الوعي الغائب
2021-03-25
محمد الرميحي
محمد الرميحي

وصلني شريط مصوّر يبدو أنه انتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي. أريد أن أشرك القارئ في محتواه بعد أن تأكدت من أكثر من مصدر أنه حقيقي. الشريط عُرض وقُرئ في إذاعة (حسني)... هكذا اسمها، وتبث من الأردن، ويبدو أنها قريبة من حركة "الإخوان المسلمين". المتحدث فيها اسمه حسام غرايبة، وأنقل لكم ملخص ما جاء فيه: "يروى أنه في عام 1990 كان رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد طلبة الجامعة الأردنية وهو يسرد ظروف زيارته للعراق، ويبدأ بالقول إن أحداً لا يستطيع أن يقول إن صدام حسين كان يريد أن يدمر العراق (يقول غرايبة)...".

ويكمل: إلا إنه لما يصل الشخص الى الحكم (عندنا) يرى أنه الأحرص على البلد من الشعب، خصوصاً إن كان تحت وهم أن هناك مؤامرة دولية تريد الإطاحة به. يستطرد غرايبة، فيقول: "عندما (ضُرب العراق عام 1990) كانت مشاعرنا متأججة (يعني الشعب الأردني) وقررنا أن نجمع تبرعات من الطلاب والهيئة الإدارية والأساتذة في الجامعة للعراق، وجمعنا مليون دينار أردني، تقرر أن تحملها لجنة من ثلاثة أشخاص "غرايبة" واحد منهم، كدعم مالي ومعنوي. ذهبت إلى العراق في رمضان، وأردت أن أختلط بالناس، فذهبت الى مسجد لصلاة العصر، وكانت هناك مجموعة من العراقيين يقرأون في كتاب فقهي، فبدأت ألومهم، يقول غرايبة... كيف تضيعون أوقاتكم في هذه الكتب وبلادكم تحتاج الى جهودكم... أرادوا أن ينفضوا فأمرتهم بالبقاء، وأطاعوا! بعد حديثي وقف شخص تبيّن أنه أستاذ في علم الإحصاء البيولوجي يتكلم ويرتعد ويبكي، وما لبث أن بكى الجميع على بكائه، قال: "أنتم في الأردن خدعتمونا، نحن نعيش في كارثة، لا يعرف أحدنا أين قتل والده او إبنه ولا يعرف أين أخذوا أحباءه ودفنوهم في أي مقبرة، ووجّه الأستاذ دعوة للسيد غرايبة للفطور معه في المنزل، ولما قدم الفطور حيث كانت الدار بلا كهرباء، وجد أن الزاد زهيد الى حد الفاقة، وقال له الأستاذ، هذا أكلنا لشهور مضت!".

يكمل السيد غرايبة، فيقول: "وجدت أننا جماعة مخدوعين، فكل الصواريخ والأسلحة والصناعات العسكرية يمكن أن تنهار في لحظة واحدة، إن لم تكن معتمدة على مجتمع حر، فالمجتمع الخائف ينهار سريعاً مهما أوهمته القيادة أن لديها سلاحاً جباراً او صواريخ عابرة، أو أرهبته بعسسها ومخابراتها". وينتهي بالقول: "لقد ذهبت الى العراق بتصور وعدت بتصور مناقض تماماً". تقريباً هذا ملخص ما سمعت في ذلك الشريط المصور والمتاح على الشبكة.

الأخ غرايبة كمثل جيله أو أغلبه كما وصف، كان "مخدوعاً"، ولكن لم أكتب ما سبق لأؤكد ما وصل اليه السيد غرايبة، فهو أمر معروف لكثيرين منا منذ زمن، وقد ردد كثيراً لمن يرغب بالسماع، ولم أكتب لأحاكم الماضي، فقد ذهب، الا أني أكتب ملخص تلك القصة من أجل المستقبل وأرى ما نحن فيه من (غوص في الوعي الغائب)، فمن يعتقد عقلاً أن حكم سوريا الحالي أو "حزب الله" في لبنان يستطيعون أن يشكلوا مقاومة لإسرائيل، وكل من سوريا ولبنان اليوم هما الخاصرة اللّينة، بسبب فشل ذريع في إدارة الدولة وتفكك للمجتمع.

لقد تدخل النظام السوري في لبنان حتى أرهقه وسلط عليه فئة تتحكم في كل المجموعات اللبنانية، فأصبح اليوم يتقاتل الناس للحصول على لقمة عيشهم ومن كل الطوائف، ولم تعد سوريا قادرة حتى أن يحكمها السوريون أنفسهم. لقد سلم الحاكم المذعور كل المفاتيح الى آخرين، وكما قال غرايبة في النص المذكور آنفاً (الناس تعيش وسط كارثة) وهي كارثة حقيقية كما يحدث في ايران منذ عقود.

عودة الوعي الى غرابية وأمثاله يبدو أنها بعيدة لمناصري النظام السوري أو مؤيدي النظام الإيراني أو مناصري بقاء "حزب الله للتحكم بالشعب اللبناني بالقوة المسلحة... ذلك الوعي المغيّب أو المشوب بخوف، هو ما يمنع من فهم أسباب الانهيار ووضوحه، لذلك يعجب المراقب عندما يسمع لبنانيين أو سوريين أو عرباً او أجانب يمدون يد التأييد بالقول وبعضهم بالفعل لمثل تلك الأنظمة أو المليشيات وهم يشاهدون كل هذا الدمار الذي تسببت به تلك الأنظمة. القول إن هذه الأنظمة والميليشيات هي مقاومة لإسرائيل، فتلك الكذبة الكبرى والتي لا يصدقها في السر حتى عدد قليل من أقرب المستفيدين من تلك الأنظمة. لقد أصبح واقعاً أن ذلك البلد هو "بيت من الورق" لإسرائيل أو غيرها من القوى التي ترغب بالسيطرة، ولا تحتاج تلك القوى إلى عنف لتنهار هذه الأنظمة، فهي إما منهارة أو في طريقها الى الانهيار الكلي. وما يساعد على الانهيار ذلك الوعي الزائف الذي يغشى بعض العيون والأبصار. واذا كانت تجربة غرايبة المباشرة قد أيقظته من وعيه المخادع متأخراً، فهل يحتاج الآخرون الى مثل تلك التجربة كي يفيقوا؟ ولكن بعد خراب الأوطان!.

 

*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع



مقالات أخرى للكاتب

  • تونس وعسر الديمقراطية
  • الأوهام الثلاثة!
  • السودان وليبيا ليسا وحيدين!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي