ما تبعات رفض ترامب الاعتراف بالهزيمة في الانتخابات؟

مصدر: The dangers of Trump’s last stand
2020-11-12

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية تحليلًا للكاتب إيشان ثارور، المتخصص في العلاقات الخارجية، سلَّط فيه الضوء على تداعيات رفض ترامب تقبل الهزيمة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما قد ينتج منه من أزمة في الشرعية الدستورية في الولايات المتحدة.

في مستهل تحليله، يرى الكاتب أن أزمة الشرعية التي كان يخشاها كثيرًا بدأت تتحول إلى حقيقة في الولايات المتحدة. وأعلن الرئيس المنتخب، جو بايدن، فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بعدما أصبح فوزه واضحًا بالأرقام الحسابية لأصوات الناخبين خلال عطلة نهاية الأسبوع. وغرَّد عددٌ كبير من زعماء دول العالم يُهنئون الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، والذي أجرى يوم الثلاثاء عدة مكالمات هاتفية مع قيادات دول العالم، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، وآخرين. وينشغل زملائي من الباحثين والإعلاميين برصد الشكل الذي قد تبدو عليه رئاسة بايدن، سواء في الداخل أو في الخارج. وبدأ التدافع المحموم على الوظائف في الإدارة الأمريكية المقبلة بالفعل.

ادعاءات تزوير الانتخابات لا أساس لها

بيد أن الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب ما يزال رافضًا لنتيجة الانتخابات، مستندًا إلى مزاعم لا أساس لها، من أن التصويت شابه بعض التزوير، ويمضي قدمًا، في الوقت نفسه، في الطعون القانونية التي يرى معظم الخبراء أنها لن تُفضي إلى شيء. ورفضت إدارته البدء في إجراءات العملية الرسمية لانتقال السلطة، الأمر الذي يترك الباب مفتوحًا أمام احتمال حدوث فوضى إجرائية في الأسابيع القادمة. واتخذ المدعي العام الأمريكي وليام بي بار خطوة غير معتادة بتفويض المدعين الفيدراليين بالتحقيق في مخالفات الاقتراع قبل اكتمال فرز الأصوات. وهو ما دفع مدير قسم الجرائم الانتخابية بوزارة العدل الأمريكية إلى تقديم استقالته معترضًا على هذا الإجراء لأنه بمثابة خطوة سياسية صريحة.

ولفت الكاتب إلى أن المنتمين إلى جناح اليمين في الولايات المتحدة نشروا على مواقع التواصل الاجتماعي كثيرًا من المعلومات المضللة التي تقول إن نتيجة الانتخابات غير قانونية وشهدت عمليات تزوير وسرقة لأصوات الناخبين. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل انتقل إلى أروقة السلطة كذلك، إذ يبدو كبار أعضاء الحزب الجمهوري متماهين ومتفقين تمامًا مع ترامب. إذ قال ميتش ماكونيل – نائب جمهوري من ولاية كنتاكي – زعيم أغلبية الجمهوريين في مجلس الشيوخ: «للرئيس ترامب الحق بنسبة 100% في التحقيق في مزاعم المخالفات وتقييم خياراته القانونية. لا سيما أن الدستور الأمريكي لا يمنح المؤسسات الإعلامية الثرية أي دور في عملية التصويت هذه».

ديماجوجية الجمهوريين

وأشار الكاتب إلى أن بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي من الجمهوريين الذين ادَّعوا أنهم سينتصرون في هذه الانتخابات استنادًا إلى توقعات بعض وسائل الإعلام، يُفضلون حاليًا الاستخفاف بإعلان فوز بايدن في وسائل الإعلام ذاتها وما نشرته عن مصير السباق الرئاسي. إذ قال وزير الخارجية مايك بومبيو، في إفادة إعلامية أدلى بها يوم الثلاثاء، «سيكون هناك انتقال سلس لولاية ثانية لترامب».

وسرًّا وبمنأى عن الأنظار، يقول بعض الجمهوريين إنهم يتابعون الاقتراحات المطروحة لمسايرة ترامب فحسب. وتحدث مسؤول جمهوري بارز، شريطة عدم الكشف عن هويته إلى زملائي قائلًا: «ما مخاطر مجاراة ترامب لبرهة من الوقت؟ لا يعتقد أي شخص أن نتائج الانتخابات ستتغير حقًّا. لقد ذهب ترامب للعب الجولف في بداية هذا الأسبوع. ولا يبدو الأمر وكأنه يُخطط للطريقة التي سيمنع بها جو بايدن من تولي السلطة في 20 يناير (كانون الثاني). إنه يغرد على «تويتر» حول إقامة الدعاوى القضائية، ولن تنجح هذه الدعاوى القضائية في فعل شيء، وبعد ذلك، سيكثر من تغريداته حول كيفية تزوير الانتخابات، ثم يُغادر في نهاية المطاف».

وذكر الكاتب أن أيًّا من أفعال ترامب الحالية لا تشي، بالطبع، بوجود أي نية لديه للرحيل عن البيت الأبيض. وأعطت التطورات التي حدثت خلال اليومين الماضيين بعض معارضي ترامب انطباعًا بأن هناك نوعًا من الاستيلاء على السلطة يُنفَّذ ببطء. إذ أقالَ ترامب وزير الدفاع الأمريكي، مارك تي إسبر، الذي عارضه عندما طلب منه نشر قوات الخدمة الفعلية ضد المحتجين في وقت سابق من هذا العام. وقد يُعيَّن بدلًا منه أنتوني تاتا، وهو جنرال عسكري متقاعد وصاحب سجل حافل من الخطابات المتطرفة، والتي من بينها تعصبه ضد المسلمين ونشر الإسلاموفوبيا، في إحدى المناصب الرفيعة في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) جزءًا من حملة شاملة للتخلص من كبار الموظفين المدنيين في المؤسسة.

ترامب لا يبالي بنتيجة الانتخابات

وأضاف الكاتب قائلًا: إلى جانب ذلك، أصدر البيت الأبيض، غير مبالٍ بنتيجة الانتخابات، تعليماته إلى المؤسسات ذات الصلة بمواصلة العمل على إعداد مقترح ميزانية الإدارة الأمريكية الحالية للسنة المالية القادمة، وتُفيد التقارير بأن البيت الأبيض يدرس أسماء الأشخاص المعينين في الشؤون السياسية لولاية ترامب الثانية.

وألمح الكاتب إلى السيناريو الذي توقعه المحللون، منذ عدة أشهر، من عدم تقبل ترامب للهزيمة الانتخابية. وبعد أن ثبت أن هؤلاء المحللين كانوا على حق الآن، تظل هناك تساؤلات تدور حول ما الذي يُمكن أن يذهب إليه ترامب بمعارضته وعدم قبوله للهزيمة. ويقول بعض المعلِّقين إن النظام الأمريكي احتوى إلى حد كبير أسوأ دوافع ترامب.

الحروب التجارية خطة الإنقاذ - آلية سناباك

إذ تحدث فيديريكو فينشلشتاين، الأستاذ المتخصص في تاريخ الفاشية والشعبوية في جامعة ذا نيو سكول في مدينة نيويورك، لمدونة «تودايز وورلد فيو» التابعة لصحيفة «واشنطن بوست» قائلًا: «إن ترامب مثل الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، لا يحب الديمقراطية، ومعجب أكثر بالديكتاتوريين والمستبدين، لكن حتى الآن، وعلى الرغم من تقليل ترامب من مكانة الديمقراطية الأمريكية في جوانب شتى، تمكنت المؤسسات الأمريكية ووسائل الإعلام والمواطنون من تشكيل حواجز تقف أمام رغبته في السماح بانتشار خطر الفاشية في الولايات المتحدة».

وصحيحٌ أن ترامب شق طريقه، من خلال الإجراءات التنفيذية، في عدد من القضايا الأساسية، ومن بينها تعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا، وتبني سياسة متشددة لفرض قيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة والحد منها. لكنه بدا عاجزًا عن فعل شيء في جبهات أخرى. وكتب صمويل موين، أستاذ القانون والتاريخ في جامعة ييل، مقالًا أبرز فيه أن «الأمر الذي جذب انتباه الرأي بصورة أكبر كان هو مدى هشاشة إدارة ترامب للأمور ورئاسته المهلهلة للبيت الأبيض، ومدى سهولة عرقلته وتوقيفه. لكن الأمر الذي استحق بحق لفت الانتباه، بدلًا من ذلك، هو قدرة ترامب الخيالية على السيطرة على الولايات المتحدة، وإن لم يستطع أن يُحقق ذلك على الصعيد المؤسسي».

الحكم الشخصي والهوس بالاستبداد

وأضاف موين قائلًا: «إن عديدًا من الخدع الاستبدادية التي استخدمها ترامب كانت عبارة عن إجراءات ميؤوس منها يقوم بها رجل يتوقع أن يكون الأكثر نفوذًا وقوة في العالم لكنه تحوَّل إلى شخص لا يمكنه، إلا قليلًا، الاعتماد على تلقي المساعدة من أحد في تحقيق مخططاته الشاذة حتى من أتباعه وموظفيه».

وحتى هذه اللحظة ما زال الخبراء يشيرون إلى الآثار المزعجة لأسلوب ترامب السياسي؛ إذ كتبت روث بن جيت، أستاذة التاريخ جامعة نيويورك، قائلةً: «في حين أن ترامب لم يمكث في السلطة طويلًا لتفكيك الديمقراطية الأمريكية، فقد نجح في تثبيت شكل من أشكال الحكم الشخصي الذي يتميز به رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، وآخرين من الحكام المستبدين الذين يُعجِبون ترامب كثيرًا. ويُركِّز الحكم الشخصي مقاليد الحكم والسلطة في يد شخص واحد، والذي تسبق مصالحه السياسية والمالية (والعلاقات مع المستبدين الآخرين) أي مصلحة وطنية عند وضع السياسات الداخلية والخارجية».

عبادة شخصية ترامب

ويرى الكاتب أن الهوس بقوة شخصية ترامب ما زال يحظى بنفوذ كبير داخل القاعدة الشعبية للجمهوريين، وسيظل هذا الهوس باقيًا في مدة ولاية بايدن القادمة. وربما يشعل ترامب وأنصاره، حتى وهو خارج السلطة، فتيل أزمة شرعية هادرة، يُمكنها أن تُزعزع الحكم الرشيد في واشنطن. وكتبت نادية هيليارد، محاضرة في كلية لندن الجامعية: «على الرغم من أن السخرية الصادرة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أدَّت إلى تلاشي الإحساس بالمعارضة الموالية سبقت وصول ترامب إلى السلطة بعقود، فإن رئاسته للبيت الأبيض فرضت سؤالًا جذريًّا على الجميع: هل سأقبل بنتيجة الانتخابات إذا فاز بها خصمي»؟

واستشهد الكاتب في ختام تحليله بما أثارته شيلا كورونيل، وهي صحافية فلبينية معروفة، حول تجربة بلادها مع السقوط الديمقراطي، من إطاحة الديكتاتور فرديناند ماركوس إلى أساليب الرئيس الحالي، رودريجو دوتيرتي، الاستبدادية. إذ كتبت شيلا قائلة: «إن للترامبية جذورًا مختلفة كثيرًا عن نظيراتها في الفلبين. لكن الرؤساء ترامب وماركوس ودوتيرتي لديهم كثير من القواسم المشتركة: الوعود بالوصول إلى العظمة والتعدي على الحقائق، وبث الخوف ومحو ذاكرة الشعوب. وللرؤساء الثلاثة حتى الأنماط التجميلية نفسها: علو الصوت والتفخيم، وأنهم أصحاب هوية شديدة الذكورة، فضلًا عن أنهم يحبون التلويح من الشرفات وتملق الحشود. وهذا النوع من الرؤساء يزدهر في زمن انعدام الأمن وانتشار حالة عدم اليقين، كما أنهم يتغذون على عيوب الديمقراطية».








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي