة المتصلين، والاتصلات من قبل المعنيين مباشرة بالتكليف ومن قبل طرف ثالث يحاول التوسط بين الجهتين، حيث يظهر أن من هندس عملية التكليف بات معنيا بانتزاع موقف سعودي يمكن أن يطمئن المكلف في مهمته التي باتت شبه مستحيلة.

عمليا السعودية قد عبرت عن موقفها باللا موقف، وظلت مصرة على عدم التدخل بالشأن الداخلي اللبناني. فمن الواضح أن اللقاء الثلاثي الذي جمع وزير خارجيتها الأمير فيصل فرحان مع نظيريه الفرنسي جون إيف لودريان والأميركي توني بلنكين لم يخرج بتفاهمات يمكن أن تتحول إلى مشروع عربي دولي يساعد لبنان على الخروج من أزمته، وهذا ما يعزز الاعتقاد بأن زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو والأميركية دورثي شيا إلى الرياض لم تتجاوز حدود استطلاع وجهات النظر ولن تقترب إلى مستوى إجرائي.

بين الغياب السعودي عن مشهد التكليف والتأليف وتأثيره الثقيل على الموقف الخليجي والعربي، إضافة إلى الصمت الأميركي الغريب من عملية التأليف، يبدو أن الموقف الدولي من المسألة اللبنانية أكثر تعقيدا من العقد التي تواجه الرئيس ميقاتي في عملية التأليف، وهذا ما يؤكد أن الاندفاعة الفرنسية في التكليف والتأليف بدأت ترواح مكانها وبأن التفاؤل الداخلي الذي ترافق مع لحظة التكليف بدأ بالتخبر.

بعد أقل من 48 ساعة على التكليف، ظهرت إلى العلن متاهة التأليف، فعلى ما يبدو أن المكلف بُلغ سريعا بشروط التأليف، والواضح أن جنرال بعبدا وصهره ليسا بوارد التخفيف من شروطهما التي وضعاها بوجه الرئيس السابق سعد الحريري. فجبران باسيل ليس بوارد التنازل عن الثلث المعطل، ولا القبول بأن يسمي ميقاتي الوزراء المسيحيين، كما أن التيار الوطني الحر يراهن على حقيبة الداخلية إذا كانت هذه الحكومة ستشرف على الانتخابات المقبلة، أما ميشال عون فيصر على معركة تصفية الحسابات مع خصومه في السلطة لذلك يريد من ميقاتي تعهدا بإجراء التدقيق الجنائي، والشرط الأغرب أن يلتزم ميقاتي بمهلة الشهر للتأليف وإلا عليه الاعتذار.

لن يأبه فريق عون لمخالفاته الدستورية وخصوصا بنود الطائف، لذلك من الطبيعي أن يعتبر المكلف مهلة التأليف تحتاج إلى تعديل دستوري، وأنه لا يستطيع أن يعطي عون وباسيل ما رفض سعد أن يعطيه، فهو بحاجة إلى داعمين؛ الأول كتلة سعد الحريري البرلمانية وتحالفاتها السياسية، أما الثاني ضرورة إرضاء الشارع السني وخصوصا الطرابلسي الذي لن يتسامح مع أي تنازل لصالح الثنائي (عون_باسيل). فيمقاتي الذي قبل بمهمة التأليف يبحث أيضا عن أرباح انتخابية.

يبدو أن هذا الثنائي الغريق لا يخشى من بلل جديد، فهو غير مستعد للتراجع أمام التهديدات الأوروبية بفرض عقوبات عليه، وبالنسبة له لن تكون أشد صعوبة من العقوبات الأميركية، كما أنه يلعب بحرفة في المنطقة الرمادية التي تركها حزب الله بين حلفائه المتخاصمين. فالحزب الذي ليس بوارد خسارة غطاء رئيس الجمهورية ولن يضغط عليه من أجل تسهيل مهمة ميقاتي، يستطيع التخلي عن ميقاتي وغيره ولكن لا يريد إضعاف عون.

وعليه، فمع معركة " الربحان" دائما التي يخوضها الثنائي عون باسيل ويقابلها معركة من أجل ربح حقيقي يخوضها ميقاتي، فإن هوة التأليف تتسع، ومعها يتوسع القلق المعيشي والتخوفات من سقوط حاد للعملة الوطنية مقابل الدولار ابتداء من الاثنين، إذا استمر تعثر التكليف وصعوبة الوصول إلى حل وسط بين الطرفين، خصوصا أن الخارج الذي غض الطرف عن المبادرة الفرنسية لن يمنحها وقتا إضافيا.


*كاتب وباحث لبناني



مقالات أخرى للكاتب

  • النظام الإيراني بين التصدعات والانشقاقات
  • الأسد بين شباطين
  • العراق... «30 آب» لحظة السقوط المدوي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي