تفكيك التاريخ ونقد الرأسمالية.. أبرز قضايا سينما 2019

2019-12-27

"حدث ذات مرة في هوليود" يقدم رؤية مغايرة لحوادث تاريخية شهيرةحسام فهمي

بنهاية عام 2019 تبدو السينما العالمية معبرة بشكل كبير عن هواجس البشر وآمالهم وأحزانهم وغضبهم أيضا.

فبينما ركزت السينما في العامين الماضيين على قضايا التنوع العرقي والصوابية السياسية يبدو الأمر مختلفا هذا العام، فالقضيتان المسيطرتان وبشكل واضح للغاية هما تفكيك التاريخ ونقد الرأسمالية.

ويبدو هذا في سياق متصل مع اشتعال العديد من المظاهرات في مختلف أنحاء العالم، بين أميركا وفرنسا وتشيلي ولبنان والسودان وحتى داخل مصر.

تفكيك التاريخ
التاريخ لا يكرر نفسه ولكننا نحن من نكرر أخطاءنا، مقولة شهيرة يمكننا الاستدلال بها حينما نتحدث عن قضية تفكيك التاريخ التي اهتم بها فيلمان من أبرز أفلام عام 2019، وهما "الإيرلندي" (The Irishman) لمارتن سكورسيزي، و"حدث ذات مرة في هوليود" (Once upon a time in Hollywood) لكوينتين تارانتينو.

في الفيلمين يقدم سكورسيزي وتارانتينو رؤية مغايرة لحوادث تاريخية شهيرة شكلت جزءا مهما من التاريخ الأميركي الحديث في الستينيات والسبعينات، ففي "حدث ذات مرة في هوليود" الذي يقوم ببطولته ليوناردو دي كابريو، وبراد بيت، ومارجوت روبي نتعرض لقصة مقتل الممثلة الأميركية شارون تيت في نهاية الستينيات، ونتابع نهاية عصر هوليود القديمة وظهور جيل جديد مهتم أكثر بحكايات الشباب الأميركيين الناقمين على الدولة والمجتمع.

معالجة تارانتينو هنا تتلاعب بالتاريخ، تظهر مجرمي العصر بشكل ساخر، العنف يتحول إلى كوميديا، والقاتل يتحول لمقتول، وكأن تارانتينو يخبرنا بأن تغيير الحاضر قد يأتي أولا بتغيير التاريخ.

وعلى الجانب الآخر، يبدو مارتن سكورسيزي مهتما وبشكل خاص في "الإيرلندي" الذي يقوم ببطولته روبرت دي نيرو، وألباتشينو، وجو بيشي بسرد الحكاية غير الرسمية لاختفاء القيادي العمالي الأميركي جيمي هوفا في نهاية السبعينيات، وهو الاختفاء الذي لم يتم كشف لغزه رسميا حتى اليوم.

لا يقدم سكورسيزي هنا نهاية لحكاية هوفا فقط، لكنه يقدم أيضا نهاية للغز مقتل الرئيس الأميركي جورج كينيدي، والغريب أن حل لغز الجريمتين يتم بضربة واحدة.

يخبرنا سكورسيزي من خلال حكاية مليئة بالخيانة والندم أن تغيير الحاضر لن يأتي سوى بكشف فضائح التاريخ، تلك الفضائح التي ترفض الدولة ومؤسساتها الرسمية ظهورها حتى اليوم، القتل يتم بتواطؤ الجميع، العنف يأتي عبر جنود تحركهم الجريمة المنظمة والدولة في العديد من الأحيان، وهو ما يحدث حتى اليوم.

نقد الرأسمالية

إذا ما اتجهنا لأنجح فيلمين في العام فسنجد قضية أخرى مسيطرة هي غضب المهمشين ونقد الرأسمالية بشكل عنيف جدا، ويظهر هذا جليا في فيلم "جوكر" (Joker) الفائز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان فينيسيا وأحدث أبرز المرشحين للأوسكار.

كما يظهر وبشكل ربما أكثر عنفا ومأساوية في فيلم "طفيلي" المتوج بجائزة أفضل فيلم في مهرجان كان، وأحد المرشحين بقوة للتويج بجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية.

في "جوكر" الذي يقوم ببطولته المتميز خواكين فينكيس يقدم لنا المخرج والكاتب الأميركي تود فيليبس معالجة واقعية لحكاية أرثر فليك المواطن الأميركي المطحون الذي يعاني ماليا واجتماعيا وصحيا ونفسيا، ليدفعه المجتمع دفعا للتحول إلى قاتل ومجرم وملهم للجماهير وبدء موجة عنف مسلح ضد الأغنياء.

هنا يتحول "الجوكر" من شرير عالم القصص المصورة الأهم إلى ضحية لشرير أكبر وأخطر هو النظام الرأسمالي العالمي.

وعلى جانب آخر من العالم وفي كوريا الجنوبية، ينقل لنا المخرج جون بون هو في فيلم "طفيلي" حكاية أسرة فقيرة تدفعها ظروفها المأساوية لممارسة حيل مستمرة للنصب والتطفل على أسرة أخرى غنية.

لكن ما يبدأ في فيلم "طفيلي" كحكاية ساخرة كوميدية يتحول فجأة إلى أجواء مليئة بالدم والرعب ورائحة الموت، والأخطر في هذا الفيلم أنك لا يمكنك وبأي حال أن تلوم القاتل، النظام الرأسمالي لا يترك اختيار بأي حال لمن يعيشون حرفيا تحت الأرض سوى القتل من أجل الحفاظ على حياتهم.

نقد يعد بالانفجار

بين تاريخ يعاد النظر في صدقه، وعنف يلجأ له البشر بشكل متزايد لحل مشاكلهم، وغضب دفين ينتظر شرارة الاشتعال تقدم لنا سينما هذا العام نقدا سياسيا واجتماعيا حادا للغاية.

هذا النقد القاسي لما تصنعه حكومات العالم الرأسمالي بشعوبها يبدو مترجما وبشكل حرفي في سينما عام 2019، سينما تعد بانفجار قد يكون وشيكا للغاية، انفجار بدأ بشكل تدريجي في ظهور قناع الجوكر في بعض المظاهرات الشعبية حول العالم، انفجار تظهر أعراضه في صعود اليمين وانتصاره في بريطانيا وإيطاليا، الفقراء والمهمشون محبطون، وهذا جرس إنذار يقرع بشكل جدي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي