انقراض أكبر قرد في كل الأزمنة يعود إلى عدم تكيّفه مع تحوّلات بيئته  

أ ف ب-الامة برس
2024-01-11

 

 

رسم فني لمجموعة من قرود "جيغانتوبيثيكوس بلاكي" وفرته جامعة ساوثرن كروس في 9 كانون الثاني/يناير 2024 (أ ف ب)   أظهرت دراسة نُشرت نتائجها الأربعاء10يناير2024، أن عدم تمكّن قرد جيغانتوبيثيكوس العملاق من التكيّف مع التغيّرات في بيئته كان سبباً في انقراض هذا الحيوان قبل أكثر من 200 ألف عام، بعدما عاش زمناً طويلاً في غابات آسيا.

وشكّل انقراض جيغانتوبيثيكوس البالغ طوله ثلاثة أمتار ووزنه ما بين 200 و300 كيلوغرام ويُعدّ تالياً أكبر الرئيسيات في كل الأزمنة، أحد الألغاز الكبرى في علم المتحجرات، منذ اكتشاف الآثار الأولى لهذا الحيوان في ثلاثينات القرن العشرين.

وبدأت الأبحاث في هذا الشأن عندما عثر عالم متحجرات ألماني لدى صيدلاني في هونغ كونغ على ضرس "أضخم ثلاث إلى أربع مرات من ضرس أي قرد كبير، أثار فضوله"، على ما أفاد الأستاذ في جامعة ساوذرن كروس الأسترالية رينو جوان بوايو، أحد معدّي الدراسة المنشورة في مجلة "نيتشر".

ولم يترك "جيغانتوبيثيكوس بلاكي" وراءه إلاّ عدداً قليلاً من الأسنان وعظام الفكّين، عُثر على المئات منها في كهوف بمقاطعة غوانغشي في جنوب الصين.

إلاّ أن العلماء لم يتمكنوا رغم الحفريات التي استمرت عشر سنوات من تحديد زمن انقراض هذا النوع وتاريخه، بحسب المعدّ المشارك في الدراسة البروفيسور ينغكي تشانغ، من معهد علم المتحجرات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم. 

وبدلاً من التحقيق في كل موقع على حدة، فضّل فريق من العلماء الصينيين والأستراليين والأميركيين حصر عملهم باثنين وعشرين كهفاً في الصين، بعضها لم يسبق التنقيب فيه، تحتوي على أسنان متحجرة، أقدمها يعود إلى مليوني سنة، وأحدثها إلى نحو 250 ألف سنة.

واعتمد العلماء نهجاً يجمع بين ستة طرق مختلفة للتأريخ، من بينها تحليل الرواسب بتقنية التألق المحفز بصرياً التي تتيح معرفة تاريخ تعرّض هذه الرواسب لضوء النهار آخر مرة. ومن الوسائل الأخرى التي اتُّبِعَت، تأريخ حبوب اللقاح الذي يبيّن تطور الغطاء النباتي. وهدفت المزاوجة بين هذه التقنيات إلى "الحصول على تسلسل زمني كامل لبيئة كل من هذه المواقع، بما فيها تلك التي لم يعد يظهر فيها جيغانتوبيثيكوس بلاكي"، وفق ما أوضح البروفيسور جوان بوايو، الخبير في الكيمياء الجيولوجية.

وأتاحت النتائج التي توصّل إليها الباحثون تحديد "نافذة" زمنية لانقراض هذا النوع، ترجّح حصوله قبل 295 ألف سنة إلى 215 ألفاً، أي بالتزامن مع حقبة واسعة من الدورات الجليدية تُسمى العصر البليستوسيني الأوسط، شهد خلالها العالم انخفاضاً في درجات الحرارة. 

- "خطأ فادح" -

وبالتالي، أدت الفصول التي أصبحت أكثر تبايناً إلى "تحولات في الغطاء النباتي تسببت بنقص في الفاكهة" في الغابات الاستوائية الكثيفة التي كانت القرد العملاق يستوطنها، بحسب ما شرحت المعدّة المشاركة للدراسة الباحثة كيرا ويستواي من جامعة ماكواري في أستراليا.

ونظراً إلى أن المنطقة التي كان "جيغانتوبيثيكوس بلاكي" يبحث فيها عن مصادر تغذيته أصبحت متناثرة، لجأ إلى أغصان الأشجار ولحائها بدلاً من أرضيات الغابات. ولاحظ ينغكي تشانغ في مقابلة مع وكالة فرانس برس في بكين، أن الحيوان "ارتكب خطأً فادحاً عندما اعتمد هذه الأغذية، وهي غنية بالألياف وذات قيمة غذائية أقل".

وحال طول هذا القرد دون تمتعه بخفة الحركة اللازمة للعثور على موارد غذائية أكثر تنوعاً. وتفاقم هذا العائق لأن "المفارقة أن طوله زاد" بمرور الوقت، بحسب كيرا ويستواي.

وبفعل معاناته "إجهاداً مزمناً على المدى الطويل" تتيح الأسنان ملاحطته، انخفض عدد هذه القرود تدريجاً إلى أن انقرضت.

وفي المقابل، صمدت قردة أورانغوتان (المعروفة أيضاً بإنسان الغاب) من نوع Pongo weidenreichi، وهي قريبة من جيغانتوبيثيكوس وعاشت في العصر نفسه. ويعود تمكنّها من البقاء إلى كونها أقصر قامةً وأكثر مرونة، ما أتاح لها التحرّك بسهولة أكبر في الغابات وجمع أغذية متنوعة، كأوراق الشجر والجوز والحشرات والثدييات الصغيرة وسواها. وتعزز طلاقة حركتها بفعل تناقص طولها مع الوقت، خلافاً للقدرة العملاقة.

ولم تكن قرود جيغانتوبيثيكوس الحيوانات الضخمة الوحيدة التي انقرضت في العصر البليستوسيني. وقالت كيرا ويستواي  إن درسَ هذه الانقراضات التي لم يتم بعد تحديد ظروفها وأسبابها "يتيح فهم آليات البقاء لدى الحيوانات الكبيرة، في الماضي وفي المستقبل، في وقت يلوح في الأفق خطر الانقراض الجماعي السادس" منذ ظهور الكائنات الحية.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي