العراقي هيثم فتح الله يرصد تجربة الفوتوغرافي أنور الدرويش

2024-01-25

مروان ياسين الدليمي

قدَّم الباحث هيثم فتح الله عزيزة، قراءة نقدية مهمة في كتابه الذي حمل عنوان «الفوتوغرافي أنور الدرويش عين حاذقة وفكر متقد» صدر نهاية عام 2023 عن دار الأديب في عمّان، وقد ركز فيها على تفكيك سلطة الشكل الفني في الصورة الفوتوغرافية، معتمدا نهجا أكاديميا في دراسة تجربة أنور درويش، مبتعدا بذلك عن الاحتكام إلى الانطباعات الشخصية، فكان خياره التحليل الموضوعي، استنادا إلى ما يمتلكه من خزين معرفي في الجانب التقني، وخبرة واسعة في ميدان التصوير الاحترافي، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، إضافة إلى قوة أدواته النقدية في قراءة عناصر اللوحة الفنية، دون الاتكاء على افتراضات وانحيازات مسبقة، فجاء الكتاب ثرياً بمادته النظرية، وبالنماذج التطبيقية التي عاينها ببصيرته النقدية الفطنة، مقتنصا بجهد فكري عال ما تكشفه حساسية العين الثالثة للفنان درويش، وما تشي به لوحاته من رؤى وهو يرصد الواقع بموضوعاته المختلفة.

أهمية الكتاب

يأتي هذا الإصدار الفخم والأنيق شكلا ومضمونا، والذي يتوزع على (248) صفحة، ليكون مرجعا، لا بد للباحثين في الشأن الفوتوغرافي العراقي أن يستعينوا به، أولا لأنه توفر على مادة نقدية كتبها المؤلف فتح الله، الذي يعد أبرز فنان عراقي محترف ومتخصص بفن الفوتوغراف، قبل أن يكون باحثا وناقدا، والأمر الثاني ما حفل به هذا الإصدار من لوحات فوتوغرافية عديدة للفنان درويش.

في مقدمة الكتاب يطرح المؤلف مجموعة أسئلة يجدها تتبادر إلى ذهنه، كلما وجد صورة معبرة أو جميلة، أو ذات بعد فكري، أو اجتماعي، أو سياسي أو تاريخي: لماذا نصور؟ هل نصور من أجل إيقاف الزمن؟ هل نصور من أجل توثيق الحدث؟ هل نصور من أجل جمال المنظور بالصورة؟ هل نصور من أجل إشباع رغبة الهواية؟

ويرى فتح الله في معرض إجابته عن الأسئلة بأن الصورة ما أن تظهر للعلن مرئية من قبل الجميع، تصبح رسالة، كما هي وسيلة تبادل ثقافي بصري. تأتي هذه المقدمة تمهيدا لما يود أن يعبر عنه من قناعة بأن «أنوردرويش يمتلك رؤية فوتوغرافية تتضافر فيها المواضيع الإنسانية والحياتية العملية بتقنية فنية عالية، سواء باستخدام خفايا الكاميرا، أو التلاعب بالظل والضوء، أو النور والعتمة، لتمنحنا رؤية فيها من الحس الفني والابداع اللوني، ما يستدعينا القيام بتحليل عميق لكل زاوية من زوايا منظوره الفوتوغرافي».

منهج القراءة

وفي إطار قراءته لأعمال درويش عمل فتح الله على تقسيمها حسب التقنية المستخدمة في إنتاج الصورة إلى أربعة أقسام: 1- التصوير بالأسود والأبيض. 2- التصوير باعتماد العتمة والنور. 3- التصوير الملون. 4- فنتازيا الفوتوغراف. وقد ارتأى أن يتناول من كل قسم نماذج معينة من اللوحات، ليكشف من خلالها عن أسلوب الفنان، وما تضمره كل صورة في شكلانيتها الظاهرة من مكونات تقنية ودلالات.

الأسود والأبيض

في قسم «الأسود والأبيض» لاحظ فتح الله أن إمكانية درويش تظهر في التسجيل الواقعي للأشياء، بعيدا عن مسمياتها المعروفة، في نطاق كادر يعمق الفكرة ويظهر التنافر بين الأسود والأبيض، وما بينهما من ظلال حتى على حساب التفاصيل الكثيرة الموجودة داخل إطار الصورة، مؤكدا أنه يتعمد إقحام الإنسان في مواضيع صوره عندما تخلو من الحياة، فيشعر بها ناقصة دون وجود كائن حي.

العتمة والنور

في القسم الذي يتناول»العتمة والنور» يرى المؤلف أن درويش يضع هذه المعادلة أمامه وهو يصور الأشياء، محاولا إبراز الثيمة الرئيسية لموضوع الصورة، بالتركيز على شعاع النور الساقط على الأشياء لانتشالها من هالة العتمة المحيطة بها. مشيدا بنجاحه في تطبيق معادلة النور والعتمة بدقة عالية، مختزلا بذلك ألوان الطبيعة قدر الإمكان، لكي يجلب الانتباه إلى اللون الأساسي، ويولي أهمية للتركيز على بؤرة الصورة.

الرؤية اللونية

وفي قسم»الرؤية اللونية»يعرض لنا الكتاب قوة تباين اللون من خلال الظل الحاد والضوء الساطع، ففي كثير من الأحيان يعطي درويش مساحة كبيرة للظلال ويكسر حدتها بلون واحد، يُظهر فيه صفاء ونقاء الطبيعة، ما يجعل الصورة تبهر عين المتلقي بألوان مغايرة لما تراه في الواقع، محققا بذلك مفهوم الدهشة والصدمة والانبهار، خاصة عندما يركز على لون بارز ونافر يوجد في بؤرة الصورة ليثير الفضول والجدل. أما في الصورة التي تخلو من الظلال الحادة، فيضيف فتح الله، غالبا ما تُعنى بالتوثيق العمراني أو التاريخي للموضوع، فيتعمد درويش إبراز تعريات الزمن على عناصر المشهد، مظهرا قوة التكوين، الذي يمنحها حسا جماليا، ومقدما صورة مجسمة يظهر فيها البعد الثالث (الوهمي) نتيجة اختيار زاوية المنظور في الوقت والمكان المثالي لتوثيق اللحظة، مؤكدا أن عينه لها ميزة التقاط الصورة بمخيلته قبل أن يسجلها على السطح الحساس للكاميرا.

فنتازيا الفوتوغراف

أما في معرض تناوله «فنتازيا الفوتوغراف» فيتطرق فتح الله إلى أن الإنتاج الفوتوغرافي قد يذهب إلى أشياء موجودة في فضاء الطبيعة، لكنها مهملة وغير لافتة للنظر، ما يستدعي من المصور أن يكون ذا خيال واسع، ومنتبها لمثل هذه الظواهر التي تشكل في بعض الأحيان جزئيات صغيرة من المشهد العام، أو تفصيلا معينا لقطعة جامدة فيها لون أو تكوين، يمكن للمصور أن يضعها في رؤية تحتوي على حكاية غريبة وغير متجانسة مع الواقع الفعلي الذي نشهده باستمرار، وهذا الفهم والاشتغال يجده حاضرا في بعض أعمال درويش طالما هو مشغول باقتناص اللقطة المغايرة للواقع. ويصل في قراءته لهذا المحور من اهتمامات درويش إلى أنه يعبر عن مدى الخيال الواسع الذي يملكه، سعيا لإيجاد لقطة مؤثرة ومتناقضة، وفي الوقت نفسه تجلب نظر المتلقي وتجعله يفكر بجميع جزئيات الصورة، حتى إن كانت بسيطة. ومحصلة بحثه في هذا المحور يتوصل إلى أن تأثر درويش واهتمامه بفن الرسم التشكيلي، كان قد دفعه للبحث عن منظور غريب وقريب من التشكيل الفوتوغرافي، بدلا من تقديم صور فوتوغرافية مباشرة وعادية، يمكن لكل من يحمل كاميرا أن يلتقط مثلها، وبهذا تميَّز عن زملائه بتقديم مجموعة فوتوغرافية ذات أسلوب فني تعرّفُ بشخصيته وأسلوبه.

يختتم قراءته بالقول، «إن أنور الدرويش واحد من مبدعي الفوتوغراف الفني في مدينته الموصل، أمَّا على مستوى مصوري العراق فهو واحد من المصورين المبدعين والمتميزين بين أقرانه اليوم».

نبذة عن المؤلف

هيثم فتح الله مواليد مدينة الموصل 1955، حاصل على شهادة بكالوريوس علوم في الجامعة المستنصرية في بغداد، مدير عام شركة الأديب البغدادية من عام 1979 إلى 1992، مدير عام شركة مطابع الأديب في الأردن منذ عام 2004، عمل في المجال الصحافي من عام 1979 ولغاية 1989 كمصور رياضي مرافق للمنتخب العراقي لكرة القدم في جميع البطولات القارية، نال الجائزة الفضية عام 1988 لمسابقة منظمة الصحافيين الدولية، شغل منصب مدير تحرير جريدة «البعث الرياضي» عام 1989، أصدر عام 1992 كتابا متخصصا عن فن الصورة الصحافية، شغل منصب مدير عام جريدة «الزمان السياسي» 2003 – 2004، أسس جريدة «الزمان الرياضي» 2003، أسس جريدة «الأديب» الثقافية الأسبوعية عام 2003، أصدر عام 2010 موسوعة كرة القدم العراقية المصورة بثلاثة أجزاء بالتعاون مع الصحافي علي البدراوي، عام 2015 أعاد إنتاج كتاب تضمن صورا عن الحرب العالمية الأولى وباللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، أسس في عمَّان دار الأديب للصحافة والنشر، أصدر عام 2020 كتابا عن المصور الفوتوغرافي مراد الداغستاني، أصدر عام 2022 كتاب بعنوان «جاسم الزبيدي الثائر بعدسته». شارك في دورات وندوات فنية متخصصة بالطباعة والتصوير في ألمانيا وبلجيكا وإنكلترا وهولندا، أقام ثمانية معارض في قاعة الأورفلي في بغداد وعمان خلال الأعوام (85، 87، 89، 92، 2009، 2013، 2018) أقام عام 2015 معرضا بعنوان (لا للحرب) في المتحف الوطني للفنون الجميلة في عمّان، عضو لجنة تحكيم جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، يعمل حاليا على إصدار سلسلة كتب توثيقية ونقدية عن فناني الفوتوغراف في العراق.

كاتب عراقي








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي