المكتبات الخاصة ليست فقط محلات لبيع الكتب

2019-12-31

العالم مكتبة والمكتبة عالمالقاهرة- “العالم مكتبة والمكتبة عالم”، جملة طوباوية من كلمتين تجعل كل منهما مرادفة للأخرى، وتدفعك من الغلاف الذي تتصدره إلى متن الكتاب الذي يبدأ بالتأكيد على أن “كل مكتبة لبيع الكتب نسخة مكثفة من العالم. إن ما يربط بلدك ولغته بالمناطق الأخرى التي تتكلم لغات مختلفة، ليس خطوط الطيران والرحلات، وإنما الممرات الممتدة بين الكتب”.

هكذا ينظر الإسباني خورخي كاريون إلى المكتبة باعتبارها خارطة بداخلها جو متميز من الحرية، يتباطأ فيها الزمن، وتصبح السياحة نوعا مختلفا من القراءة. ويوسع كاريون عالم بيع الكتب ليصبح مجالا عالميا شديد الارتباط. يبدأ تناوله من المنطقة المحلية لكل مؤسسة، ثم ينتقل من المحلي إلى الأبعد: الكون.

ومن ثم فإن قصته تعتمد على الإقليمية وتختار قراءة شبه موضعية للمكتبة التي يمكن من خلالها طرح أسئلة مثل: كيف تتداخل هذه المساحات في البناء التاريخي للثقافة؟ ما هو الدور الذي تلعبه في المجتمع الجماليات أو عادات القراءة؟ هل يمكن أن تشكل بعض الاختلافات في الاستهلاك واكتساب المعرفة؟

وعبر محاولات الإجابة عن هذه التساؤلات يصحب الكاتب قارئه في رحلة سياحية مميزة في كتابه ”زيارة لمكتبات العالم” الذي صدر في نسخة عربية مؤخرا عن “العربي للطبع والنشر – القاهرة” بترجمة ريم داوود.

في المقدمة يذكر المؤلف أن كتابه سيتحدث عن القراءة العادية بأسلوب يبعث على الارتياح، ثم يناقش التناقضات التي تثير الانزعاج، فيعيد تركيب التقاليد المعتادة، ويتعامل مع الكتب كحاجات، والمكتبات كمواقع للتنقيب عن الآثار، أو كدكاكين للبضائع المستعملة أو كأرشيف، وحالة مكانية تستمد قوتها من أهمية التراث ضد تآكل الماضي والذاكرة، ويعرض رؤيته للكتب باعتبارها حركات مقاومة تكافح من أجل عدم احتلال مكانها في تاريخ المعرفة البشرية، ويشبه مكتبات بيع الكتب والمكتبات العامة بتوأمي روح أو وجهيْ الإله يانوس، وهو في الميثولوجيا الرومانية إله للبوابات والممرات، يتم تصويره بوجهين لأنه ينظر إلى المستقبل وإلى الماضي معا، كاريون أيضا يتطلع إلى مستقبل المكتبات في العصر الرقمي، وينقب في ماضيها، ويقر بأن مكتبة الإسكندرية هي الأولى في التاريخ التي اعتمدت على نظام الفهرسة، ويرجح أن فكرتها جاءت من المكتبة الخاصة بأرسطو، ويرى أن المقارنة بين المجموعات الخاصة والعامة وبين مكتبات بيع الكتب والمكتبات العامة مقارنة قديمة قدم الحضارة نفسها.

ويسرد خورخي كاريون، وهو الروائي والباحث الحاصل على الدكتوراه في الإنسانيات، تاريخ مكتبات بيع الكتب بشكل خاص وليس المكتبات العامة، ويرجع اهتمامه بها لكونها “تفتقر إلى الاستمرارية والدعم المؤسسي، ومع ذلك تتميز بقدرتها على التجاوب الجريء مع الجمهور وتلبية احتياجاته، وتتمتع بالتالي بنوع من الحرية، ولكنها غالبا ما تعاني من ندرة اهتمام الباحثين بها إلى أن ينتهي وجودها الفعلي، وتتحول مع الوقت إلى أسطورة، مثل ساحة كاتدرائية القديس بولس بلندن، والتي كانت تضم ثلاثين مكتبة، منها ‘ذا باروت’ التي كان صاحبها أحد ناشري ويليام شكسبير لكن أحدا لا يهتم بدراستها، وتغفل الكتيبات السياحية ذكرها، على العكس من تاريخ المكتبات العامة الذي يمكن سرده بسهولة وبتفاصيل دقيقة، وفقا للحدود الجغرافية التي حددتها اتفاقيات جغرافية معروفة، ومن خلال السجلات الأرشيفية لكل مكتبة”.

ومن بين المكتبات التي يراها أسطورية يشير كاريون إلى مكتبة أنشئت في نابولي عام 1825، هي مكتبة “دي ماريني” التي تغير اسمها في ما بعد لتحمل اسم منشئها كاسيلا، وقد ورثها عنه ابنه فرانشيسكو الذي تعامل مع المكتبة كمكان لاستقبال ضيوفه، ودعا إليها في مطلع القرن الماضي أدباء كبار مثل إدواردو دي فيليبي وبول فاليري وأناتول فرانس وجورج برنارد شو، لكن من المؤسف أن يفتقر هذا النوع من المكتبات إلى الوثائق التي تؤرخ له، لذلك وجد كاريون نفسه مضطرا إلى الرجوع للصور الفوتوغرافية والبطاقات البريدية المصورة، فضلا عن الاستعانة بالنصوص الأدبية والمقالات.

ويرجح كاريون أن تكون مكتبة “ديليمن” في باريس هي أقدم مكتبات هذا النوع، إذ فتحت أبوابها للجمهور داخل مسرح الكوميدي فرانسيز عام 1700، أما في بريطانيا، فالأقدم مكتبة “بي.آند.جي ويلز” في مدينة وينشيستر، وبحسب الكتاب “فرعها الوحيد يؤكد استقلاليتها الواضحة، وتم الاحتفاظ بإيصالات شراء تعود إلى عام 1729، ويرجح أن نشاط الكتب في المقر الواقع في كوليج ستريت لم يتوقف منذ خمسينات القرن الثامن عشر”.

كذلك يشير إلى بعض المكتبات التي تمَّ تخليدها في نصوص أدبية، ومنها مكتبة ليوناردو دافينشي، ويشير إلى القصيدة التي أسماها مارسيو كاتوندا مكتبة، وصف فيها الممر المؤدي إلى الطابق الأرضي من مبنى ماركيز دي هارفيل.

ومن الأشياء الطريفة التي يذكرها خورخي أنه في زيارة له إلى فنزويلا، قام جندي بشم ثلاثة وعشرين كتابا كان يحملها كاريون في حقائبه، وفسر ذلك بقوله “إنهم صاروا يمزجون المخدرات بالصمغ المستخدم في لصق أغلفة الكتب”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي