ماجدة بوعزة
قبل أسبوع نشرت مواطنة فرنسية فيديو على قناتها في اليوتوب، تُحذِّر فيه الدولة الفرنسية من توجهاتها لخلق العداء بين الفرنسيين المسلمين والفرنسيين من ديانات أخرى، خصوصاً موجة الكراهية التي تُحاول أغلب المدارس الفرنسية زرعها بين التلاميذ في الأقسام التعليمية.
المتحدثة قالت في الفيديو الذي عرف انتشاراً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، إن "هدف مَن يحركون هذه الكراهية هو جعل الفرنسي المسيحي في حرب مع الفرنسي المسلم، مضيفة أن أعداء الفرنسيين ليسوا المسلمين، بل سياسة فرنسا فقط".
فيديو المواطِنة الفرنسية من ديانة مسيحية جاء بعد أسابيع قليلة من دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "التصدي للنزعة الإسلامية الراديكالية" في البلاد، الأمر الذي أجج الأوضاع، خصوصاً بعد مقتل المدرّس الذي أعاد عرض رسومات "شارلي إيبدو" المسيئة للنبي محمد، على يد طالب شيشاني.
الإسلاموفوبيا تتمدد
يُعد الإسلام هو ثاني دين بعد المسيحية انتشاراً في فرنسا، حسب الأرقام التي قدمها المعهد الوطني للدراسات الديموغرافية، كما أن 82% من مسلمي فرنسا هم من الجالية المغاربية، ويعيش أغلبهم حالياً في حالة من الخوف، بسبب نظرة المجتمع الفرنسي للإسلام، وأيضاً بعد تقديم الرئيس ماكرون مشروعَ قانونٍ يقول إنه يتضمن خمسة محاور لمكافحة "الانفصالية الإسلامية".
نورهان أُم فرنسية من أصول مغربية، اختارت الحديث باسم مستعار، خوفاً على سلامتها، فهي امرأة قدمت إلى فرنسا قبل 15 سنة، بعد حصولها على الإجازة في الأدب الفرنسي، واعتبرت أن الأوضاع في البلد الذي تعيش فيه تغيرت كثيراً "فعند وصولها لفرنسا كانت الحياة جميلة ومختلفة كثيراً عما هي عليه اليوم"، على حد تعبيرها.
نورهان تزوجت وأنجبت 4 أبناء، وقرَّرت ارتداء الحجاب، فتعقدت أمامها الحياة، وأصبحت تعيش في خوف دائم، خصوصاً بعد تحجب واحدة من بناتها أيضاً، وتعرّضها المستمر للمضايقات في الخارج، بعد هذه الموجة التي تقودها فرنسا ضد المسلمين.
فبحسب نورهان، فإن المجتمع الفرنسي تغيّر نحو الأسوأ منذ أحداث 11 سبتمبر، وليس فقط بعد التصريحات الأخيرة للرئيس ماكرون، فـ"نظرة المجتمع الفرنسي للمسلمين تغيّرت، وسادت نظرة الاستصغار تجاهنا، لنعيش اليوم في ظل دولة تحمل شعار حرية وعلمانية لا تشملنا كجزء من المجتمع الفرنسي".
وأضافت المتحدثة أن "إعلان دينك كمسلمة عبر الحجاب يعرِّضكِ للعديد من المشاكل في حياتك اليومية، من بينها صعوبة ولوج سوق العمل، وهو أمر عانيت منه شخصياً بعد ارتداء الحجاب، كما أنَّ تصريحات ماكرون وموقفه من الإسلام، إضافة إلى تطرُّف بعض الأشخاص ذوي الفكر الإرهابي الذي لا يمتُّ للإسلام بصلة، يؤدي إلى تجذُّر فكر الإسلاموفوبيا في هذا البلد، ونحن مَن ندفع ثمن هذا".
من جهته، قال إبراهيم المهالي، إمام مسجد "بيربينيان" وباحث في القضايا الإسلامية في فرنسا، في تصريح إن "المسلمين داخل فرنسا ليسوا كياناً مستقلاً عن المجتمع الفرنسي، وإن هذه الفكرة تُسوَّق من قِبَل المتطرفين فقط، إذ لا يوجد أيّ تعارُض بين التزام المسلم في فرنسا بدينه وبين إيمانه بقيم الجمهورية".
وفي معرض حديثه عن أوضاع المسلمين في فرنسا، اعتبر المهالي أنها "لا تختلف عن أوضاع باقي مواطني المجتمع الفرنسي، إلا فيما يتعلق بالخطاب الإعلامي، وسياسة الحكومة الفرنسية"، التي يجدها "نتيجة لتراكمات وتعبئة من قِبَل وسائل الإعلام الفرنسية المدعومة من طرف لوبيات ورجال أعمال لهم توجهات واضحة ضد الإسلام".
رعب في المدارس
الإسلاموفوبيا التي تسعى فرنسا لزرعها داخل المجتمع الفرنسي تسبَّبت في خلق الرعب وسط الأسر المسلمة التي تُرسل أبناءها إلى مدارس يَدرُس فيها تلاميذ من ديانات مختلفة، لكن أغلبهم من المسيحيين.
تقول نورهان إنَّ ابنتها مُنعت من دخول صفها الدراسي بالحجاب، وتضطر لخلعه على الباب، كما أنها حُرمت من التدريب في مؤسسة فرنسية بسبب الحجاب، الأمر الذي ينطبق على الآلاف من المسلمات المقيمات فوق الأراضي الفرنسية.
وتُضيف المتحدثة: "اليوم زاد خوفي على أبنائي أكثر، في ظِل تنامي أفكار الإسلاموفوبيا التي تتناقلها الأجيال الجديدة، ومنها الأطفال، فهم يتأثرون بما يسمعونه من نقاشات في بيوتهم، ومنهم اليوم من صار يلقب أصدقاءه المسلمين في المدرسة بالإرهابيين"، حسب تعبيرها.
وتعتبر نورهان أن "ما يزيد من مخاوفنا هو انتشار أحداث الاعتداءات الموثقة على وسائل التواصل الاجتماعي عبر فيديوهات ضد المسلمين، خاصة النساء اللواتي يرتدين الحجاب، باعتبارهن أكثر عرضة من غيرهن لهجمات المتطرفين، والمطالبين بتصفية فرنسا من المسلمين، وتطهيرها من الإسلام".
مقابل ذلك دافعت زريقة عدناني، الباحثة الفرنسية من أصول جزائرية في شؤون الدين الإسلامي عن الأساتذة الفرنسيين، وقالت في تصريح: "لا أعتقد أن هناك أساتذة في فرنسا يُحرِّضون ضد الإسلام والمسلمين، بل هناك أساتذة يعلمونهم مبادئ الحرية والعلمانية الفرنسية، وأن كل فكرة طرحت قابلة للنقد، والرد عليها يكون بواسطة فكرة أخرى وليس بالقتل".
وأضافت المتحدثة أن المجتمع الفرنسي اليوم يحتاج من الجميع نقداً ذاتياً، عِوض التراشق بالاتهامات بين مكوناته، معتبرة أن "التعايش ضمن مجتمع واحد متماسك يتطلب من كل الأطراف نقداً ذاتياً، وأن يصحح كل واحد ما يمكن أن يكون قد أخطأ فيه".
استهداف لمؤسسات إسلامية
أشارت جمعية مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا، في آخر تقرير لها، إلى زيادة مطردة في الأعمال المعادية للمسلمين في السنوات الأخيرة، خاصة بعد هجمات باريس الإرهابية، في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015، وقد وصل عدد هذه الهجمات إلى "ما يقرب من 800 هجمة في عام 2019″، وذلك بزيادة قدرها 77% في غضون عامين.
الإمام المهالي، باحث في القضايا الإسلامية في فرنسا، فسَّر هذه الأرقام في حديثه بكون "المتحكمين في القرار بعد الأحداث الإرهابية المتتالية بفرنسا، وأيضاً الرئيس الفرنسي الحالي ماكرون، يغطون فشلهم في تلبية مطالب الشارع الفرنسي، وذلك عبر خلق حرب ضد الإسلام، لخّصها في قانون لمحاربة "الانفصالية"، وهو في مجمله خطة لسرقة ناخبي اليمين المتطرّف".
واعتبر الباحث في القضايا الإسلامية أن "الجالية المسلمة في فرنسا في خضمّ زوبعة صراع، ويُراد لها دفع ثمن فشل تدبير حكومي"، متحدثاً عن "تخوّف كبير لدى مُسيِّري المراكز الإسلامية التي تعرَّضت لمداهمات، بالإضافة إلى بيوت الأئمة، في إطار تحركات فرنسا لمكافحة الإرهاب".
وأشار المهالي إلى أن "المراكز الرسمية الإسلامية كلها تتبنى خطاباً مسالماً ومعتدلاً، لا علاقة له بالتطرف أو الإرهاب؛ بل تنبذه وتشجبه، كما أن المتطرفين لا علاقة لهم بالمراكز الإسلامية الرسمية والمساجد، بل تجدهم الدولة دائماً أشخاصاً ذوي ماض مرتبط بالمخدرات والتشرد".
ويضيف المتحدث أن "لفرنسا قانوناً وقضاء مستقلاً يحمي الجميع، لكن ما يعانيه المسلم هنا هو الضغط النفسي والإحساس الدائم بأنه متهم ومضطر لتبرير أفعال لا علاقة له بها".
اشتراك المسؤولية الذي عبَّر عنه الإمام المهالي، أكدته الباحثة زريقة، التي قالت إن "المسلمين الذين أتوا إلى فرنسا يعلمون أن هذه هي ثقافة فرنسا، ويعلمون أن اندماجهم هنا يستلزم تقبُّل الانفتاح، كما أن التهديد الحقيقي الذي يواجهه المسلمون في فرنسا هي المحاولة التي يقوم بها البعض لفصلهم عن المجتمع الفرنسي وقيم الحداثة".
واعتبرت المتحدثة أن "الإنسان لا يمكن أن يعيش في مجتمع ما وهو يفصل نفسه عن باقي مكوناته"، قائلة: "أرى أن هناك إرادة من بعض الإسلاميين هنا لإقناع المسلمين بالانفصال عن باقي مكونات المجتمع، وهذا لن يحقق اندماج هذه الفئة، وليس في صالحها".