
القدس المحتلة - دعا الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح وسائل الإعلام الدولية إلى العمل على ضمان محاسبة إسرائيل على قتلها أكثر من 250 صحفيا وصحفية فلسطينيين خلال حرب الإبادة الجماعية بقطاع غزة.
الدحدوح، مدير مكتب شبكة "الجزيرة" الفضائية بغزة، تحدث في مقابلة مع الأناضول على هامش مشاركته في منتدى "تي آر تي وورلد 2025" بمدينة إسطنبول الجمعة والسبت الماضيين.
وانتقد الصحفي الفلسطيني تغطية المؤسسات الإعلامية الدولية لحرب الإبادة، واعتبر أن بعضها "كانت ملكية أكثر من الملك"، في إشارة إلى انحيازها للرواية الإسرائيلية.
وقال إن "هذا حدث بينما كانت صحف إسرائيلية، مثل "هآرتس" (يسارية)، تنتقد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتفضح بعض جرائمه خلال حرب الإبادة على غزة".
ولمدة سنتين منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، شنت إسرائيل بدعم أمريكي حرب إبادة جماعية على غزة، أوقفها اتفاق لوقف إطلاق النار بين تل أبيب وحركة "حماس" بدأ تنفيذه في 10 أكتوبر الماضي.
وهذه الإبادة خلّفت 68 ألفا و872 قتيلا فلسطينيا، و170 ألفا و677 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا طال 90 بالمئة من البنى التحتية المدنية، مع تكلفة إعادة إعمار قدرتها الأمم المتحدة بنحو 70 مليار دولار.
** جرائم على الهواء
الدحدوح، الذي قُتل في حرب الإبادة 3 من أبنائه وحفيدته، مضى قائلا: "مع الأسف، هذا الذي نتحدث عنه هو فشل ورسوب مدوٍ لهذه المؤسسات (الإعلامية الدولية) في التعاطي مع هذه الإبادة".
وتابع: "ما يحدث في قطاع غزة من منظور القانون الدولي كله عبارة عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة، ومع ذلك هذه المؤسسات تتردد في إعطائها المساحة التي تستحق".
وزاد بأنه على مستوى "حجم الانحياز الكبير والتضليل الأكبر فإن كثيرا من المؤسسات (الإعلامية) تناولت الرواية الإسرائيلية دون تدقيق أو تمحيص ودون أن تستند إلى أدلة أو صور".
"بينما في قطاع غزة، كثيرة هي الأحداث التي ارتُكبت على الهواء مباشرة ولا تحتاج إلى تحقيق، ومع ذلك غضت هذه الوسائل الإعلامية الطرف عنها، ولم تتعامل معها بواقعية ومهنية"، بحسب الدحدوح.
وحذر الدحدوح، الذي أصيب خلال حرب الإبادة وغادر غزة لتلقي العلاج، من تداعيات الانحياز الإعلامي الدولي لصالح إسرائيل.
وقال إنه "لا يعقل أن تكون ملكيا أكثر من الملك. بعض الإسرائيليين لديهم آراء هنا وهناك، لكن بقية وسائل العالم ما زالت تتردد في اتخاذ قرارات مهنية، وهذا يضر بهذه المؤسسات أكثر مما ينفعها".
وشدد على ضرورة أن يفضح الإعلام الدولي رواية إسرائيل، وألا ينسى الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم في غزة، ويدفع نحو محاسبتها على قتلهم.
** إفلات من العقاب
ومتحدثا عن جرائم تل أبيب، قال الدحدوح إن "إسرائيل على مدار العقود، ليس فقط في هذه الحرب، كانت دائما تفلت من المحاسبة والعقاب ولا توضع أمام المساءلة من قبل المجتمع الدولي".
واعتبر أن "هذه الحرب كانت ذروة إفلاتها من العقاب، وكأن العالم كان يكافئها على هذه الجرائم ولم يحاسبها عليها".
وأردف: "ما جرى في هذه الحرب غير مسبوق لا في الشكل ولا في المضمون ولا في الحجم".
"فقدنا 256 صحفيا وصحفية (فلسطينيين قتلتهم إسرائيل)، ومئات من أفراد أسرنا، ومئات الجرحى وعشرات المعتقلين. فقدنا المكاتب والمنازل وكل شيء"، أضاف الدحدوح.
واستدل بأنه "قبل (...) أيام قتلت إسرائيل أحد الزملاء رغم أن الحرب توقفت أو الإبادة توقفت مؤقتا. استُهدف هو وعائلته مباشرة في منزله"، في إشارة إلى الصحفي بصحيفة "فلسطين" محمد المنيراوي.
وشدد الدحدوح على أن "هذا يعني أن المساءلة مهمة جدا، لتدرك إسرائيل أنها لن ترتكب مزيدا من الجرائم، وإلا سيكون ذلك بمثابة مكافأة لاستمرارها في هذه الجرائم".
واستطرد: "إسرائيل دائما تشعر بأنها فوق القانون والمساءلة والعقاب، وهذا يتطلب من العالم أن يقف، بحكوماته وبرلماناته ونخبه ومؤسساته الإعلامية والصحفية والحقوقية، كرجل واحد أمام هذا الموضوع".
وأكد أن إفلات إسرائيل من العقاب "ينتهك حق الإنسان في الحياة، وينتهك الحق في الحرية والتعبير، وينتهك الحق في المعرفة، الذي هو حق لكل العالم، وليس فقط للصحفيين وسكان قطاع غزة".
** مهنية فلسطينية
في المقابل أشاد الدحدوح بالدور الذي لعبته الصحافة الفلسطينية في غزة في فضح الرواية الإسرائيلية بشأن حرب الإبادة.
وقال إن "الإعلام في قطاع غزة، رغم الألم، حقق أعلى درجات المهنية غير المسبوقة في التاريخ".
واعتبر أن "ما حدث كان أكبر بكثير من قدرة الصحفيين التقليديين على تغطيته، وبرزت صحافة المواطن، ونحن شعب خبر الحروب مرات عديدة".
و"كان للمواطنين دور أصيل عبر منصات السوشال ميديا (التواصل الاجتماعي)، وساهموا في إيصال كثير من الصور والحقائق والمعلومات والقصص الإنسانية إلى العالم"، كما أردف الدحدوح.
وزاد بأن هذا الدور الإعلامي "ساعد في كسر الرواية الإسرائيلية التي كانت مسيطرة بدون منازع على الرأي العام".
وشدد على أن "الرواية الإسرائيلية فقدت مصداقيتها عالميا: روايتها (إسرائيل) انهارت وتصدعت بشكل كبير، وهي الآن تحاول ترميمها والسيطرة على الإعلام التقليدي والسوشال ميديا، لكن هذه المحاولات أتى وقتها متأخرا".
وزاد بأن "الرواية الاسرائيلية تراجعت بشكل غير مسبوق، وإسرائيل نفسها أصبحت في عزلة غير مسبوقة".
** تغيير هامشي
ورغم أنه "تكاد تكون الرواية الإسرائيلية تراجعت"، بحسب الدحدوح، "لكن كثيرا من وسائل الإعلام ما زالت لم تتغير تغيرا يتناسب مع حرب الإبادة والرواية الصادقة التي كانت تخرج من قطاع غزة".
وتابع: "اضطرت هذه الوسائل إلى أن تغير تكتيكيا وهامشيا من سياستها التحريرية".
واعتبر أنها "ما زالت بعيدة عن تحقيق المهنية بأعلى درجاتها (بينما) تمكنا نحن رغم الوجع من تحقيق أعلى درجات المهنية غير المسبوقة في التاريخ".
وتمنى الدحدوح "أن تضع هذه الإبادة والحرب أوزارها بحق وبشكل كامل، وأن تعود الحياة أو ما تبقى من حياة إلى قطاع غزة".
وأردف: "وأتمنى ألا يدرك (يعتقد) العالم بأن الحرب انتهت. الإبادة انتهت مؤقتا، لكن الحرب مستمرة بأشكال عدة"، في إشارة إلى التجويع وتقييد دخول المساعدات والدواء ومستلزمات الإيواء ومنع إعادة الإعمار.
الدحدوح أكد ضرورة الحفاظ على ذكرى الضحايا الصحفيين بقوله: "أتمنى أن لا يتحول جميع الصحفيين وأسرهم الذين استشهدوا إلى مجرد أرقام".
وختم بالقول: "يجب أن تبقى قصصهم وحكاياهم وطموحاتهم حية في نفوس الجميع، وأن يعمل العالم على محاسبة مَن ارتكب هذه الجرائم"، في إشارة إلى إسرائيل.