«ذاكرة الأخطاء»… الحنين لزمن الكتابة ما قبل تحلل الصحف الورقية

2024-01-24

سليمان حاج إبراهيم

يثير كتاب الإعلامي الجزائري، العربي محمودي الجديد، شجون الكثيرين ممن عايشوا وعاصروا عهد الورق والإعلام المكتوب، ما قبل التحديات والتحولات التي فرضها حضور الصورة من بوابة الرقمية، وتحلل الكثير من المفاهيم في صناعة الصحافة عربياً ودولياً. وفي تقديمه للكتاب بعنوان «ذاكرة الأخطاء» الصادر عن دار الأمة من الحجم المتوسط، يعتبر الكاتب الجزائري المعروف بإمضاء المواطن علي رحالية، أن الكتاب يثير في القلب غصة، وحنيناً جارفاً، ورغبة في البكاء.. البكاء على ما ضاع.. والحنين للزمن الجميل.. لزمن الحرف والحبر.. زمن الكلمة.. زمن الكتابة وفن القص.. زمن الحكاية والقصة.

ويعتبر رحالية في تقديمه للمؤلف الصادر في الجزائر، «أنه في هذا الزمن الخانق والموبوء، يجد العربي محمودي فرصة وفسحة ولحظة شاردة، ليجلس أمام حاسوبه، و»يعصر» ذاكرته، ويختار كلماته بأسلوبه الهادئ، ليحكي لنا فصلاً من حكايته، وخطوات في مشواره، ودروساً من تجربته، باختصار ليروي لنا صفحات من حياته في عالم الصحافة. ويتساءل رحالية في تقديمه للكتاب، عن مصدر «الرغبة» لدى الكاتب، وذلك التفاؤل، في زمن «يتفه» فيه كل شيء، في زمن «تعفن» و«تحلل» فيه الإعلام بسبب فيروس «الترند» وفي زمن» اغتيلت» فيه مهنة الصحافة بطعنات غادرة سريعة ومتتالية، بضربات خنجر في الرأس والعنق والصدر، بيد «فيسبوك» وفي زمن «انتحرت» فيه الكلمة مشنوقة مثل الشاة بحبل «تيك توك».

ويعتبر كتاب العربي محمودي وهو كاتب ومعلق رياضي ومتابع للشأنين الثقافي والسياسي، رحلة تعيد الزمن إلى الوراء، وتنقل القارئ، لزمن الورق والصحيفة المكتوبة. ويشير الكاتب الجزائري الذي يوقع مقالاته باسم «المواطن» أنه توصل إلى نتيجة، وهي أنه في عالم الصحافة المكتوبة، هناك أربعة أنواع من الصحافيين، هناك الصحافي الذي من الأفضل أن تقرأ له، دون أن تراه أو تتعرف عليه، وهناك الصحافي الذي من الأفضل أن تراه وتتعرف إليه، دون أن تقرأ له، وهناك النوع الثالث، وهو الصحافي الذي من الأفضل ألا تقرأ له، وألا تراه أو تتعرف عليه، وأما النوع الرابع، وهو النوع «النادر» الدجاجة التي تبيض ذهباً.. وهو الصحافي الذي ستكون محظوظاً بأن تقرأ له، وأن تتعرف عليه. ويضيف في تقديم الكتاب، أن العربي محمودي ليس محمد حسنين هيكل، ولا عادل حمودة، ولا نبيه البرجي، ولا نصر الدين النشاشيبي، ولا سمير عطا الله، ولا بيار سالينجر، ولا توماس فريدمان، ولا جيل بيرو، ولا أريك رولو، ولا باتريك سيل، ولا روبرت فيسك، ولا سيمون هيرش، ولا بوب وودورد. لكن في اعتقاد المقدم لكتاب ذاكرة الأخطاء أن المؤلف كان يمكن أن يكون واحداً من هؤلاء، لو كانت له الفرصة والحظ، أن يولد في أرض خصبة.. لو زرع في تربة غنية بالحرية والعدل والمساواة في الفرص.

ويعتبر المواطن علي رحالية أنه بحكم متابعته لما يُكتب ويُنشر في الصحافة الجزائرية، وما تدفع به المطابع، ودور النشر إلى المكتبات، منذ أكثر من ثلاثين سنة، لم يقرأ لصحافي جزائري كتب يوماً كتاباً، يتحدث فيه عن تجربته، أو جزء منها في عالم الصحافة والكتابة، ويعتبر أن المؤلف الجديد للكاتب العربي محمودي، هو أول تجربة في هذا النوع من الكتابات في الجزائر. ومما يزيد في أهمية، ومتعة الكتاب، أنه مكتوب بلغة لا تفوح منها رائحة النرجسية والغرور والحسد والغيرة. ذاكرة الأخطاء، كتب فيه العربي، عثراته، وأخطاءه، وغباءه.. باللهجة نفسها والأسلوب ذاته، الذي يحب أن يتحدث فيه الآخرون عن نجاحاتهم، وعن «فتوحاتهم الوهمية».

ويعد الكتاب فرصة لأي شخص يخطط لأن يكون صحافياً أو كاتباً، أن يكتشف بنفسه تلك الدروس الحياتية والعملية والواقعية، وأن يقف بنفسه على تلك الأخطاء والهفوات، التي يجب أن لا يرتكبها أو يقع فيها.. وتلك المطبات والحفر، التي يجب أن ينتبه إليها، حتى لا يجد نفسه في أعماقها.. ويعتبر «ذاكرة الأخطاء» كتيباً يتضمن دروساً تفتح عيني القارئ على متاعب المهنة، وحقيقة المشتغلين فيها، وبها، وتتضمن دروسا وتجربة حياة. ويعتبر العربي محمودي في مقدمة كتابه «ذاكرة الأخطاء» أن الصحافي، وكل من يعمل في مجال الإعلام، يرى قلمه أو صوته أو حتى رأيه بعيدا عن النقد، وفي نشوة البدايات، يعتقد أنه يملك حق جلد الآخرين، دون أن يكون لهم حق الرد، رغم أنه مكفول في كل قوانين الإعلام، ويعيش حالة من النرجسية.. يستعمل سطوة الكلمة لتلوين الحقائق بألوان وردية، متجاهلا جوانب الظلام، رغم أن الحقيقة تبقى حقيقة، مهما حاولنا إخفاءها. ويعتبر المؤلف، أن ذاكرة الأخطاء، تحفظ ذكريات ارتأى أن يعيشها مجدداً، ومحطات أراد أن يتوقف عندها، لأنها حملت في طياتها كثيراً من الأخطاء، لاسيما في البدايات.. استبعد منها الإشادات التي وصلته، وحتى الجوائز التي نالها، ووضعها على رف الأرشيف، مع الجزء المملوء من كأس الإيجابيات؛ لأنه تعلم من الحياة، أن الحديث عن البطولات لن يفيد، ففي مرارة الهزائم، تكمن العبرة والنضج.. إنها الدروس القاسية التي تصقل الإرادة، وتنمي الشخصية، وتصنع الخبرة. واستعار العربي محمودي من الرسام تقنية الظل، حتى تكون الصورة واضحة مجسمة، تستشعر منها اتجاه الضوء.. ظل يلبس اللون الأحمر، ليس اختياراً اعتباطياً، بل لأنه لون الشغف والعاطفة، ويحمل في طياته تحذيراً وتوجيهاً، ليقف صوتاً داخلياً ينادي المرء: «تمهل، وتفكَّر». فالورود قد تصبح أشواكاً، إذا غرست في غير تربتها.. والأشواك قد تتحول إلى ورود، إن أريد بها إزاحة باطل من طريق غافل.

ويتضمن الكتاب أربع عشرة قصة، تشابكت خيوطها لتروي مسيرة لا تزال مستمرة. قصص ليست بمثابة مذكرات لاستعراض نجومية صاحبها، وليست درساً أكاديمياً، بل مجرد خلاصات لما مرّ به الكاتب. وذاكرة الأخطاء هي قصص بمثابة لوحات إرشادية، وضعها العربي محمودي لتفادي الكثير من المطبات والمنعرجات التي قد تواجه الصحافي في بداية مشواره. ويتضمن «ذاكرة الأخطاء» قصصاً من الواقع حفظتها الذاكرة، لم يتصرف فيها الخيال، واعتبرها العربي محمودي طريقته الخاصة للتعبير عن عشقه لمهنة المتاعب.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي