"إيران معروضة للبيع".. الصين تغري طهران بـ400 مليار دولار ضمن اتفاق سري والثمن باهظ لدرجة استفزت البرلمان

2020-07-12

اتفاق صيني إيراني سرّي جرت صياغته دون ضجيج، قد يكون في طريقه للتنفيذ، رغم اعتراضات إيرانية داخلية عليه، بسبب المقابل الباهظ الذي قد تتلقاه بكين من طهران لإنقاذها من أزمتها.

هذا الاتفاق يتضمّن شراكةً اقتصاديةً وأمنية شاملة، يمكن أن تمهّد الطريق أمام مليارات الدولارات من الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة والقطاعات الأخرى الإيرانية، ما يقوّض جهود إدارة ترامب لعزل الحكومة الإيرانية بسبب طموحاتها النووية والعسكرية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

اتفاق صيني إيراني سري يتضمّن مقايضة للنفط بثمن بخس مقابل التعاون العسكري

فُصِّلت هذه الشراكة في اتفاقية مقترحة مكونة من 18 صفحة، حصلت على نسخة منها صحيفة The New York Times، ويمكن لها أن توسّع بدرجة هائلة نطاق الوجود الصيني في الخدمات المصرفية والاتصالات والموانئ وسكك الحديد وعشرات من المشروعات الأخرى. وفي المقابل، سوف تحصل الصين على إمداد منتظم -بل ومخفض  بدرجة هائلة، بحسب مسؤول إيراني وأحد تجار النفط- من النفط الإيراني على مدى 25 عاماً.

تصف الوثيقة كذلك تعاوناً عسكرياً عميقاً، يُحتمل أن يمنح الصين موطئ قدم في منطقة لطالما شكّلت شاغلاً استراتيجياً للولايات المتحدة منذ عقود. وتدعو إلى إجراء تدريبات وأبحاث مشتركة وتطوير أسلحة ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، وجميعها بغرض خوض المعركة غير المتوازنة "ضد الإرهاب، وتهريب المخدرات والبشر، والجرائم العابرة للحدود".

حظيت الشراكة -التي اقتُرحت لأول مرة من جانب الزعيم الصيني شي جينبينغ خلال زيارة إلى إيران في 2016– بموافقة حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، في يونيو/حزيران، وذلك حسبما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الأسبوع الماضي.

وذكر مسؤولون إيرانيون علناً أن هناك اتفاقية معلّقة مع الصين. فيما أكد مسؤول إيراني، وكذلك عديد من الأشخاص الذين ناقشوا المسألة مع الحكومة الإيرانية، على أنها هي نفسها الوثيقة التي حصلت عليها صحيفة The New York Times، والتي أُطلق عليها "النسخة النهائية"، وأُرِّخت بتاريخ يعود إلى يونيو/حزيران 2020.

ضربة لأمريكا

ولم تُقدَّم الوثيقة بعدُ إلى البرلمان الإيراني للموافقة عليها، ولم يُعلن عنها، وهو ما يُثير تساؤلات حول مدى تأهب الحكومة الإيرانية لفتح الطريق للصين.

وفي بكين، لم يُفصح المسؤولون عن بنود الاتفاقية، ولم يتضح ما إذا كانت حكومة شي جينبينغ وقعت عليها أم لا، أو متى يمكن أن تعلن عنها إذا كانت قد وقعت بالفعل.

وإذا دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ وفقاً للتفاصيل المذكورة فيها، قد تخلق الشراكة بؤر توتر جديدة، ويحتمل أن تكون خطيرة في العلاقة المتدهورة أصلاً بين الصين والولايات المتحدة.

وتمثل ضربة كبيرة تتعرّض لها السياسة العدائية التي تنتهجها إدارة ترامب تجاه إيران، منذ الانسحاب من الاتفاقية النووية التي توصل إليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وقادة 6 دول بعد سنتين من المفاوضات المرهقة.

لكن يأس طهران دفعها إلى أحضان الصين، التي لديها التكنولوجيا والتعطش إلى النفط، وهما ما تحتاج إليهما إيران.

وفي وقت تترنح فيه الولايات المتحدة بسبب الركود الاقتصادي وفيروس كورونا، وانعزالها دولياً بدرجة كبيرة، تستشعر الصين ضعفاً أمريكياً. تُظهر مسودة الاتفاقية مع إيران أن الصين، على عكس أغلب البلاد، تشعر أنها في موقف يسمح لها بتحدي الولايات المتحدة، وأنها قوية بما يكفي للصمود أمام العقوبات الأمريكية، مثلما صمدت في الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي ترامب.

تذكر الوثيقة في جملتها الافتتاحية: "ثقافتان آسيويتين قديمتان، وشريكان في قطاعات التجارة والاقتصاد والسياسة والثقافة والأمن، ذوا رؤية مشابهة وعديد من المصالح المشتركة الثنائية ومتعددة الأطراف، سوف ينظر كل منهما إلى الآخر بوصفه شريكاً استراتيجياً".

400 مليار دولار استثمارات صينية

الاستثمارات الصينية، التي قال شخصان اطلعا على الاتفاق إنها قد تصل في المجمل إلى 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً، يمكن أن تؤدي مع ذلك إلى مزيد من الإجراءات العقابية ضد الشركات الصينية، التي استهدفتها الإدارة الأمريكية بالفعل في الأشهر الأخيرة.

كتب متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية رداً على تساؤلات حول مسودة الاتفاق: "سوف تواصل الولايات المتحدة فرض تكاليف على الشركات الصينية التي تساعد إيران، أكبر دولة ترعى الإرهاب في العالم.

وزيرا خارجية إيران والصين 

وأضاف: "من خلال السماح للشركات الصينية أو تشجيعها على تنفيذ أنشطة خاضعة للعقوبات مع النظام الإيراني، فإنَّ الحكومة الصينية تقوّض هدفها الذاتي المنصوص عليه والمتعلق بتعزيز الاستقرار والسلام".

عندما برزت التقارير حول اتفاقية استثمارية طويلة الأجل مع إيران، في سبتمبر/أيلول الماضي، استبعدت وزارة الخارجية الصينية المسألة. وعندما سُئلت عنها في الأسبوع الماضي، لم يغلق المتحدث باسم وزارة الخارجية تشاو ليجيان الباب أمام احتمالية وجود اتفاقية قيد التنفيذ.

وقال: "تتمتع الصين وإيران بصداقة تقليدية، وخاض الجانبان اتصالات حول تطوير العلاقات الثنائية. نقف على أهبة الاستعداد للعمل مع إيران لتعزيز التعاون العملي باستمرار".

وبكين قد تمضي قدماً في الاتفاق بعد نفاد صبرها مع ترامب

ويبدو أن المضي قدماً من جانب الصين نحو برنامج استثمارات شامل يعطي إشارة تدل على نفاد صبر بكين المتنامي من إدارة ترامب، بعد انسحابها من الاتفاقية النووية. وقد طلبت الصين مراراً من الإدارة الأمريكية البقاء طرفاً في الاتفاقية، التي كانت الصين نفسها طرفاً فيها، واستنكرت بشدة استخدام الولايات المتحدة العقوبات أحادية الأطراف.

نظرت إيران نظرة تقليدية غرباً تجاه أوروبا، سعياً للحصول على شركاء في الاستثمار والتجارة. بيد أن شدة الإحباط زادت لديها من البلاد الأوروبية التي عارضت سياسة ترامب، لكنها في الوقت ذاته انسحبت في صمت من الاتفاقات التي تعهّدت بها الاتفاقية النووية من قبل.

وقال علي غولي زاده، وهو باحث إيراني في مجال الطاقة لدى جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية في بكين: "تنظر كل من إيران والصين إلى هذا الاتفاق بوصفه شراكة استراتيجية ليس فقط في توسيع نطاق مصالحهما، بل وكذلك في مواجهة الولايات المتحدة. إنه الأول من نوعه لإيران، الحريصة على أن يكون لديها حليف من القوى العالمية".

ولكنّ هناك استياء إيرانياً داخلياً من الاتفاق

ومع ذلك، أثارت الشراكة المقترحة جدلاً حاداً في إيران. فقد واجه وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، الذي سافر إلى بكين في أكتوبر/تشرين الأول الماضي للتفاوض على الاتفاقية، استجواباً عدائياً حولها داخل البرلمان في الأسبوع الماضي.

قال ظريف إن الاتفاقية سوف تُقدَّم إلى البرلمان للحصول على الموافقة النهائية. وقال مسؤولان إيرانيان إنها تحظى بدعم المرشد الأعلى في إيران آية الله على خامنئي.

ظهر علي آقا محمدي، كبير المستشارين الاقتصاديين لخامنئي، على التلفزيون الحكومي مؤخراً لمناقشة الحاجة إلى شريان حياة اقتصادي. وقال إن إيران في حاجة إلى زيادة إنتاج النفط إلى ما لا يقل عن 8.5 مليون برميل يومياً من أجل البقاء طرفاً رئيسياً في سوق الطاقة، ومن أجل هذا هي في حاجة إلى الصين.

وقال فريدون مجليسي، وهو دبلوماسي سابق بالنظام الإيراني، وكاتب مقالات حول الموضوعات الدبلوماسية في عديد من الصحف الإيرانية: "جميع الطرق مغلقة أمام إيران. الطريق الوحيد المفتوح هو الصين. وأيُّما تكون تعد هذه الاتفاقية أفضل الخيارات إلى أن تُرفع العقوبات".

لكن النقاد من مختلف الأطياف السياسية في إيران أثاروا مخاوف من أن الحكومة "تبيع" البلاد سراً إلى الصين في لحظة ضعف اقتصادي وعزلة دولية. وفي خطاب للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في أواخر يونيو/حزيران، وصفه بأنه اتفاق سري مشبوه لم يكن الشعب الإيراني ليوافق عليه أبداً.

وهم يستذكرون مع فعلته في إفريقيا، وتشييدها لموانئ يمكن تحويلها لمرافق عسكرية

وذكر النقاد مشروعات استثمارية صينية جعلت بلاداً في إفريقيا وآسيا في نهاية المطاف مدينةً للسلطات في بكين. فضلاً عن أن مرافق الموانئ المقترحة في إيران شكلت شاغلاً خاصاً، بما فيها زوج من الموانئ على طول خليج عمان.

أحد هذين الميناءين في بندر جاسك، بالقرب من مضيق هرمز المؤدي إلى الخليج العربي، يمكن أن يمنح الصين ميزة استراتيجية في المياه التي يمر من خلالها غالبية نفط العالم. يحمل الممر أهمية استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة، التي يتمركز أسطولها البحري الخامس في دولة البحرين.

شيدت الصين بالفعل سلسلة من الموانئ على طول سواحل المحيط الهندي، لتشكل ما يشبه قلادةً من محطات التزود بالوقود وإعادة الإمداد بدءاً من بحر الصين الجنوبي وصولاً إلى قناة السويس في مصر. إذ إن هذه الموانئ، ذات الطبيعة التجارية ظاهرياً، تملك قيمة عسكرية كذلك، ما يسمح بتوسيع نطاق وصول البحرية الصينية الآخذة في النمو السريع.

صعّدت الصين كذلك من تعاونها العسكري مع إيران. وشاركت بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني في تدريبات عسكرية ثلاث مرات على الأقل، بدءاً من 2014. كانت آخر هذه المشاركات في ديسمبر/كانون الأول الماضي، عندما انضمت مدمرة الصواريخ الصينية شينينغ إلى التدريبات العسكرية مع البحرية الروسية والبحرية الإيرانية في خليج عمان.

وقد نقلت وكالة الأنباء الرسمية الصينية شينخوا عن قائد بحرية الجيش الإيراني، حسين خانزادي، قوله إن التدريب أظهر "نهاية عهد الغزوات الأمريكية في المنطقة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي