المناخ يجبر اليونان على إعادة تقييم نموذجها السياحي

الأمة برس
2025-01-02

المناخ يجبر اليونان على إعادة تقييم نموذجها السياحي (بيكسابي)تواجه اليونان ضغوطا شديدة من أجل إعادة النظر في نموذجها السياحي الذي لم يعد ملائما لظروف تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة مع تنامي أعداد السياح الوافدين، بحسب العرب.

وكانت اليونان وجهة شهيرة لقضاء العطلات، حيث جذبت بمياهها الفيروزية وشمسها الدافئة 33 مليون زائر العام الماضي.

ومن المتوقع أن يرتفع إجمالي أعداد الزوار هذا العام، حيث تسجل السياحة العالمية أرقاما قياسية جديدة من مستويات ما قبل الوباء، لكن هذه الزيادة قد تقوض الدعامة الاقتصادية في المستقبل القريب.

وقد أثارت “السياحة المفرطة” خلال السنوات الأخيرة على شواطئ سيكلادس، وهي مجموعة من جزر بحر إيجة، غضبا واحتجاجات.

وقال ديميتريس فايانوس، الخبير الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، إنه “يشعر المواطنون في اليونان بالمزيد من القلق من أن الأرخبيل اليوناني يتغير بسرعة كبيرة، وأنهم سيفقدون ما هو مميز في غضون سنوات قليلة”.

ويقول المقيمون في وجهات أوروبية شهيرة أخرى إن الزوار يضرون بالبيئة والاقتصادات المحلية، خاصة وأن الإيجارات قصيرة الأجل من مواقع الإقامة المنزلية مثل “إير بي إن بي” ترفع تكاليف السكن وتدفع المواطنين بعيدا عن بلداتهم ومدنهم.

لكن اليونان تبقى من بين أكثر دول أوروبا تضررا من الاحتباس الحراري. كما يتغير المشهد بارتفاع منسوب مياه البحر، وموجات الحر الحارقة، وعدم انتظام هطول الأمطار، وحرائق الغابات المتكررة.

كانت اليونان وجهة شهيرة لقضاء العطلات، بفضل مياهها الفيروزية وشمسها الدافئة، لكنها تواجه اليوم ضغوطات مناخية قاسية

وتضيف السياحة عبئا إضافيا على الموارد المائية الشحيحة وتهدد البيئات الساحلية الهشة، مما يرفع صوت دعوات السلطات المحلية وأمين المظالم الوطني لتنظيم البناء وتقييد تدفقات السياح والاستثمار في إدارة المياه والبنية التحتية.

ويجب أن توازن الحكومة بين التخفيف من هذه التهديدات وحماية عائدات السياحة الحيوية. وحددت جمعية الأعمال السياحية اليونانية أن السياحة تساهم بما بين 62.8 مليار يورو و75.6 مليار يورو في الاقتصاد اليوناني، أي ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي سنويا.

وحدّث قانون في يوليو اللوائح الخاصة بوكالات السياحة والمرشدين والإيجارات التي قالت وزيرة السياحة أولغا كيفالوجياني إنها ستجعل البلاد “قوة سياحية عالمية”، وهي جزء من الجهود “المهمة للغاية” لحماية الصناعة وإفادة الاقتصاد.

لكن تغير المناخ يطرح أسئلة وجودية للقطاع.

وأجبرت موجة حر طويلة في يونيو، تلتها أشد موجة حرارة في يوليو، إغلاقات في مناطق الجذب السياحي وتسببت في موجة من الوفيات المرتبطة بالحرارة.

كما تهدد حرائق الغابات، التي أصبحت أكثر كثافة وتواترا بسبب الطقس الأكثر سخونة وجفافا المرتبط بتغير المناخ، صناعة السياحة. واندلع حريق هائل في وقت سابق من هذا الشهر على بعد أميال من العاصمة أثينا.

واندلع في العام الماضي أكثر من 8آلاف حريق غابات في جميع أنحاء البلاد. وكان لا بد من إجلاء آلاف السياح من الجزر من بينها رودس.

وقالت ميغان إبلر وود، مديرة برنامج إدارة أصول السياحة المستدامة في جامعة كورنيل في الولايات المتحدة، “نريد أن تكون السياحة مستدامة، أو متجددة. يجب أن الاستثمار لذلك في الحفاظ على النظام البيئي، ودعم تكلفة إدارة السياح على الأرض”.

وقال أمين المظالم (مسؤول يوناني يحقق في الشكاوى العامة) في تقرير صدر في يونيو إن البلاد تعد بحاجة إلى الحد من البناء وحماية الموارد المائية والمناطق الساحلية للحفاظ على السياحة الصحية.

وحذر من المخاطر البيئية المتزايدة الناتجة عن السياحة، وخاصة الطلب الإضافي على إمدادات المياه للشرب وحمامات السباحة والحدائق المائية.

وجدت دراسة تجريبية، أجراها باحثون من اليونان واليونسكو، أن الجزر الصغيرة في بحر إيجه تحتاج ضعف كمية المياه التي يمكن أن تنتجها طبيعيا لتلبية طلب السياح، الذي من المقرر أن يزداد بمقدار الضعف بحلول 2030.

وقال فايانوس “كلما طُوّرت هذه الجزر، كلما كانت أقل جاذبية للزوار”.

ويرى أن على اليونان تكييف السياحة لجعلها أكثر توافقا مع المعايير البيئية، بما في ذلك تقسيم المناطق، وتركيز التنمية في نقاط محددة.

ويهدف إدخال ضريبة السياحة هذا العام، التي يطلق عليها اسم رسوم المرونة المناخية، إلى المساعدة في تمويل التعافي من حرائق الغابات والفيضانات المتفاقمة.

من المتوقع أن تولّد رسوم الضيوف المقيمين في الفنادق والإيجارات قصيرة الأجل ما يصل إلى 300 مليون يورو من الإيرادات الإضافية خلال 2024.

لكن إبلر وودت قال إن الضرائب السياحية توجهت تاريخيا نحو تسويق الوجهة بدلا من إفادة المجتمعات المحلية. ووجدت الأبحاث التي أجراها برنامج إدارة أصول السياحة المستدامة أن مرافق المياه والنفايات والطاقة والإسكان ميسور التكلفة لم تحقق المكاسب المرجوة.

ويدعو الاتحاد المركزي للبلديات اليونانية إلى توجيه العائدات الضريبية إلى الحكومة المحلية لمساعدتها على إدارة السياح.

وذكر تقرير صادر عن شركة الإستراتيجية “غروب ناو” أن بعض الأدلة تلمّح إلى أن الضرائب السياحية تقلل من الوافدين.

ويريد نيكوس زورزوس، رئيس بلدية سانتوريني، تحديد عدد زوار السفن السياحية اليومية بـ8 آلاف مما يصل إلى 17 ألف شخص.

ولا يقتصر تأثير تغير المناخ في اليونان على ارتفاع درجات الحرارة وغيرها من الظواهر الجوية المتطرفة.

وذكر تقرير جمعية أعمال السياحة اليونانية أيضا تآكل السواحل وتراجع مروج الأعشاب البحرية التي تساعد على إعطاء البحر المتوسط لونه الفيروزي المميز، إضافة إلى الفيضانات ونقص المياه وارتفاع درجات الحرارة والجفاف كتهديدات للسياحة.

وقال متحدث باسم الجمعية، “يجب أن يكون تمديد الموسم السياحي أولوية نظرا لأن الصيف سيكون أكثر سخونة. ويمكن ذلك عبر تصميم عروض عالية الجودة لجذب الزوار على مدار العام. سيمكننا بهذه الطريقة ضمان سياحة مستدامة وتنافسية لليونان”.

وتوصي الجمعية كذلك بتعزيز السياحة الغنية بالتنوع البيولوجي للمساعدة في توليد التمويل اللازم للحفظ وتعزيز بدائل العطلات الشاطئية، مثل السياحة الزراعية، وسياحة الطعام، وسياحة الصحة، وسياحة المغامرات.

وقال بن لينمان، من”ذا ترافل فاونديشن”، وهي منظمة غير حكومية تعمل مع الحكومات والشركات والمجتمعات لتطوير السياحة وإدارتها، “لقد بدأنا نرى تحولا نحو إدارة السياحة، بعيدا عن مجرد الترويج”.

وقالت إبلر وود إن الاستثمار في الطاقة المتجددة أو حماية المناطق الساحلية والبنية التحتية الضعيفة سيحمل فوائد طويلة الأجل للوجهة السياحية.

وأضافت “يمكن أن يساعد تأثيره الإيجابي البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية إلى مستقبل أقل خطورة وأكثر مرونة”.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي