الاقتباس الثقافي سبيلا للانبعاث الحضاري

الأمة برس..
2019-09-12

الرباط : عن ملتقى الثقافات للنشر والتوزيع 2019، صدر للباحث المغربي المهدي مستقيم كتاب يتمحور حول إشكالية الحوار الحضاري، في علاقته بسؤال الاقتباس الثقافي، وسياقات تطور البعض من نماذجه في الفكر العربي المعاصر، في أفق استنتاج ما يسفر عنه من إيجابيات، وما يترتب عنه من عوائق، يمكن أن تحول دون تحققه.

وقد سعى مؤلف الكتاب إلى بلورة هذه الإشكالية، من خلال محاورة ثلّة من المفكرين والأكاديميين المرموقين، الذين نخص منهم بالذكر: محمد شوقي الزين، مصطفى حجازي، مشير باسيل عون، الزواوي بغورة، محمد المزوغي، عزالدين عناية، جورج قرم، بالنظر لما يبذلونه من جهود قيمة، في اقتباسهم لنماذج ثقافية من الفلسفة الغربية، في محاولة منهم لاستدماجها واستدخالها ضمن أنظمتنا الفكرية.

وعلى الرغم من اختلاف تخصصات، ومرجعيات هؤلاء المفكرين، إلا أن مبادراتهم تتكامل في ترسيخ رؤية جوهرية، مفادها أن التقدم التاريخي يتشكل وفق قوانين ثابتة ومشتركة، لا تختلف من بنية ذهنية إلى أخرى، بما يتيح لكل هوية ثقافية إمكانات إشعاعها، كما يتيح في الوقت نفسه لكل من المثقف والسياسي مراكمة الشروط الكفيلة بأداء دورهما، انسجاما مع متطلبات اللحظة التاريخية، حيث لا مجال لاختزال الغرب في سياساته الهيمنية، بعيدا عن استيعاب مكتسباته الحضارية، التي يمكن أن تمدنا بإواليات فتح حوار ممكن مع التاريخ، ومع المستقبل، خاصة أننا بفعل منعطفات قاسية، أتحنا للغرب، وعلى امتداد عقود مديدة، فرص احتلال مساحات كبرى داخل ذواتنا.

قسم المؤلف مقاربته لهذه الإشكالية إلى سبعة فصول مسبوقة بتمهيد مطول، حرص على أن تكون متكاملة في ما بينها.

الفصل الأول، خصصه لفلسفة التأويليات، مركزا على أهم المبادئ التي تتأسس عليها، وعلى الآفاق الجديدة التي سيتيحها لنا انفتاحنا على المنعرج الهرمينوطيقي في الفكر الغربي، في قراءتنا للنص القرآني وباقي النصوص الأخرى. ومن أجل تعميق النقاش في هذا المستوى، حاور المفكر الجزائري محمد شوقي الزين.

في الفصل الثاني، تناول الوضعية التي يوجد عليها التحليل النفسي في الثقافة العربية الإسلامية، وركز على الموانع التي تحول دون اختراقه الجدار الثقافي العربي الإسلامي، مع بيان نجاعة وضرورة جرأة نظرياته، ودورها الحاسم في خدمة قضايا إنمائنا وانبعاثنا، في ذلك حاور المفكر اللبناني: مصطفى حجازي.

في الفصل الثالث، يعرض مجموع الفوائد التي بإمكان الفكر العربي أن يحصّلها إثر انفتاحه على مشروع الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، لكونه مشروعا قد يتيح لنا إمكانات التفكر في كينونتنا بشكل يضمن حيوية نقدية استثنائية، وذلك بوقوفنا بأنفسنا على إمكانات محتملة تمكننا من بلوغ الاختبار الخاص بثقافتنا العربية، في عمق مسعاها التاريخي الخصوصي. ومن أجل إضاءة هذا الوعي حاور المفكر اللبناني مشير باسيل عون.

في الفصل الرابع: تطرق للاستقبال الذي تحظى به فلسفة ميشيل فوكو في الفكر العربي المعاصر، ووقف عند المزايا التي بإمكان هذا المشروع الفلسفي الضخم ذي الجهاز المفاهيمي الكثيف والعميق، أن يقدمها لنا في دراستنا للتراث العربي الإسلامي. وفي ذلك حاور المفكر الجزائري الزواوي بغورة.

أما الفصل الخامس، فقد خصصه لتتبع الوتيرة التي وصل إليها الصراع بين العقل والدين في المجتمعات المتقدمة، ثم في مجتمعاتنا، مع إبراز أهمية المناظرات الغربية العميقة بين العقل الإيماني والعقل العلماني، مثل تلك التي جمعت الفيلسوف هابرماس بالبابا راتسينغر، وأمبرتو إيكو بالكردينال كارلو ماريا مارتيني، فنحن ما زلنا خارج هذا الضرب من المناظرات، وحاجتنا إليه تفرض نفسها يوماً بعد آخر، علما أن لدينا مقاربات علمانية، أو لاإيمانية، أو إلحادية، للظاهرة الدينية في الثقافة العربية، ما زلنا نتعامل معه بالتغييب. وفي ذلك حاور المفكر التونسي محمد المزوغي.

وفي الفصل السادس ركز على أهمية الإفادة من فروع علم الأديان، ودورها الحاسم في إضاءة الوعي بالاختلاف والتسامح والتعددية والاعتراف، خصوصا علم الاجتماع الديني والأنثروبولوجيا الدينية، كما ركز على مجموع العوائق والعراقيل التي تحول دون أن تشيِّد دولنا مشروعاً مشتركاً يحتضن كل الأديان والمعتقدات، ويضمن تواجد أصحاب الديانات الأخرى بين ظهرانينا، بدون أن يلحقهم أذى أو يمسهم عدوان. وفي ذلك حاور المفكر التونسي عزالدين عناية.

أما الفصل السابع: فقد حاول فيه تفكيك الخطاب النرجسي الأيديولوجي الغربي وتبديده، الذي يستند إلى مسلمات فكرية أسطورية، تهدف إلى توسيع دائرة ضعفنا وانحطاطنا، وبالتالي تضخيم نرجسية الأوساط السياسية والإعلامية والأكاديمية الغربية، ومنحها مزيداً من الفرص للهيمنة على مقدّرات العالم. وفي ذلك حاور المفكر اللبناني جورج قرم.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي