موقع بريطاني: المعارضة اليهودية تتحدّى إسرائيل.. قرن من النضال ضد التكتيكات القذرة

2024-03-01

تؤكد الاحتجاجات المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما كانت تخشاه الجماعات المؤيدة لإسرائيل على مدى العقدين الماضيين: وهو أن الدعم لإسرائيل يتضاءل بين اليهود الأمريكيين (أ ف ب)نشر موقع “ميدل ايست آي” البريطاني مقالة لجوزيف مسعد، أستاذ السياسة العربية الحديثة والتاريخ الفكري في جامعة كولومبيا في نيويورك، استعرض فيها مسيرة النشاط اليهودي المناهض لإسرائيل منذ زمن بعيد .

وبدأه بالإشارة إلى قيام مئات الأشخاص بالمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، خلال احتجاج نظموه في منهاتن، أمام مقر تابع للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، وهي أقوى مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في مكاتب أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين يتلقون تمويلًا من إيباك. ثم قامت شرطة نيويورك باعتقال 12 شخصاً من المحتجين الذين ينتمون إلى مجموعة ” الصوت اليهودي من أجل السلام” المناهضة للصهيونية، وكان هذا الاحتجاج هو الأحدث من بين عشرات الاحتجاجات اليهودية الأخرى ضد حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

ويضيف الكاتب أنه في نوفمبر/تشرين الثاني، احتل ناشطون يهود تمثال الحرية، مطالبين بوقف فوري لإطلاق النار، وهتفوا: “ليس باسمنا” (في إشارة إلى رفض أن تكون جرائم إسرائيل باسم اليهود ).

وتؤكد الاحتجاجات المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ما كانت تخشاه الجماعات المؤيدة لإسرائيل على مدى العقدين الماضيين: وهو أن الدعم لإسرائيل يتضاءل بين اليهود الأمريكيين.

ويشير كاتب المقال الدكتور جوزيف مسعد إلى استطلاع أجراه المعهد الانتخابي اليهودي في شهري يونيوـ حزيران ويوليو – تموز عام 2021 يفيد بأن 22% من اليهود يعتقدون أن إسرائيل “ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين”، بينما وافق 25% على أن “إسرائيل دولة فصل عنصري”، و34% يعتقدون أن “معاملة إسرائيل للفلسطينيين تشبه العنصرية في الولايات المتحدة”.

ومن بين الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، يعتقد 33% منهم أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين. واللافت أنه تم جمع هذه الأرقام قبل عامين من الإبادة الجماعية الحالية.

ويشير الكاتب أيضاً إلى أن جماعة يهودية تدعى تسيدك، تأسست عام 2015، قد وصفت نفسها في البداية بأنها “غير صهيونية” لكنها أعادت تعريف نفسها لاحقًا على أنها “معادية للصهيونية”.

وتشير آراء الغالبية من الشباب في مثل هذه المنظمات أيضًا إلى تحول في الأجيال داخل يهود الولايات المتحدة.

ويقول: “اليهود الأمريكيون الذين يعارضون الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ليسوا وحدهم، فقد نشطت المنظمات اليهودية البريطانية في المظاهرات الحاشدة التي جرت في المملكة المتحدة، منذ أكتوبر/تشرين الأول. ومن بين هذه المنظمات “الصوت اليهودي من أجل العمل”، والشبكة اليهودية من أجل فلسطين، والتي تظاهر أعضاؤها أيضًا تحت لافتات مثل “ليس باسمنا”. كما نشطت المجموعة اليهودية البريطانية المسماة “ ناعامود “ في معارضة الاحتلال الإسرائيلي والفصل العنصري، وشاركت في تنظيم المظاهرات والوقفات الاحتجاجية لدعم الفلسطينيين أيضاً.

وفي فرنسا نشط عشرات من الشخصيات اليهودية البارزة في معارضة الإبادة الجماعية المستمرة، داعين إلى وقف إطلاق النار، وأيضاً إنهاء احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة .

ويعتبر كاتب المقال أن هذا كله ليس تطوراً جديداً في فرنسا، ففي عام 2018، طالب الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام بمقاطعة كاملة لإسرائيل، على الرغم من الجهود التي تبذلها فرنسا لحظر مثل هذه المقاطعة، ونتيجة لذلك، فقدت المجموعة التمويل الحكومي، بعدما ظلت ناشطة في تنظيم المسيرات ضد الإبادة.

وفي ألمانيا، كان النشطاء اليهود، بمن فيهم الفنانون والكتاب والمهنيون، ومنظمات مثل جويش ستيمي، في طليعة معارضي الهجوم الإسرائيلي وإدانة حملة القمع التي تشنها الدولة الألمانية على منتقدي إسرائيل واتخاذها للمجتمعات الإسلامية والعربية في ألمانيا ككبش فداء.

ويوضح الكاتب: “كان اليهود الأوروبيون والأمريكيون في طليعة المعارضين للصهيونية منذ ولادتها كحركة استعمارية في نهاية القرن التاسع عشر. ففي أغسطس 1897، سعى ثيودور هرتزل إلى عقد المؤتمر الصهيوني الأول في ميونيخ، لكن عدداً كبيراً من الحاخامات الأرثوذكس والإصلاحيين قاموا بطرده مع منظمته من ميونيخ، واضطر إلى عقد المؤتمر عبر الحدود في بازل السويسرية، حيث شنّ حملة على الحاخامات المناهضين للصهيونية ووصفهم بـ “الحاخامات الاحتجاجيين”.

كذلك، وبعد ستة أسابيع من تأسيس المنظمة الصهيونية، شكّل اليهود الروس “البوند” (الاتحاد العام للعمال اليهود في ليتوانيا وبولندا وروسيا) وعارضوا الصهيونية بشدة وسخروا منها. وحافظ البوند على هذا الموقف حتى تم محو أعضائه من الوجود خلال الحرب العالمية الثانية في جمر غرف الغاز ومحارق الجثث في ألمانيا النازية. هذا عدا عن الشيوعيين اليهود من أوروبا الشرقية والسوفيات الذين أدانوا الصهيونية بشكل مباشر.

وقبل وبعد قيام اللورد آرثر بلفور، وزير الخارجية البروتستانتي الإنجيلي البريطاني، بإعلانه المشين (وعد بلفور) في نوفمبر 1917، عارضت الشخصيات والمنظمات اليهودية البريطانية الكبرى، خطته بحزم.

وصرح اللورد إدوين مونتاغو، وزير الخارجية السابق لشؤون الهند، والعضو اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية، في ذلك الوقت، قائلاً: “طوال حياتي كنت أحاول الخروج من الحي اليهودي. وأنت تريد أن تجبرني على العودة إلى هناك”.

كما احتج القادة اليهود البريطانيون أيضاً على ما اعتبروه سياسة بريطانية مؤيدة للصهيونية ومعادية للسامية، وكان من بينهم السير فيليب ماغنوس، عضو البرلمان، وكلود جي مونتيفيوري، وهو يهودي بريطاني بارز، وابن شقيق السير موسى مونتيفيوري.

وشغل مونتيفيوري الأصغر، الذي أسس “اليهودية الليبرالية” البريطانية، منصب رئيس الجمعية الأنغلو يهودية، وأسس “رابطة اليهود البريطانيين” المناهضة للصهيونية، في عام 1918.

ومن بين اليهود البارزين المناهضين للصهيونية الذين عارضوا وعد بلفور الصحفي اليهودي لوسيان وولف، وهو رئيس آخر للجمعية الأنغلو يهودية، والسير ليونارد ليونيل كوهين، المصرفي ورئيس جمعية البناء اليهودي.

وكتب مجلس نواب اليهود البريطانيين والجمعية الأنغلو-يهودية، وهما أهم منظمتين يهوديتين بريطانيتين في ذلك الوقت، رسالة نشرتها صحيفة التايمز، جاء فيها أن “إنشاء قومية يهودية في فلسطين يقوم على نظرية التشرد اليهودي هذه، وسيكون لها تأثير في جميع أنحاء العالم في جعل اليهود غرباء في أوطانهم الأصلية، وتقويض وضعهم الذي حصلوا عليه بشق الأنفس كمواطنين في تلك الأراضي”.

وفي الولايات المتحدة، ثار يهود أمريكيون بارزون عندما صادق الرئيس العنصري المناهض للسود والأمريكيين الأصليين ويلسون على وعد بلفور. وفي وقت مبكر من عام 1919، أرسل يوليوس كان، عضو الكونغرس اليهودي من سان فرانسيسكو، بيانًا أيده 299 يهوديًا من الحاخامات والعلمانيين، إلى ويلسون. ويعتبر البيان بمثابة الوثيقة التي أدانت الصهاينة لمحاولتهم عزل اليهود وعكس الاتجاه التاريخي نحو التحرر، واعترضت على إنشاء دولة يهودية واضحة في فلسطين باعتبارها تتعارض مع “مبادئ الديمقراطية”.

كما أدان جيمس ن . روزنبرغ، من اللجنة اليهودية الأمريكية، الخطط الصهيونية لإقامة دولة يهودية حصرية، ووصفها بأنها غير ديمقراطية. وفي مقال يدحض الحجج الصهيونية، اعترض على إلغاء حقوق غير اليهود نتيجة قيام الدولة اليهودية.

في عام 1944، صرح ليسينغ روزنوالد، رئيس المجلس الأمريكي اليهودي: “إن مفهوم الدولة العنصرية- المفهوم الهتلري- بغيض للعالم المتحضر، كما تشهد على ذلك الحرب العالمية المخيفة التي نحن منخرطون فيها.. نحث على عدم القيام بأي شيء يعيدنا إلى طريق الماضي. إن تصور إنشاء دولة يهودية، أو كومنولث في هذا الوقت، هو إطلاق ابتكار في الشؤون العالمية قد يكون له عواقب لا تحصى”.

ومن بين اليهود الألمان، نشر الفيلسوف هيرمان كوهين عام 1915 كتاباً حمل عنوان ” الألمانية واليهودية “الذي عارض فيه المشروع الصهيوني، معتبراً أن اليهود لا يحتاجون إلى وطن لأنهم جزء لا يتجزأ من أوروبا.

ويوضح الكاتب أن اليهودي النمساوي سيغموند فرويد رفض التوقيع على عريضة تؤيد استيطان اليهود في فلسطين، قائلاً: “لا أستطيع… لا أعتقد أن فلسطين يمكن أن تصبح دولة يهودية في يوم من الأيام… كان من الممكن أن يبدو الأمر أكثر منطقية بالنسبة لي لإقامة وطن لليهود، لكن على أرض أقل ثقلاً من الناحية التاريخية. وفي مواجهة محاولة الصهاينة تحويل حائط المبكى إلى المكان المقدس الأكثر مركزية بالنسبة لليهود، والذي لم يكن كذلك قبل الاستعمار الصهيوني، أضاف فرويد: “لا أستطيع أن أتعاطف على الإطلاق مع المحاولة الخاطئة التي تحول قطعة من جدار هيروديان إلى أثر وطني، ما يسيء إلى مشاعر السكان الأصليين”.

في عام 1939، في ذروة الثورة الفلسطينية الكبرى، وقيام فرق الموت الصهيونية لقمع الفلسطينيين، كتب ألبيرت أنشتاين: “لا يمكن أن تكون هناك كارثة أكبر من الخلاف الدائم بيننا وبين الشعب العربي.. يجب علينا أن نسعى جاهدين من أجل تسوية عادلة ودائمة مع الشعب العربي.. دعونا نتذكر أنه في العصور الماضية، لم يكن هناك شعب عاش في صداقة أكبر معنا، من أسلاف هؤلاء العرب”.

كما بدا أن اليهود الفرنسيين كانوا محصنين ضد إغراء الصهيونية. حتى وصفهم هرتزل في مذكراته بطريقة الاحتقار والمعادية للسامية فقال: “لقد ألقيت نظرة على يهود باريس، ورأيت تشابهًا عائليًا في وجوههم: أنوف جريئة مشوّهة، وعيون ماكرة “. لقد شعر هرتزل بالرعب من وطنية اليهود الفرنسيين، الأمر الذي جعلهم أكثر نفورًا من الصهيونية.

حتى أن العديد من اليهود الحسيديين لم يستطيعوا التسامح مع الصهيونية. وبعيداً عن طائفة ناطوري كارتا الصغيرة، التي تعارض الصهيونية بكل إخلاص ونضال، فإن أكبر طائفة حسيدية في الولايات المتحدة تضم حوالي 100 ألف يهودي، وهي طائفة “ساتمار”، تعارض الصهيونية على أساس المبادئ الدينية والإنسانية.

ومثل اليهود المناهضين للصهيونية في الوقت الحاضر، وهم أقلية متنامية في المجتمعات اليهودية، كان غالبية اليهود في أوروبا والولايات المتحدة يعارضون الصهيونية في أيامها الأولى. ومع ذلك، فإن الكشف عن المحرقة النازية، دفع في النهاية العديد من اليهود إلى النظر نحو الصهيونية كعلاج محتمل لمعاداة السامية.

ولذلك يستغل الصهاينة المحرقة إلى أقصى حدّ لتعزيز قضيتهم، حتى أنهم وصفوا اليهود الذين وقفوا ضد إسرائيل بعد حرب عام 1967 بأنهم “كارهون لأنفسهم”، كما كان الحال مع المثقفين اليهود، مثل نعوم تشومسكي وإيف ستون، ولا تزال حملات التشهير والهجمات الصهيونية على اليهود الذين يعارضون إسرائيل وفظائعها مستمرة حتى اليوم.

ويختم الكاتب أنه اليوم، أصبح اليهود المناهضون للصهيونية في كل مكان، ولا تخيفهم تكتيكات إسرائيل القذرة، أو تكتيكات أنصارها في الولايات المتحدة، بما في ذلك التشهير، والاتهام بمعاداة السامية، أو كراهية الذات. وإذا كانت الاحتجاجات المستمرة تمثل أي مؤشر، فلا يمكن، ولن يتم إسكات اليهود المناهضين للصهيونية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي