لا رغبة لإيران وحزب الله في التصعيد.. لكن "مقامرة إسرائيل" قد تشعل الحرب مع لبنان

الأمة برس
2024-01-05

دخان يتصاعد من منطقة علما الشعب في جنوب لبنان بعد قصف إسرائيلي في 12 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (ا ف ب)

سلطت مجلة "الإيكونوميست" الضوء على تصاعد احتمالات اندلاع حرب واسعة النطاق بين إسرائيل ولبنان رغم عدم رغبة إيران وحزب الله في حرب واسعة النطاق، مشيرة إلى أن مظليين تابعين لجيش الاحتلال ينتشرون على بعد مسافة قصيرة أعلى سفح الجبل المشجر جنوب السياج الحدودي، في عشرات من المعسكرات المموهة.

وعلى الرغم من هدوء المشهد، إلا أن المخاطر تتصاعد بسرعة لاندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله، خاصة منذ اغتيال القيادي بحركة حماس، صالح العاروري، في 2 يناير/كانون الثاني، بضاحية بيروت الجنوبية، المعقل الرئيسي للحزب، حسبما أورد تقرير للمجلة البريطانية.

ورد حزب الله بإعلان أن عملية القتل لن تمر دون "عقاب" وإنه "يضع إصبعه على الزناد"، وحتى قبل هذه الضربة، أعرب بعض المسؤولين الأوروبيين عن قلقهم من احتمال اندلاع حرب على الجبهة اللبنانية في غضون أيام أو أسابيع.

ومما زاد من التوتر وعدم اليقين وقوع انفجارين في 3 يناير/كانون الثاني في مدينة كرمان الإيرانية أسفرا عن مقتل ما يقرب من 100 شخص بالقرب من قبر قائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.

وتشير المجلة البريطانية إلى أن مؤشرات ارتفاع مخاطر الحرب على الحدود اللبنانية ظهرت لأول مرة في الساعات التي أعقبت هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إذ كانت إسرائيل تخشى من أن ينفذ حزب الله ضربة مماثلة.

وإزاء ذلك، أرسل جيش الاحتلال مئات الآلاف من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم في ذلك اليوم إلى الشمال. وبحلول الليل، تم نشر فرق كاملة بالقرب من الحدود، المعروفة باسم الخط الأزرق.

وكان كبار المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، بما في ذلك وزير الجيش، يوآف جالانت، يفضلون تنفيذ هجوم وقائي على حزب الله. وظل ذلك على المحك حتى انضم بيني جانتس، الجنرال الأكثر واقعية، إلى الحكومة في 11 أكتوبر/تشرين الأول، كما لعبت مطالبات الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بضبط النفس، دوراً في إقناع الإسرائيليين بالانتظار.

وما تلا ذلك كان عبارة عن سلسلة مميتة من الضربات المتبادلة، حيث أطلق حزب الله صواريخ وطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية، وشنت إسرائيل هجمات مضادة.

 وفي أغلب الأحيان، ضرب الجانبان أهدافًا قريبة من الحدود، وفقًا لقواعد اشتباك ضمنية جرى وضعها على مر السنين، ليفر عشرات الآلاف من المدنيين على الجانبين من القتال. وتحولت مدن مثل: شلومي وكريات شمونة في إسرائيل إلى مدن أشباح.

وهناك سابقة لهذا الوضع، ففي عام 2006، شن حزب الله غارة عبر الحدود، حيث هاجم دورية تابعة للجيش الإسرائيلي، ما أسفر عن مقتل 5 جنود وخطف جثتين. وسرعان ما تصاعد الصراع إلى حرب استمرت 34 يومًا.

وشن الجيش الإسرائيلي عملية برية واسعة النطاق داخل لبنان، لكن حزب الله قاومها حتى وصلت إلى طريق مسدود، فيما كان لبنان هو الأكثر معاناة، حيث قُتل أكثر من ألف مدني وألحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية.

ونجح حزب الله في بناء ترسانة هائلة تضم حوالي 150 ألف صاروخ، بينها بضع مئات لديها المدى والدقة اللازمة لضرب أي مكان في إسرائيل.

ويتباهى الحزب بأن لديه ما يصل إلى 100 ألف مقاتل، اكتسب العديد منهم خبرة قتالية حديثة في سوريا، حيث دعم حزب الله نظام بشار الأسد طوال عقد من الحرب الأهلية.

كبح الجماح

وهذه أسباب قوية تدفع إسرائيل إلى تجنب حرب شاملة، ولكن في أعقاب الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، يعتقد بعض كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أن بلادهم لا يمكنها السماح ببقاء مثل هذه التهديدات على حدودها، وأن على إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة، خاصة أن قوة الرضوان، التابعة لحزب الله، تم تدريبها على مهاجمة الأراضي الإسرائيلية بنفس التكتيكات التي استخدمتها حماس في هجومها على المستوطنات الإسرائيلية وقواعد الجيش.

ويلاحظ القادة الإسرائيليون البلدات الفارغة على الحدود ويقولون إن المهمة بالنسبة لهم "لم تكتمل طالما أن مدنيينا لا يستطيعون العودة إلى ديارهم بسلام وحزب الله لا يزال على الحدود".

ويقول مسؤولون غربيون إن الجيش الإسرائيلي لديه القدرة العسكرية على فتح جبهة ثانية، حتى أثناء استمرار الحرب في غزة، وتطويق مواقع حزب الله بالقرب من الحدود بسرعة في غضون ساعات.

ورغم أن اندلاع حريق أوسع نطاقاً بدا في بعض الأحيان أمراً لا مفر منه، إلا أن الجهود المبذولة لنزع فتيل الوضع لا تزال مستمرة، فقد سحب حزب الله مقاتليه من المواقع الواقعة على السياج مباشرة إلى مواقع تبعد حوالي 2-3 كيلومتر عن الحدود، لكن قد يكون ذلك مجرد تراجع تكتيكي.

وفي الوقت نفسه، خفض الجيش الإسرائيلي مستويات قوته بشكل طفيف، على الرغم من أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ولدى كلا الجانبين أسباب مقنعة لتجنب التصعيد، إذ تخوض إسرائيل حملة دامية على الأرض في غزة وفقدت نحو 1400 مواطن وجندي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، فيما يعلم حزب الله أنه لن يكتسب شعبية من خلال دعوة إسرائيل للانتقام منه، خاصة أن العديد من اللبنانيين يتذكرون الدمار الذي خلفته الحرب في عام 2006 ويشاهدون الدمار الذي لحق بغزة، حيث قتل أكثر من 22 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين.

أما إيران، فهي غير راغبة بتبديد استثماراتها في حزب الله، الذي يشكل رادعاً لأي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية، ومع ذلك فهي تستخدم وكلائها بحرية في أماكن أخرى من المنطقة لإبقاء إسرائيل في حالة توتر.

وأطلقت الجماعات، المدعومة من إيران، صواريخ على إسرائيل من سوريا واليمن، بينما تهاجم في العراق القوات الأمريكية. كما شن الحوثيون، الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن، هجمات على سفن الشحن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر.

وتحاول قوة عمل بحرية دولية، بقيادة أمريكا، حراسة السفن المبحرة عبر مضيق باب المندب، لكن خطوط الشحن الرئيسية تغير مسارها حول جنوب أفريقيا، ما يؤدي إلى رحلات أطول وأكثر تكلفة. وأسقطت السفن الحربية الغربية عددًا من صواريخ الحوثيين وأغرقت عددا من زوارقهم الصغيرة، ومع ذلك تجد أمريكا صعوبة في الحفاظ على انتشارها الضخم في المنطقة، والذي ساعد في إخماد الأعمال العدائية.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت الولايات المتحدة سحب حاملة طائرات من المنطقة، وتخشى إسرائيل من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف ردع إيران أو حزب الله عن مهاجمتها.

وإزاء ذلك، وجهت إسرائيل ضربات إلى دمشق، في 25 ديسمبر/كانون الأول، وأدت غارة جوية إلى مقتل راضي موسوي، وهو عميد في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وعمل لسنوات عديدة كحلقة وصل بين الحرس الثوري وحزب الله والجماعات المسلحة الأخرى في المنطقة.

قرار 1701

ومع تزايد التوتر على الحدود اللبنانية، قام مستشار مقرب من الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بزيارة إسرائيل ولبنان بشكل متكرر في محاولة للتوسط باتفاق من شأنه نزع فتيل الوضع على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي صدر في نهاية حرب عام 2006.

ويبقي هذا القرار قوات حزب الله شمال نهر الليطاني، الذي يمتد تقريباً بموازاة الحدود، على بعد حوالي 29 كيلومتراً إلى الشمال، لكن الجيش اللبناني وقوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، والمكلفة بتنفيذ القرار، فشلا في القيام بذلك.

وتدعي إسرائيل أنه منذ عام 2006 قام حزب الله بوضع مئات من منصات إطلاق الصواريخ في المباني المدنية في جميع أنحاء جنوب لبنان في تحد لقرار الأمم المتحدة. وفي ديسمبر/كانون الأول 2018، كشف الجيش الإسرائيلي عن 6 أنفاق عابرة للحدود حفرها حزب الله استعدادًا لهجمات مستقبلية.

كما أنشأ الحزب اللبناني نقاط مراقبة على طول الحدود تحت ستار منظمة بيئية تسمى "خضراء بلا حدود"، وتعرضت العديد من هذه المناطق للقصف الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

ولا تساعد السياسة المختلة في لبنان على المحادثات، إذ أن البلد بلا رئيس منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، ويديره منذ ذلك الحين حكومة تصريف أعمال.

ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق من نوع ما ليس مستحيلا، بحسب المجلة البريطانية، التي أشارت إلى أن إسرائيل ولبنان اتفقا، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، على ترسيم حدودهما البحرية للسماح باستكشاف واستغلال حقول الغاز البحرية في منطقة ادعى كل منهما أنها تنتمي إلى منطقته الاقتصادية الخالصة.

ورغم أن القادة على كلا الجانبين يطلقون تصريحات طنانة، إلا أنهم أثبتوا في الواقع أنهم حذرون، فقد مارس رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضبط النفس منذ فترة طويلة ردا على الهجمات عبر الحدود، كما بدا أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، متردداً في إثارة حرب أخرى بعد أن أخطأ في تقديره بأن إسرائيل لن ترد بقوة على غارة حزب الله في عام 2006.

وتتلخص المقامرة التي تقوم بها إسرائيل حاليا في المراهنة على أن نصر الله سيظل حذراً، حتى في ظل استهدافها لقادة حماس في لبنان، وأنه يفضل سحب قواته لما بعد نهر الليطاني بدلاً من المجازفة بخسارة هذه القوات في هجوم إسرائيلي، وهو ما عبر عنه مسؤول عسكري إسرائيلي بقوله: "يستطيع نصر الله احتواء ذلك. لا يزال ذلك خياره".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي