وجع الخلاص من الإدمان في رواية «جرعة زائدة»

2024-02-23

موسى إبراهيم أبو رياش

المخدرات من الأسلحة الخطيرة التي تجعل بعض المجتمعات تدمر نفسها بنفسها، على يد تجار الموت وأعداء الحياة، من عصابات الربح الفاحش السريع بأي وسيلة كانت، والتي تستغل آلام الناس ومعاناتهم؛ لتخدعهم وتعطيهم حلا سحريًا يخرجهم من أزماتهم، وينقلهم إلى عوالم جميلة حالمة تنسيهم -مؤقتًا- واقعهم البائس وظروفهم القاسية. وهناك بالطبع أناس يتعاطون المخدرات من باب الترف والتجريب، خاصة عندما يكون تعاطي المخدرات من طقوس الطبقات المترفة؛ لتصنع لنفسها أجواء خاصة، وتمارس ما يحلو لها بعيدًا عن كل خلق ودين وإنسانية.

الأمر الخطير في المخدرات هو الإدمان، فعندما يتعاطى الإنسان أول مرة، ويشعر بالفرق، وسرعة التأثير والتغيير، يجرب مرة ثانية وثالثة، وهكذا يصبح مدمنًا، وحتى لو أدرك الهاوية التي وقع فيها، فليس من السهل ترك المخدرات والكف عنها، فالترك بحاجة إلى إرادة حديدية، وبرنامج علاجي، وتعاضد أسري مجتمعي، ليعود للحياة السوية من جديد.

وتشكل مرحلة الفتيان والشباب الصغار (المراهقة) سوقًا مستهدفة لمروجي المخدرات بأشكالها المختلفة؛ لسهولة خداعها واستغلالها وتزيين الأمر لها. فهذه المرحلة تبحث عن المختلف، وتسعى للتمرد، ورفض النصائح والإرشادات، وترفض نتائج تجارب غيرها وخبرتهم في الحياة، وتفضل أن تجرب بنفسها. كما أنَّ مروجي المخدرات يستغلون ما يمر به الشباب في هذه المرحلة من أزمات ومشكلات وقلق وتأرجح، فيقدمون لهم الحل السحري السريع، وربما مجانًا في المرة الأولى.

كل ما سبق وغيره تتناوله رواية «جرعة زائدة» لهيا صالح الموجهة للفتيان، تأكيدًا على دور الأدب في التوعية والتنوير والتحذير من المخاطر التي تهدد الفتيان وأسرهم، وتسلط الضوء على آثار المخدرات الخطيرة، وترسم خارطة الطريق للتخلص من الإدمان وسموم المخدرات، والعودة إلى الحياة النظيفة.

صدرت الرواية عام 2022 في 130 صفحة، توزعت على 24 فصلا (عنوانًا فرعيًا). وتتناول رحلة الفتى «مجدي» كما يرويها مع المخدرات، وكيف تعاطاها أول مرة عن طريق زميل مدرسة على أنها منشط لينقذه من ورطته قبيل مباراة كرة قدم مصيرية له، ومن ثم إدمانه، وهروبه من البيت، والتحاقه بشلة مدمنة، وعندما عاش معهم ورأى حالهم، وأوضاعهم المزرية، والأخطار التي تحيق بهم، والأسوأ الذي يمكن أن يحدث، راجع حساباته، وعزم على التوقف، لكن القرار الحازم لم يتخذ إلا بعد أن وجد حوله من ساعده وأخذ بيده من أصدقاء وزملاء وأخت محبة، ووالدين عطوفين متفهمين، فعرف أنه أخطأ، واقترف جرمًا عظيمًا، فعاد إلى أسرته التي احتضنته بحب، واجتمع بزملائه الذين ساندوه، وساهم في القبض على المروجين وتسليمهم للعدالة.

الفتى «مجدي» كان طالبًا مجدًا ورياضيًا متفوقًا ومنظمًا يخطط لمستقبله، لكن هذا لم يحمه من الوقوع في براثن زملاء السوء، وهذا تحذير لكل فتى وفتاة؛ أن لا يكون صيدًا سهلا لمروجي المخدرات، فقد يكون هؤلاء من الزملاء، الذي يقدمون لهم خدمات ملغومة، لا يدركون خطورتها إلا بعد فوات الأوان، و«الصاحب ساحب» كما يقولون، وعليهم أن لا يثقوا بأحد إلا بعد تجربته واختباره والتقصي عنه.

تشير الرواية إلى أهمية العلاقات الأسرية القوية الدافئة في الوقاية من الوقوع في إدمان المخدرات، فأسرة «مجدي» على الرغم من محبتهم المتبادلة، إلا أنَّ لكل منهم عالمه الخاص، يقول والد «مجدي» يخاطبه في رسالة إلكترونية: «كلنا مدمنون مثلك بطريقة أو أخرى؛ أنا مدمن على العمل المنهك، وأمك على الشاشة وبرامج الطهي، و«ياسمين» على الأجهزة الذكية» ولذا لم يجد «مجدي» صعوبة أن يدخن ويتعاطى المخدرات بعيدًا عن أعين الأسرة المشغولة أصلا عن بعضها بعضًا، والملاحظ أيضًا أنَّ «مجدي» كان يطلب نقودًا لشراء المخدرات مستخدمًا أسبابًا كاذبة، فكانت أمه تعطيه دون أن تسأله أو تتحقق من صدقه.

وتبين الرواية أثر الرواسب الطفولية على شخصية «مجدي» وخوفه وقلقه الدائم من أشياء كثيرة، بسبب حريق تعرض له بيتهم وعمره خمس سنوات، لكن مخاوفه هذه لم تجد من يبددها أو يعالجها، ولم يصارح أحدًا بها. كما أشارت الرواية إلى تأثير النكتة السلبي، وضربت على ذلك مثالا من النكت على «المحششين» مما جعل «مجدي» يبحث عن معنى كلمة «محشش» فقادته إلى كلمة «الحشيش» كنوع من «المهدئات» فعزم على تجربتها عندما يكبر. وهذا يؤكد على دور الإنترنت والصحافة والإعلام في الترويج والدعاية سلبًا وإيجابًا دون رقابة أو حماية للأطفال.

يصف «مجدي» شلته من المدمنين: «النظرات المتلصصة التي تطل من محاجر مرهقة تحيطها الهالات الزرقاء، والعيون المنتفخة، والأنوف التي لا تتوقف عن السيلان» ويعترف بضعفه: «في لحظة صافية، خطر لي أنَّ طريق الإدمان أوضح بكثير مما يعتقد أي أحد، ورغم هذا الوضوح في البؤس لا يمكنك التوقف… الإدمان ليس سوى ضعف وجبن وهزيمة» ويتساءل: «كيف دخلت إلى هذا النفق؟! كيف عبرت باب هذا العالم الأسود؟!».

يرفض «مجدي» دخول مركز العلاج من الإدمان، خوفًا على سمعة أسرته، ويقوم بمعالجة نفسه بنفسه في محاولة خطرة كادت تهلكه، لولا أنَّه وجد من نقله إلى المستشفى وأخبر أسرته، فشفي، وعاد إلى أسرته، وإلى أخته وتوأمه «ياسمين» التي تعاني من مرض السرطان، وبحاجة إليه للتبرع بالخلايا الجذعية، فتم المراد، وبعد أسابيع أكد الفحص تعافي «ياسمين» تمامًا، فغمرتها السعادة، يقول «مجدي»: «انهمرت دموع «ياسمين» وهي تضع كفها في كفي ثم قالت:

– هل تعرف يا «مجدي»؛ أشعر كما لو أننا خرجنا مجددًا من الرحم نفسه.

– هذا ما كنت أفكر به أيضًا.

– كأننا ولدنا معًا من جديد.

هززت رأسي وأنا أتمتم والابتسامة تملأ وجهي:

– كأننا مُنحنا جرعة زائدة… لكنها جرعة زائدة من الحياة».

وهي في الحقيقة حياة جديدة، فالشفاء من الإدمان ولادة جديدة، والشفاء من السرطان تجدد للحياة.

وقد قدمت رواية «جرعة زائدة» للروائية والناقدة الأردنية هيا صالح مرافعة سردية متكاملة لجميع مراحل تعاطي المخدرات وإدمانها، ومن ثم محاولة الإقلاع عنها والخلاص التام منها؛ مبينة الأسباب والعوامل والخلفيات منذ مرحلة الطفولة، ودور الأسرة ورفاق السوء في ذلك، وأهمية الإرادة والعزم والتصميم في الخلاص، وعظيم دور مَنْ هم حول المدمن ليأخذوا بيده ويؤازروه ويدعموه ليحقق مسعاه في التطهر من المخدرات، والنجاة من دركها ونهايتها المظلمة. وهي رواية كتبت للفتيان، لكنها تصلح للجميع.

كاتب أردني








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي