انتفاضة العراق وسيناريوهات وأدها
2019-10-24
أمير المفرجي
أمير المفرجي

إن ما يميز انتفاضة العراقيين المستمرة التي نعيشها اليوم، عن مثيلاتها في الأعوام السابقة، وضوح هويتها الوطنية، من خلال إعلان الأغلبية العراقية العابرة للطوائف، عن رفضها لطبيعة النظام السياسي الطائفي الفاسد، السائر في فلك إيران الهادف إلى هدم المشروع الوطني العراقي.
وهذا ما يكشف حجم العلاقة والارتباط بين حتمية وأهمية هذه الانتفاضة، واستمرار العملية السياسية القائمة، التي تديرها حفنة من الأقلية الطائفية، المتمتعة بثروات العراق، على حساب الأغلبية العراقية المستقلة الكادحة العابرة للطوائف. وهذا ما سيدخل المشهد السياسي العراقي إلى سياق جديد، قد يوصل النظام العراقي المتشبث بالسلطة لحافة الهاوية، بعد ان نجح الشارع العراقي في تحويل مطالبه الخدمية والمعيشية، إلى انتفاضة كسر إرادات واضحة المعالم والمطالب بين الشعب والنظام، ويجعلها بالتالي عرضه لمجابهة عدة سيناريوهات محتملة، حيث ستحاول أحزاب النظام في بغداد كسب اللعبة، والعمل على تغيير ميزان القوى لصالحها.

أحد هذه السيناريوهات يتمثل في إسكات الشارع العراقي من خلال ذر الرماد في العيون، والتلويح باصطلاحات جزئية، حيث أن تخوف حكومة عادل عبد المهدي من الدعوة التي حددها المتظاهرون الجمعة المقبل، قد يدفعها للمزيد من الوعود محاولة لإرضاء الشارع، وصولا إلى امتصاص غضبه، على الرغم من أن هذه المحاولات لم تعد تجدي نفعاً، نظرا للنتائج الخطيرة التي خلفتها جريمة إعطاء هذه الحكومة أوامر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وتسويغها لجريمة قتل مواطنيها، والادعاء بأنه عمل ارتكبه مجهولون، وأنها لا تعلم هوية من قام بهذا العمل. وهذ ما قد يجعل من فرضية انتهاء الاحتجاجات أمراً مستبعداً، حيث يدرك العراقيون قبل غيرهم أن محاولات الحكومة إسكات صوت الشارع العراقي المنتفض على الفساد والتبعية لإيران ببعض الرشاوى، تكشف طبيعة الأسس الفاسدة التي بني عليها النظام، وكونها تمثل جزءاً من الفساد المستشري الذي استمدت منه العملية السياسية شكلها الحالي.
في المقابل تبرز مخاوف المتظاهرين من تجيير حراكهم الوطني لصالح جهات حزبية، مع دعوة رجل الدين السيد مقتدى الصدر أنصاره، إلى المشاركة في المظاهرات، التي ستشهدها العاصمة بغداد الجمعة احتجاجاً على استمرار بقاء النظام. وعلى الرغم من إعلان زعيم التيار الصدري، تأييده لاستمرار المظاهرات، معتبرا أن الحكومة عاجزة عن إجراء الإصلاحات المنشودة، والاختيار بين ثورة في الشارع، أو عبر صناديق الاقتراع، وطلبه من الجيش عدم التدخل، ومن ثم التناقض الذي جاء في دعوته غير المباشرة إلى إيران بعدم التدخل في ما يقرره الشعب، وفشله في التخلص من ضغوط ملالي قم وطهران. كما ان وقوفه الوحيد إلى جانب المتظاهرين كزعيم لتيار مذهبي وبغياب النخبة الوطنية المغيبة، قد يخلط الأوراق، ويؤثر بالتالي على طبيعة الأهداف التي حملها المتظاهرون في أنهم «لا صدريون لا بعثيون لا سنة ولا شيعة»، إذا أخذنا بعين الاهتمام ما حملته هذه المظاهرات من وعي وطني لدى الشباب المنتفض على النظام السياسي الطائفي المفروض عليهم، ورفضهم الواضح لتبعية المظاهرات، سواء كان التيار الصدري أو غيره، بل للعراق وهويته الوطنية الجامعة.

يبقى السيناريو الأخطر هو في لجوء المليشيات إلى استعمال العنف، لوقف استمرار المظاهرات الجمعة المقبل، بعد فشل محاولات الحكومة العراقية امتصاص غضب الشارع العراقي، الذي لم يعد يكتفي برفع الشعارات التقليدية التي تطالب بالخدمات والوظائف ومحاربة الفساد، وانتقاله إلى جوهر المشكلة التي يعاني منها العراق، التي تتلخص في تبعية النظام السياسي العراقي، وهذا يعني اضطرار الميليشيات للدفاع عن وجودها، من خلال ممارسة القتل، وبوجود حكومة فاقدة للسيطرة على أجهزتها، تتستر على القتلة، بعد ان تخاذلت في الكشف عن المتورّطين في مقتل وإصابة المتظاهرين، لتصبح في النهاية شريكة لهم في الجريمة.
وأيا كانت فحوى سيناريو نتائج لجنة التحقيق الحكومية المكلفة بكشف الجهة المسؤولة عن عمليات قنص المتظاهرين؛ فإنه من غير المتوقع أن تكشف الحكومة عمن يقف وراء هذه الجرائم، بل ستحاول طمسها لإبعاد التهم عن إيران ومليشياتها. وإفساح المجال لملاحقة واعتقال الناشطين والمتظاهرين، خلال الأيام الماضية، والبدء بالتخويف والترويع للعديد من الناشطين والصحافيين العراقيين عن طريق التهديد بالقتل حال دعوتهم لمظاهرات 25 أكتوبر/ تشرين الأول.

 

كاتب عراقي * 



مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب





كاريكاتير

إستطلاعات الرأي