أسماء عطا جاد الله ترصد ملامح من قصائدهن

الشاعرات السعوديات... من ضيق المألوف إلى رحابة التجريب

2020-08-01

القاهرة - رشا أحمد - مقاربة نقدية لعطاء المرأة السعودية في الشعر، وتحولاته ما بين الماضي والحاضر وما ينطوي عليه من هموم وملامح خاصة. تقدمها الباحثة أسماء عطا جاد الله في كتابها «الانفلات النصي - دراسة تفكيكية في القصيدة النسوية السعودية المعاصرة»، الصادر حديثاً عن دار أروقة للنشر بالقاهرة في نحو 300 صفحة من القطع الكبير.
ترى المؤلفة في الجزء النظري من الكتاب أن مفهوم «الانفلات النصي في الكتابة الشعرية» يتماس مع عملية أشمل تختص بانفتاح حواء على قضايا المجتمع وتفاعلها مع محيطها، كما يعكس بحثها عن كينونتها الخاصة، لافتة إلى أن هذا الانفلات «يأخذ أشكالاً مختلفة على المستويات الأدبية والنقدية والشعرية لتخرج المبدعة عن القواعد القديمة وتعتنق أنماطاً مغايرة نابعة من الذات المتحررة والمستقلة، بشكل يساهم في تغيير النظرة الدونية تجاهها باعتبارها كماً مهملاً لا مكان له خارج جدران المنزل».
والقصيدة النسوية السعودية، كما تضيف، تحاول دائماً هضم تراثها الأدبي، ومحاورته تمهيداً لتمثله عبر وعي جديد يخرجها من ضيق المألوف إلى رحابة التجريب، من رتابة القناعات المسبقة إلى قلق السؤال.
ويأتي فضاء التطبيق في الكتاب كاختبار لمجمل الأفكار النظرية، وذلك بالتركيز على مختارات من نصوص الشاعرات، فتستشهد على سبيل المثال بقصيدة «استباحات السكون» للشاعرة «فوزية العريض»، وترى أنها تعبر من خلالها عن معاناتها الروحية، وأشواقها إلى عالم يحنو فيه البشر على البشر، وكما تقول:
«كيف لي أن أعبر
وضباب الصمت إذ يملأ عيني
كيف أبقى مبصرة
عندما أصغي لأصدائي
وصمتي يعتريني»
وأيضاً تستشهد بما ذهب إليه د. سعد البازعي في كتابه «ثقافة الصحراء» من أن العملية الإبداعية في جوهرها لا تعرف التفرقة بين رجل وامرأة، والتاريخ لا ينحاز إلا للأكثر صدقاً وبهاءً وتجديداً بصرف النظر عن النوع أو الهوية.
ولا ينفصل مفهوم «النسوية» الذي تتخذه الباحثة عتبة للدرس النقدي عن تداعياته كمذهب نقدي جديد ظهر في ستينيات القرن العشرين قبل أن يتبلور كخطاب منظم في أوائل السبعينيات، مستهدفاً إثبات حضور المرأة والتعبير عن تجاربها وطاقاتها في الثقافات المختلفة؛ مؤكدة أن المرأة لعبت دوراً مهماً في إثراء الحركة الأدبية والشعرية في السعودية، وبدأ عطاؤها يساير مثيلاتها بالدول الأخرى، كما بدأ ينتشر لها خارج الحدود. وتشير هنا إلى أن «الكتابة الإبداعية أصبحت وجهة نظر تتكون من تفاعل الذات والذوات المحيطة بها، فهي ذات تحاول المواجهة لتحقيق التوازن النفسي من خلال فعل الكتابة»، وهو ما تجسده الشاعرة «هدى الدغفق»، حيث ترى الباحثة أن قصيدتها تجسد محنة الاغتراب في محاولة للتكيف مع الوجود، عبر مساحات من الهدوء والظل والسكينة، وكما تقول:
«أنهل رماد أحلامي
لا تألفني غرفتي الصغيرة
إلى أي غربة أرحل
يدي ذابلة»
وعن الشاعرة بديعة كشغري، ترى أنها تدلف إلى منطقة جديدة تماماً، حيث الولع والمغامرة والنبش في الماضي، مثلما تقول في قصيدة لها:
«أحمل جرحي من ألف عام
أفتش عنك في جنة الله والأرض
في كل مكان

في كل آن بلقيس باسم الحضارات
ألقاك هنا»
وبحسب الباحثة تجسد القصيدة سؤال الهوية النسوية عبر التاريخ، حيث تفتش الشاعرة عن أدلة ثابتة تؤدي بها إلى الجدة بلقيس التي أسست حضارة الماضي لتكمل دورها بالحياة.
ومن خلال النبش ورفع الأغطية السوداء عن أشواق المرأة المشروعة للخير والحق والجمال، تنطلق الكتابة الشعرية إلى آفاق جديدة كما هو الحال عند الشاعرة «لطيفة قاري»:
«حين أصوغ قصائد مثقلة بالرحيق
تضع سنابل روحي
ويجتاحني ظمأ ليس يُروى
فكيف أغادر دنيا أسكنها كالغريب
وكيف تغادرني حين أغفل عنها»
وتعتبر الباحثة الشاعرة «فوزية أبو خالد» نموذجاً فريداً من نوعه في الشعر السعودي، مشيرة إلى أنها اقتحمت الساحة الأدبية واعتنقت قصيدة النثر كجنس أدبي جديد ومخالف لكل ما كان سائداً... تقول في قصيدة لها:
«أركض الآن بين الصور
بين وكالات الأنباء الزرقاء
العسلية الخضراء
أتلمس وجه البلاد
أستحيل من خجلي
إلى شيء يشبه الانحناء
انحناء النخل بباب الوظيفة
أو بباب مدينة الرماد»
وتتحدث المؤلفة عن الفترة بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي أحدثت نقلة كبيرة عبر كوكبة من شعراء الحداثة، ترى أنهم أحدثوا تغيير كبيراً في شكل القصيدة السعودية. وظهور أسماء شعرية جديدة تستمد إلهامها من مصادر ومؤثرات مختلفة كالثبيتي، عبد الله الصيخان، ثريا العريض، لطيفة قاري، وغيرهم، مؤكدة أن الشاعرات السعوديات كسرن الأفق الضيق للمحلية، وانطلقن صوب العالمية، فترجمت بعض أعمالهن للغات أساسية كالفرنسية مثل هدى الدغفق التي تعتبر امتداداً لتجربتي فوزية أبو خالد، وأيضاً ثريا أبو عريض التي يلقبها د. غازي القصيبي بـ«زرقاء الظهران»، والتي ترجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية.
وترصد الباحثة أن التحول من الشعر العمودي التقليدي إلى قصيدة النثر مروراً بشعر «التفعيلة» يعد نموذجاً دالاً على التمرد الإبداعي لدى جيل جديد من الشاعرات السعوديات، جعلن النص الجديد قادراً على تمثل كل ما في الوجود من انفعالات متضاربة بالتوافق مع كسر القافية والإيقاع الذي يعوق حركة الشاعرة داخل النص دون خوف أو تقييد.
هذا الكتاب عموماً محاولة جادة ورصينة لتقديم أصوات مختلفة، حاولت مؤلفته رصد التحولات التي طرأت على المشهد الشعري النسوي السعودي، كانعكاس لثورة التحرر النسائية في المشهد العالمي، لكن الاستغراق في الطابع الأكاديمي جعل مصطلح «الانفلات» يبدو - أحياناً - أكثر التباساً للقارئ.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي