رواية "ملك الهند" لجبّور الدويهي.. حكاية عادية ولغة متواضعة

2020-02-25

 موسى إبراهيم أبو رياش*

■ تتلخص رواية «ملك الهند» للروائي اللبناني جبّور الدويهي بعودة زكريا المبارك إلى ضيعة تل صبرا، شرق بيروت، بعد هجرة اختيارية إلى أوروبا وأمريكا وافريقيا. وبعد فترة من عودته يُعثر عليه ميتًا برصاصة في كرم المحمودية. ومن خلال محاولة معرفة الحقيقة ينتقل بنا الكاتب عبر الراوي العليم في محطات كثيرة، تؤثث للحدث وتمهد له، وتعود بالقارئ إلى عام 1860 وحوادث القتل المتبادل بين الدروز والموارنة في تل صبرا، وهجرة بعض شخوص الرواية إلى أمريكا وأوروبا، وقصة فيلومينا ـ جدة زكريا – التي عادت من أمريكا بالمال والذهب، وبنت بيتًا واشترت كرم المحمودية من مالكه الدرزي، وقصة زكريا ومغامراته النسائية، خاصة مع ماتيلد وجاين، وكيف أنه كان يهجر نساءه بعد أن يملَّ منهن، إلا جاين فقد هجرته، وكان من عادته أن يأخذ من كل امرأة تذكارًا مهما كان بسيطًا، إلا من ماتيلد فقد أخذ منها لوحة «عازف الكمان الأزرق» للفنان الفرنسي روسي الأصل «مارك شاغال».

لا شك أن الدويهي روائي كبير، وصاحب نتاج أدبي معتبر، إلا أن هذا لا يعني أن كل ما يكتب على سوية واحدة، فلكل عمل ظروفه وقيمته ومستواه الإبداعي الذي يُتفق عليه ويُختلف، وهذه طبيعة كل عمل إبداعي بشكل عام.

العنوان، كما هو متعارف عليه، عتبة النص الأهم، ويفترض أن تكون له علاقة وثيقة بالنص؛ صريحة أو ضمنية، يقود القارئ، أو يصل إليه القارئ، عبر ما يثيره من تساؤلات، وما يحدثه من إثارة وتشويق تدفع للقراءة. أما أن تكون مجرد كلمات في الهواء، فلا معنى لذلك، وهذا ما وقع فيه الدويهي في عنوان روايته «ملك الهند»، فقد ورد هذا العنوان كلقب أطلقه والد جاين على زكريا المبارك، كما جاء في رسالة جاين عندما هجرته قبل أن يهجرها، ولا يوجد في سياق الأحداث ما يبرر هذا اللقب، ما يجعل من العنوان لعبة عبثية تقود إلى فوضى العناوين وعدم دلالتها، لتكون أشبه بنباتات هوائية بلا جذور. وإن كان ثمة سوابق للبعض، فهذا لا يعطيها شرعية إبداعية.

في سبيل حل لغز مقتل زكريا، لجأ الدويهي إلى حبكة بوليسية باهتة، فقد أوقع القارئ في مجموعة احتمالات بقيت مفتوحة حتى النهاية، وهي أنه قتل: على يد أولاد عمه لاستعادة إرثهم المغتصب، أو لأسباب طائفية على يد الدروز للثأر أو العقاب، أو من جماعة «الأبرص» بسبب اللوحة ذات القيمة المرتفعة كما يظنون، وربما انتحر، وكلها احتمالات قادنا إليها الكاتب عبر الاسترجاعات والمذكرات، والتحقيقات التي قام بها قاضي التحقيق كمال أبو خالد، وانتهت القضية بتلفيق تقرير الانتحار، على الرغم من الأدلة التي تنفي ذلك.

 

مع أن رواية «ملك الهند»، تحكي قصة زكريا المبارك وما سبقها من تداعيات طائفية وإرثية ونسائية، إلأ أنها رواية تحذيرية تدق ناقــــوس الخطرــ؛ تحكــــي قصة وطن، قصة لبنان، وما يعانيه من تشــظٍ وصراع داخلي يشتعل ويخمد، ولكنه لا يزول

السرد الروائي جيد وسلس، إلا أن اللغة جاءت متواضعة عادية، لم ترتق إلى اللغة الروائية المنشودة، وخلت من الإثارة الحقيقية، التي بدت متكلفة بدون روح، وحكاية الرواية مألوفة في المجتمعات الطائفية، وكان بإلإمكان توظيف هذه الحكاية في عمل إبداعي متميز، يحيل العادي إلى غير عادي، والحكاية إلى ملحمة. كما أن الرواية عابها بعض الحشو والزوائد بدون مبرر، ومثال ذلك ما ذكره من تفاصيل حياة كمال أبو خالد، التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تضيف شيئًا، ولا علاقة لها بحكاية زكريا، وأيضًا تفصيلات علاقة وحياة زكريا مع جاين امرأته الأخيرة، فقد أفرد لها مساحة كبيرة، في حين اختصر جميع الحكايات الأخرى، ما خلق خللًا في بنية النص، خاصة أن هذه التفصيلات لا يُبنى عليها شيء، ولا تؤسس أو تقود إلى أي شيء!

رواية «ملك الهند» التي تأهلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2020، حفلت بكثير من الرموز والإيحاءات، التي لها دلالات بعيدة وعميقة، ومن ذلك: كرم المحمودية وخرابه ولعنته، الذهب المطمور تحت أساسات بيت فيلومينا، اللوحة، العمة مرتا المختلة عقليًا، الأبرص، دفتر مذكرات أميلي والدة زكريا، مقتل ماري ابنة زكريا ذات الست سنوات وعودته برمادها. كما أشارت الرواية إلى بعض التناقضات الواخزة مثل قوله: «رجحت لديه في النهاية فكرة أن يرقد هنا بين أقاربه وأهل بلدته، حيث يطل على بحر صغير لكنه عريق، ينام في جوار الذين قُتلوا ودُفنوا إلى جانب من قُتلوا ثأرًا لهم»، ومثال آخر، حيث يقوم مسيو لاغرانج في نيويورك بتجارة الذخائر الشرقية الوهمية، مثل: التراب المقدس، وعود الصليب، والصلبان، ونسخ الإنجيل بالعربية، وهو الذي لا يؤمن بالصلاة والدعاء، وطلب من فيلومينا أن تكف عندما همت بذلك في أثناء مرض موته.

وبعد، مع أن رواية «ملك الهند، دار الساقي، 225 صفحة»، تحكي قصة زكريا المبارك وما سبقها من تداعيات طائفية وإرثية ونسائية، إلأ أنها رواية تحذيرية تدق ناقــــوس الخطرــ؛ تحكــــي قصة وطن، قصة لبنان، وما يعانيه من تشــظٍ وصراع داخلي يشتعل ويخمد، ولكنه لا يزول، وما نهاية زكريا إلا الخاتمة المجهولة التي تترصد كل مواطن، وربما تترصد الوطن في النهاية، ما لم يتغير الواقع، ويجتث الفساد، وتنظف القلوب من الأحقاد، وإلا فيا لبؤس المواطن والوطن، إن قُتل وتفرق دمه بين القبائل.

 

٭ كاتب أردني







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي