النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي والعبء الدولي
2021-05-20
محمد الرميحي
محمد الرميحي

العديد من المؤرخين الجدد الإسرائيليين يكادون يجمعون على حقيقة أنه "لولا الوجود البريطاني في فلسطين بعد الحرب الأولى لما وجدت إسرائيل"، وفي المقابل لولا الدعم الأميركي بعد ذلك لما استمرت إسرائيل وتوسعت كما هي الآن. ربما ذلك كان عنصراً مهماً في تكوين الأحداث، رفده أن القادمين الجدد كانوا في معظمهم نتاج نضج المجتمعات الغربية الصناعية في أوروبا، فجاءوا بذخيرة علمية في بناء المؤسسات (المزارع والمصانع والعلوم) في مقابل مجتمع في غالبه زراعي وإن كانت فيه نخبة متعلمة لكن لم تكن قادرة على بناء المؤسسات المضادة. ويدخل في كل ذلك طموح ضبابي من قيادات عربية وقتها في الحلم بإنشاء الدول الكبرى أو المتوسطة بعيداً من حكم عثماني أطال الغفلة التنموية الحديثة، معتقدين أن قيام دولة عربية أو عدد من الدول العربية الكبرى سوف يتيح الفرصة لمساعدة الفلسطينيين في الوقت الآتي.

كل ذلك تاريخ عرفنا كيف تطوّر، فحدثت هزيمة 1948 ثم 1967، وانتهتا بما نعرف ونعايش اليوم. لم تعد بريطانيا "عظمى" وفي المقابل تخسر الولايات المتحدة الكثير من أدواتها "المغرية" للعرب أو "الضاغطة" على إسرائيل. من جانب آخر فإن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي هو جزء، يكبر أو يصغر، في معظم إن لم يكن في كل أزمات دول ومجتمعات الشرق الأوسط، من الحكم العسكري، الى الشمولي حتى ظهور "القاعدة" ومن ثم "داعش"، وما بينهما من قوى وتنظيمات متشددة. النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي يشكل أزمة مستحكمة لكل من الطرفين ... من الطرف الإسرائيلي لإنه ليس هناك مخارج عقلانية قادرة على الوصول الى شكل من أشكال الحل، ويتجه المجتمع الإسرائيلي الى اليمين، من خلال تعظيم الشعبوية لكره الآخر، اليمين السياسي المغموس بالديني. كما يتجه المجتمع الفلسطيني الى اليمين الشعبوي أيضاً المغموس بالديني، في الوقت الذي طلّقت الحضارة الحديثة "الحروب الدينية".

لا يمكن فك حركة "داعش" في العمق عما يحدث في فلسطين ولا "القاعدة" ولا البحث عن شعبوية كما حدث لصواريخ صدام حسين عام 1990، ولا عشرات الظواهر السياسية في المنطقة معظمها مرتبط في شكل او آخر بـ"القضية". الأسباب واضحة، حيث يتعمق شعور عاطفي في عقول جماهير واسعة من العرب وحتى المسلمين تجاه القضية وبل وشعور إنساني، والأخير منقسم بين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحق الفلسطينيين في العيش الكريم والمستقل. هذا الاستقطاب الذي يُسمع في أكثر من ظاهرة اليوم، حدثٌ له تطور في النصف الثاني من القرن الماضي حيث دخلت عليه دول في المنطقة لديها مشاريع خاصة بها، الى حد أقل تركيا الأردوغانية والى حد أكبر إيران الخمينية، كل من أجل تطوير مشروعه السياسي... تنتظم مجاميع من الفلسطينيين في هذا المشروع، أحدهما او كلاهما، ايماناً في انه الرافعة لبعض حقوقهم المسلوبة، حتى في عرب إسرائيل، كما ظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة، كانت الغلبة لفلسطينيي الداخل "الجناح الإسلامي"!

الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، في شبه مأزق، سياسي وحضاري. إسرائيل تذهب الى عدد من الدورات لانتخابات عامة من دون أغلبية، وتبقى أشهراً من دون حكومة او بحكومة موقته لا تلبث أن تنفرط، والفلسطينيون منشقون على أنفسهم لعقود من دون أي احتمال لمّ الشمل، حتى على برنامج حد أدنى. السلطة معترف بها دولياً و"حماس" معظم الدول تعتبرها حركة إرهابية، ويكيل بعض الفلسطينيين المتحمسين الشتائم والسباب لإخوانهم العرب الذين ما انفكوا يتعاطفون معهم ويقدمون واجب التعاضد ما أمكن ذلك.

التدخل الدولي الخجول حتى لو حصل على تهدئة الآن، فإن دورة التصعيد، التهدئة، فالتصعيد، سوف تبقى، في ظل عجز مزدوج لغياب المشروع "المخرج" لدى كل من إسرائيل والمجتمع الدولي وجزء ليس قليلاً من الفلسطينيين، على الرغم من أن الخطوط الزرقاء للمشروع موجودة تحت عنوان "حل الدوليتن". الخيار أمام العالم والدول المؤثرة بعد أن تهدأ المشاعر جراء حمام الدم الحاصل، أن يجري التفكير الجدي في الوصول إلى حل متفق عليه يحفظ لكل طرف حقوقه المشروعة والمتفق عليها في القانون الدولي... ذلك يحتاج الى شجاعة وإلى قرار.

الخيار الآخر هو أن تقوم قوى التشدد بالاستثمار في هذا الصراع في معادلة، تحمل كل القبح الإنساني... قوى تدفع المال، الغرب لإسرائيل، وإيران الخمينية لـ"حماس"، ويستهلك من رأس المال وهو الدم الفلسطيني الذي يراق على مر السنين والعقود، وتبقى القضية عملة للتداول الرخيص في الصراعات المختلفة مسممة كل مسرح الشرق الأوسط، والتي سوف تسبب إراقة دماء لدى شعبي الطرفين المباشرين وغيرهما، كما تنتشر شرارتها في المنطقة معطلة التنمية ومعمقة لفكر جامد ما ورائي يكاد يكون من القرون الوسطى، وتدفع كل شعوب المنطقة أثماناً باهظه من الدم والدموع والفرص الضائعة.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس

 



مقالات أخرى للكاتب

  • تونس وعسر الديمقراطية
  • الأوهام الثلاثة!
  • السودان وليبيا ليسا وحيدين!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي