كشفت منظمة هيومن رايتس ووتش، الأربعاء 10يونيو2020، عن إفادات حول تفشي فيروس كورونا في ثلاثة سجون إماراتية.
وقالت المنظمة إنه ينبغي لسلطات السجون في الإمارات اتخاذ إجراءات طارئة لحماية الصحة العقلية والبدنية للسجناء، بعد بلاغات عن انتشار فيروس كورونا في ثلاثة مراكز احتجاز.
ونقلت عن أقارب سجناء في سجن الوثبة قرب أبو ظبي، وفي سجن العوير ومركز احتجاز البرشاء الجديد في دبي، قولهم إن “السجناء في هذه المراكز ظهرت عليهم أعراض الإصابة بكورونا أو ثبتت إصابتهم”. مشيرين إلى أن “السجناء، الذين لدى بعضهم أمراض مزمنة، حُرموا من الرعاية الطبية المناسبة، وإن الاكتظاظ والظروف غير الصحية تجعل التباعد الاجتماعي وممارسات النظافة الموصى بها صعبة للغاية، وإن السلطات لا تقدم معلومات إلى السجناء وعائلاتهم حول التفشي المحتمل أو الإجراءات الاحترازية”.
وقال مايكل بيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، إن “الاكتظاظ، وانعدام الظروف الصحية، والحرمان الكبير من الرعاية الطبية الملائمة في السجون ليست أمورا جديدة في مراكز الاحتجاز الإماراتية سيئة السمعة، لكن الوباء المستمر يمثل تهديدا إضافيا خطيرا للسجناء”. مضيفا أن “أفضل طريقة أمام السلطات الإماراتية لتهدئة مخاوف أُسر السجناء هي السماح بالتفتيش من قبل مراقبين دوليين مستقلين”.
وأوضحت المنظمة أن العديد من أفراد عائلات السجناء قالوا إنهم لم يتمكنوا من التواصل مع أقاربهم المسجونين لأسابيع. لافتة إلى أنها راسلت وزير الداخلية الإماراتي في 7 يونيو/ حزيران 2020، لكنها لم تتلقَ أي رد.
وقالت المنظمة الحقوقية إنها تحدثت إلى أفراد عائلات سبعة سجناء في الوثبة. منذ منتصف أبريل/نيسان، حيث قال ستة سجناء في عنبرَين على الأقل إن لديهم أعراض الإصابة بكورونا. وقال أحد الأقارب: “اتصل بنا في 25 مايو. قال إنه كان يرقد في السرير ليومين دون أن يتمكن من الحركة. قال إنه لا يستطيع حتى أن يتناول القرآن بجانبه، وإنه يشعر بانسداد في صدره، وكذلك بالحمى والتعب”. وأكد: “لا أستطيع تحريك جسدي، لا أستطيع النوم”.
وتابعت “رايتس ووتش” في تقريرها، أن أقارب السجناء قالوا إن سلطات السجن بدأت عند تفشي الفيروس الذي أفيد عنه بنقل الذين ظهرت عليهم أعراض إلى مواقع أخرى مجهولة، وأبقت النزلاء الذين لم يُنقلوا دون اختبار أو رعاية طبية لأسابيع. وقال أحد الأقارب في 3 يونيو/حزيران: “قال أخي إنهم سمعوا شائعات عن تفشي الفيروس منذ البداية قبل شهر تقريبا. لا أحد يعرف أين أخذوا الذين ظهرت عليهم الأعراض. فقط يعزلونهم عن الآخرين. لم يكن أحد ممن لم يُنقلوا يتلقى أدوية لتسكين الألم، ولا يأتي أطباء لرؤيتهم، وليس لديهم كمامات، ولا قفازات، ولا تعقيم. الزنازين مكتظة كما كانت من قبل. بدأوا بفحصهم منذ حوالي أسبوع فقط”.
وقال أقارب آخرون أيضا إن “سلطات السجون الإماراتية لم تتخذ الإجراءات المناسبة لمنع انتشار الفيروس، مثل توفير كميات أكبر من الصابون ومعقم اليدين أو توزيع القفازات والكمامات على المحتجزين. وقالت العائلات إنه منذ تفشي الفيروس، شملت الإجراءات الاحترازية حراس السجن والعاملين الذين أوقفوا كل اتصال جسدي بالسجناء، ولم يعد السجناء يتمكنون من مغادرة عنابرهم كما في السابق، لشراء الطعام أو الضروريات الأساسية. قال قريب سجين آخر: “لديهم عمال وافدون يأتون لإعطائهم الطعام الآن لكن دون دخول الزنازين، فقط عند الباب”.
وأفاد أقارب سجينَيْن على الأقل نُقلا إلى خارج زنزانتيهما بعد إجراء الاختبار، إنه لم يكن لديهما أي اتصال بقريبيهما المسجونين منذ نقلهما، ولم يعرفوا بإصابتهما المحتملة سوى من معلومات من سجناء آخرين. وقال قريب سجين نُقل إلى عنبر آخر في 28 مايو/أيار: “كل ما أريده هو نقل أخي إلى المستشفى وأن يتلقى العلاج”.
وتضيف “رايتس ووتش” أنه في 3 يونيو/حزيران، أخبر سجين في الوثبة عائلته أن الفحص الذي أجري له كان إيجابيا لكن لم يُنقل من زنزانته. قبل عدة أيام، أخبرهم أن لديه ألما شديدا في مفاصله وعظامه، ولا يستطيع النوم أو الأكل، ولم يتلقَ رعاية طبية أو مسكنات للألم. قال قريبه: “قال إنهم ربما أصيبوا جميعا الآن”.
وفي مركز احتجاز البرشاء، حيث تحتجز سلطات دبي أشخاصا رهن المحاكمة، قال أفراد أسرة أحد السجناء إن مجموعة من المحتجزين الجدد وصلوا في أواخر أبريل/ نيسان إلى عنبره المكتظ أصلا، حيث كان المحتجزون نائمين على الأرض بسبب نقص الأسرّة. بدأت أعراض الإصابة بفيروس كورونا تظهر على بعض الوافدين الجدد.
وقال أفراد الأسرة إن ظروف الاعتقال تدهورت بعد ذلك، مع عجز السجناء عن مغادرة عنابرهم أو شراء الطعام أو المستلزمات من متجر السجن. بعد إجراء الاختبارات كل بضعة أيام للجميع في العنبر، كان حراس السجن ينادون بأسماء السجناء ويأخذونهم دون تفسير. يعتقد السجناء أن أولئك الذين أُخِذوا ثبتت إصابتهم بالفيروس.
وأوضح أفراد العائلة إنه في نهاية المطاف، في مطلع مايو/أيار، نُقل قريبهم وكل من تبقى في عنبره إلى سجن العوير المركزي، حيث فرضت عليهم سلطات السجن الحجر الصحي لمدة 17 يوما في ظروف تشبه الحبس الانفرادي. وقال شقيقه الذي يعيش خارج الإمارات: “لم يكن لديهم أي اتصال مع العالم الخارجي، ولم يكن لدينا أي معلومات عن مكانه أو إذا كان بخير. اتصلت بالسجن مرارا. لم يخبروني بأي شيء. طلبت من محاميّ التقصي، وطلبت من صديق الذهاب إلى السجن والاستفسار، وأخبروه أخيرا أن أخي على قيد الحياة. أخبرني أخي لاحقا أن تلك الأيام الـ17 التي قضاها في الانفرادي كانت أسوأ من كل الوقت الذي قضاه في الاحتجاز ثلاثة أشهر قبل ذلك”.
ونقلت هيومن رايتس ووتش عن مصادر مؤخرا، أنه منذ منتصف مارس/ آذار، منعت السلطات في سجن العوير السجناء حاملي فيروس نقص المناعة البشرية من الوصول إلى مستشفى راشد، المسؤول عن رعايتهم، من أجل احتواء انتشار فيروس كورونا حسبما قالوا. وأفادت في السابق عن حرمان هؤلاء السجناء بشكل منتظم من أدوية فيروس نقص المناعة البشرية.
وفي 18 مايو/ أيار، ناشدت 47 مجموعة دولية للصحة العامة السلطات الإماراتية بالإفراج عن السجناء حاملي فيروس نقص المناعة البشرية المعرضين لفيروس كورونا “لأنه يبدو أنه لا يمكن توفير الحماية الكافية لصحتهم أثناء بقائهم في الاحتجاز”.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا إلى محتجز سابق غادر الإمارات في مارس/ آذار، وأقارب محتجزَين في سجن الصدر بأبو ظبي، الذين أفادوا عن اكتظاظه وظروفه غير الصحية. قال أحدهم: “أخبرني قريبي أنه قذر. هناك صراصير في كل مكان. لا توجد بطانيات أو وسائد. المكان مكتظ جدا، يحتجزونهم مثل الماشية. ولا يوجد ضوء شمس”.
وقال أحد أقارب سجين في 29 مايو/ أيار إن قريبه المحتجز أخبرهم بتفشي فيروس كورونا في عنبر آخر، حيث نُقل سبعة سجناء ثبتت إصابتهم إلى مستشفى، وحُجِر آخرون في زنازين انفرادية. وقال قريبه: “إنه خائف للغاية من دخول تلك الحفرة المظلمة. لديه مرض في القلب أيضا”. وأفادت هيومن رايتس ووتش أنها لم تستطع تأكيد تفشي الفيروس من مصادر أخرى.
ويستمر عدد حالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا اليومية في الارتفاع في الإمارات، حيث سُجّلت 994 حالة في 22 مايو/أيار، وهو أعلى رقم مسجّل في يوم واحد، ووصل إجمالي الحالات المؤكدة إلى 39,376 حالة حتى 9 يونيو/ حزيران.
وفي أواخر أبريل/نيسان، أفرجت السلطات الإماراتية عن أكثر من 4 آلاف محتجز، غالبيتهم كجزء من العفو التقليدي بمناسبة شهر رمضان. ولم يُبدد العفو مخاوف العائلات فيما يتعلق بالاكتظاظ والظروف غير الصحية، كما أنه لم يُفرَج عن أي شخص محتجز ظلما بناء على معارضته السلمية، بمن فيهم الحقوقي البارز أحمد منصور في سجن الصدر، والأكاديمي ناصر بن غيث في سجن الرزين، وكلاهما وضعه الصحي متدهور بسبب ظروف الاحتجاز السيئة والحرمان من الرعاية الصحية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لجميع سجون الإمارات تمكين السجناء من تطبيق التباعد الاجتماعي بحسب التوجيهات المحددة لعامة السكان، دون اللجوء إلى الظروف العقابية التي تشبه الحبس الانفرادي. مضيفة أنه ينبغي للمسؤولين الحكوميين أيضا ضمان حصول كل محتجز على الرعاية الطبية الملائمة.
ودعت المنظمة السلطات الإماراتية تخفيض عدد نزلاء السجون بشكل أكبر للسماح بالتباعد الاجتماعي وضمان حصول كل شخص في السجن على المعلومات الحيوية والتواصل الآمن مع الأسرة والمحامين، مشيرة إلى أن على السلطات وضع بروتوكولات ملائمة للنظافة الشخصية والتنظيف، وتوفير التدريب واللوازم مثل الكمامات، والمطهرات، والقفازات للحد من خطر العدوى. والسماح فورا للمراقبين الدوليين المستقلين بدخول البلاد ومراقبة السجون ومراكز الاحتجاز بانتظام.
وقال بيج: “ينبغي أن تكون السلطات الإماراتية صريحة بشأن ما يجري وأن تتحرك بسرعة لتجنب انتشار الفيروس على نطاق أوسع، ما قد يعرّض حياة السجناء لخطر شديد”.