أقلام نقدية تكتب عن الأفلام بماء الكحول  

الامة برس-متابعات:
2024-03-16

 

كيف نشاهد الأفلام ونقيّمها عبدالرحيم الشافعي- يلعب النقد السينمائي دورا حيويا في تقييم الأفلام وتوجيه الجمهور نحو الأعمال الفنية الجديرة بالمشاهدة، ومع تطور الزمن وتنامي صناعة السينما وانتشارها عالميا، ظهرت أصوات نقاد سينمائيين يهاجمون صناع الافلام في شخصهم، وهذا لعدة أسباب من بينها عدم نجاحهم في تحقيق أحلامهم بأن يصبحوا مخرجين.

وبعض النقاد السينمائيين المغاربة يرتدون قناع مذهب مزيف يحمل عنوان سينما المؤلف، إذ ينظرون إلى صناع الأفلام بعين الغيرة والاستياء، حيث يغلف بعضهم مقالاته بأن هناك أفلاما تجارية تفضل الأفكار الهزلية على القيم الفنية، وتميل إلى دعم الأفلام التجارية التي تحقق الأرباح الضخمة على حساب الأفلام الفنية ذات القيمة الفنية العالية، أي “نظرية الفن من أجل الفن”، ولا توجد صناعة للفن دون مال، يعرفون هذا في قرارات أنفسهم، وهذا يؤدي إلى انتقادهم للأفلام الناجحة تجاريا وتقديمها بأنها فشلت في تقديم مضمون فني أصيل، والأصيل لا يقف عائقا في طريق نجاح الغير.

فبعض النقاد السينمائيين الذين فشلوا في تحقيق طموحاتهم كمخرجين، يرون أن السينما المغربية فاشلة وتفضل الحفاظ على نفس الوجوه القائمة وتقديم الفرص للأشخاص المعروفين أو المواهب الشابة الموجودة داخل المجال الفني، مما يجعل من الصعب على المبتدئين أو الخارجين عن دائرة المعارف الوصول إلى فرص للظهور، وهذه حجة ظاهرها الفن من أجل الفن، وباطنها  في الحقيقة أنهم فشلوا في أن يصبحوا ممثلين أو تقنيين.

ومع ذلك، يجب أن نفهم أن آراء هؤلاء النقاد تعبر عن وجهة نظرهم الشخصية وقد تكون متأثرة بتجاربهم الشخصية ومعاناتهم النفسية، فالنقاد السينمائيون المحترفون يسعون دائما لتقديم تقييمات موضوعية ونقد بنّاء يساهم في تشجيع وتطوير صناعة السينما بدلا من الهجوم على صناعها فقط لأنهم أنتجوا أعمالهم.

أكاد أشعر بمقت لا ينطفئ إزاء كل شكل من أشكال النقد السينمائي الهدام، الذي يتعرض له صناع الأفلام في شخصهم بدلا من أعمالهم الفنية، فهي تبدو لي أكثر أنواع الأقلام انتشارًا في النقد السينمائي المغربي، ونستثني منهم أصحاب منهج تحليل الأفلام الأكاديمي طبعًا، فهم عقول تسبح بين سطور الكتب، لا يتسولون المركز السينمائي، ولا غرفة فندق مكيفة ومجهزة، بل يكتبون بأقلام العلم والمعرفة والنقد البناء، وهؤلاء قلة.

حينها أتذكر الظلم الفظيع الذي ارتكبه أحد نقاد السينما المغربية قبل ثلاث سنوات في مهرجان طنجة، يوم بدأت عروض أفلام المسابقة، في حق مخرج شاب باع سيارته من أجل أن ينتج فيلمه، علق الناقد على حسابه الشخصي “من سمح بمرور هذه التفاهة؟”، ثم بدأ في مهاجمة صانع الفيلم بدل تفكيك خبايا فيلمه دون رحمة، والأحق هنا أن اللجنة التي اختارت الأفلام كانت هي المعنية الأولى بتدوينة الناقد، فربما هذا الأخير كان يريد أن يكون ضمن لجنة التحكيم، فلم يجد وسيلة ولم يفلح في ذلك، فاستغل فيلمًا من أفلام الشباب الطموح لممارسة نقده الهدام.

ومعلوم أن هذه الأقلام السامة لها من يحركها وفقًا لمبدأ “قهوتك على حسابي”. وما يحصل هو أن النقد السينمائي في المغرب يشبه المذهب الفقهي، حيث يقول فقهاء المهرجان الذين يطبلون من أجل السفريات والولائم كلمتهم، أو مثل سائق الشاحنة ذي الشارب الملتوي الذي يأمر مساعده بفتح النافذة أو غلقها، أي نحن من نقرر من هو المخرج الناجح ومن هو المخرج الفاشل.

وفي الحقيقة، لا يوجد مخرج فاشل أو ناجح طالما يقومون بأعمال يحبونها أولا، ويعيشون منها بعرق جبينهم ثانيا، ثم إن في معايير النقد لا يوجد فيلم فاشل تمامًا ولا ناجح تمامًا، لأن صناعة الأفلام تحتوي على الكثير من المهن، منها كاتب السيناريو والمنتج والمونتير وفنان الأزياء والإضاءة والمكياج وفن الديكور، بالإضافة إلى أداء الممثلين، وغيرها من المهن التقنية والفنية التي تكمل الفيلم، فمن التحامل على صناع الأفلام أن يتم التغافل عن الفضل الذي تقوم به جميع هذه الحرف.

وما يحصل في الحقيقة هو أن تلك الأقلام أغلبيتهم زملاء يشكلون مجموعة تعمل على الاستفادة من الإقامة التي يوفرها لهم المركز السينمائي أيام المهرجان مقابل كتابات مغلفة بالنقد، تحمل في طياتها تطبيلا للأصدقاء والأقربين، وكسرًا لمن يشكلون عائقًا أمامهم، يتهجمون على مواضيع زائفة في شخص كل صانع فيلم ليس منهم، عجزًا منهم عن تناول المواضيع الحقيقية الخاصة بتحليل الأعمال الفنية.

كان حلم أحد النقاد أن يصبح مخرج أفلام، فاكتشف أنه لا يجيد حمل الكاميرا ولا يعرف عنها شيئا، كما أنه لم يشتغل يوما في أيّ مهنة من المهن السينمائية، فأخذته العزة بالإثم، لم يعش الحياة المتألقة التي نقرأ عنها في صفحات المجلات الهوليوودية، فهذه الأخيرة لا نراها إلا في الأفلام أو في حياة خاصة لرواد هوليوود العظماء. فأخذ يكتب مادحا مدير ذاك المهرجان وذاما غيره وهكذا دواليك من انفعالات.

ما أكثر ما نبحث عن الهدم بدلاً من البناء، نبحث عن أهداف نهاجمها، فقط كي يكون لدينا شيء نهاجمه، متناسين التعب والجهد الذي يقدمه ذلك المخرج الذي باع سيارته من أجل انتاج فيلمه، ولا ذلك الممثل الذي ضحى بوظيفته من أجل فنه، ولا ذلك المنتج الذي رهن عقاره من أجل شراء آلات التصوير.

طرح يوماً مساعد مخرج سؤالاً على مخرج مخضرم أثناء فترة راحة بين التصوير “هل يجب أن نأخذ برأي نقاد الأفلام من فقهاء المهرجانات الذين تجاوزت أعمارهم الستين؟”.

فأجاب المخرج “اثنان لا يؤخذ عنهم العلم والمعرفة، فقيه يجول بين المهرجان ويفتي بمخرج سيدخل الجنة ومخرج سيدخل النار، ومخمور يسب العالم لا لسبب سوى قنينة خمرة نفدت، وزوجة خانته”.

يمكن للإنسان أن يخدع العالم بالصفة التي نسبها إلى نفسه كناقد، ولكنه في قراراته الشخصية مهزوم. ويبدو جليًا من كتابات هؤلاء أنها لا تؤمن بالحكمة القائلة “تصفية الحسابات من خلال أقلام المكر والخداع بالية، والنزاهة في نقد الأفلام سلعة غالية”.

*كاتب مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي