ضحى عبدالرؤوف المل*
يثير الممثل بيورن ديميل الدهشة وهو يؤدي دور «توم شيلنج»، المحامي الذي يعمل مع زعيم مافيا هو موكله. وما بين عمله كمحام وعائلته، يقع توم في مشكلات إرضاء الآخرين الدائم على حساب نفسه وعائلته، مفتقدا للتوازن والشعور بالرضى عن نفسه.
تأتي انتقادات زوجته المستمرة له، ونصيحتها بالمواظبة على جلسات الحضور الذهني، لتكون نقطة التحول في حياته. إذ بين اليقظة الذهنية والإحساس بالتمكن والقوة، وايجاد الحلول التي تخدم مصلحته قبل الآخرين، تتغير مسارات حياته. يصبح التركيز على الأهداف قبل النتائج معادلة حياتية لا تخلو من أنانية، ولدت بعد حضور جلسات الوعي الذهني مع طبيب، شرحها وفسرها له، لكنها اتخذت منحى مختلفا عند التنفيذ. فهل يختلف القتل بوعي وبحضور ذهني شديد عن قتل رجال المافيات لبعضهم بعضا؟ أم أن للحضور الذهني سلبياته على بعض الأشخاص، ولا بد من دراسة أثره بشكل جدي؟ وهل تساعد اليقظة الذهنية في تخطي المصاعب الحياتية فعليا؟ أم أن للحضور الذهني سلبياته وإيجابياته كالدواء تماما؟
مزيج غريب في مسلسل من إخراج بوريس جانسن ومارتينا بلورا وماكس زاهلي، حيث يبرز القتل اليقظ، الذي يعتمد على تعليمات وإرشادات من رجل مختص بعلم الحضور الذهني، أو مدرب قدّم معلومات دون الاهتمام بخلفيات العقل الذي يوجهه إلى هذا النوع من الحضور الذهني. هذا الحضور حقق تغييرات لا يمكن تصديقها، من تأثيرات قلبت حياة «توم شيلنج» من محامٍ تابع إلى محامٍ مستقل، من خلال جريمة قتل سببها الحضور الذهني والتركيز بوعي على تفاصيل الخروج من المأزق، بنكهة كوميدية لا تخلو من سخرية سوداء، مرتبطة بالقيود الوظيفية وتأثيرها على حياة الأشخاص. وما بين التركيز وسرعة الانقضاض، استطاع توم أن يتخطى تنظيم مافيات وخلق فوضى بينهم، ليقودهم لمصلحته، رغم مأساوية ما يقوم به، الذي تسبب به الحضور الذهني، وهو الاستمتاع بلحظة على الشاطئ مع ابنته على حساب مشكلات كان يجب حلها، والرجل في صندوق السيارة يلفظ أنفاسه الأخيرة.
القتل بوعي هو كوميديا سوداء من سلسلة للكاتب الألماني كارستن دوس، يمثل استخدام عناصر الصحوة الذهنية للخروج من المآزق، حيث تمثل عدة مواقف إعادة صياغة لحياة فيها من القدرية ما لا يمكن فهمه فعليا، كالغراب الذي حمل الأصبع وطار به ليرميه لاحقا في كأس على طاولة في مطعم بعيد عن طاولة المحامي. بتشويق، يتطور المسلسل من حلقة لأخرى، دون الإحساس بالضجر من كوميدية المواقف السوداء، التي اتخذت من معنى الحضور الذهني فكرة تؤدي إلى القتل غير الواعي، باللحظة التي وُضع فيها رجل المافيات في صندوق سيارته. فما هو معنى الحضور الذهني الذي استخدمه الكاتب لهذا المسلسل التشويقي؟
يشير مفهوم الحضور الذهني في المسلسل إلى القدرة على الوجود في اللحظة الحالية والتركيز على ما يحدث الآن، بدلاً من الانشغال بالماضي أو القلق بشأن المستقبل. يتضمن الحضور الذهني الوعي الكامل بالأفكار والمشاعر والأحاسيس الجسدية، دون الحكم عليها. يمكن ممارسة الحضور الذهني من خلال تقنيات مثل التأمل، والتنفس العميق، والتمارين الذهنية، وهو مفيد في تقليل التوتر وزيادة التركيز وتعزيز الرفاهية النفسية.
وتعتمد الكثير من المقولات التي استخدمها محامي دفاع المافيات المرتبط بابنته، ارتباطًا أبوياً، على محاولة الاحتفاظ بابنته بعد أن خسر زواجه بسبب عمله المستمر محامي دفاع. لنفهم الكثير من التفاصيل التي يمكن أن ترتد على الموظف أو المقيد بارتباط وظيفي، بينما هو قادر على خلق حياة مختلفة بوعي يشبه وعي المحامي، ليتخلص من القتل الخطأ الذي قام به، ومن ثم القتل بوعي في المرات اللاحقة. إلا أن ذلك يضيء على معنى هذه الجلسات غير المبنية على تحليل الشخصية التي يقوم المدرب بتدريبها على الوعي الذهني.
تمثل ضغوطات عاطفية رؤية جهازنا العاطفي المتأثر بمحيطنا، الذي يجعل منها بؤرة لوم على الذات، تشكل الغيوم النفسية السوداء، عندما يلومنا الآخرون على أفعالنا. هذا ما يضيء له الكاتب، وهو الاهتمام بالذات دون التهلكة. فالتوجيه اللإرادي للحظة فجائية، يحتاج لوعي يشبه الوعي الذي قاد المحامي إلى إطعام الأصبع للكلب الشرس. تحت شعار «يجب أن أحافظ على مهنتي وزواجي وابنتي»، دون الاهتمام بنفسه، فإن ضغوطاتنا اليومية تدمر جهازنا العاطفي، دون شعور منا، كما هو الحال مع المحققة التي تلاحق المحامي وتنسى ابنتها التي تحتاج منها كامل الرعاية، وأيضا المحقق الذي يحتاج للارتباط العاطفي وقتل من أجل ذلك. فالتأمل الذهني هو ممارسة التوازن العاطفي، حتى في خضم الفوضى الهوجاء التي تحدث فجأة، وتؤثر على مسارات الحياة. فهل يريد الكاتب القول إننا جميعا نمتلك القوة في مواجهة المصاعب إن استطعنا التركيز على مفهوم الوعي؟
٭ كاتبة لبنانية