ماذا تبقى من غزة؟.. هكذا يدمر جيش الاحتلال كل عناصر الحياة

الأمة برس
2024-01-03

هكذا يدمر جيش الاحتلال كل عناصر الحياة (ا ف ب)

ألحقت الحرب الإسرائيلية دمارا هائلا بغزة، حتى أصبحت تشبه النسخة الثانية من المدن الألمانية المدمرة بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، بحسب تقرير لصحيفة "ذا وول ستريت جورنال" الأمريكية (The Wall Street Journal).

اعتقد فيصل الشوا أنه رأى أفضل وأسوأ ما تقدمه الحياة في غزة، فحين كان شابا قبل ثلاثة عقود من الزمن، كان غارقا في التفاؤل عندما تجمعت حشود ضخمة بمدينة غزة للترحيب بالزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد عودته من المنفى.

كان ذلك في صيف عام 1994، بعد عشرة أشهر من توقيع إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقيات أوسلو، و"هو إنجاز تاريخي كان الكثيرون يأملون أن يؤدي إلى تسوية مستدامة للصراع المستمر منذ عقود.. وآنذاك وعد عرفات، الذي اغرورقت عيناه بالدموع، بـ"وطن ديمقراطي حر"، وفقا للصحيفة.

ويتذكر الشوا قائلا: "أخيرا، لم نعد نرى جنودا إسرائيليين على أرض غزة. كان الأمر مذهلا".

وفي العام التالي، وبعد حصوله على شهادة في الهندسة المدنية من الولايات المتحدة وبدعم من والده، أسس الشوا شركة إنشاءات، ولكن بعد سنوات انهارت عملية السلام وحلت محلها دورات من العنف والتعافي المكلف.

ومع ذلك، تشبث الشوا بآماله واستمر في الاستثمار، وأصبحت أعمال البناء نقطة انطلاق لإمبراطورية أكبر شملت مصانع طوب وأسفلت وعقارات ومزارع دجاج وزيتون، ومبنى مكتبي يحمل اسمه.

وصمدت هذه الأعمال خلال أربع حروب بين إسرائيل وحركة "حماس"، التي تحكم غزة منذ يونيو/ حزيرن 2007، ولحقت أضرار بالمزارع والمصانع والمباني، لكن الشوا كان يعيد الاستثمار في كل مرة.

وفي عام 2006، فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية، وإثر انهيار حكومة وحدة وطنية في العام التالي، أصبحت الحركة سلطة أمر واقع في غزة، جراء خلافات لا تزال قائمة مع حركة "فتح"، التي تقود السلطة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس، في الضفة الغربية المحتلة.

ويعيش في غزة نحو 2.4 مليون فلسطيني يعانون حتى من قبل هذه الحرب من أوضاع كارثية؛ جراء حصار إسرائيلي مستمر للقطاع منذ أن فازت "حماس" بالانتخابات.

دمار وتهجير

لكن الشوا أُجبر على مغادرة منزله، وهو غاضب وغير قادر على فهم الدمار الكارثي الذي أحدثته القنابل والجرافات الإسرائيلية على مدى الأشهر الثلاثة الماضية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وردا على جرائم الاحتلال اليومية بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولاسيما المسجد الأقصى في مدينة القدس الشرقية المحتلة، شنت "حماس" في ذلك اليوم هجوم "طوفان الأقصى" ضد قواعد عسكرية ومستوطنات بغلاف غزة.

وقتلت "حماس" في الهجوم نحو 1200 إسرائيلي وأسرت حوالي 240، بادلت قرابة 110 منهم مع دولة الاحتلال، التي تحتجز في سجونها نحو 8600 فلسطيني، وذلك خلال هدنة استمرت أسبوعا حتى 1 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بوساطة قطرية مصرية أمريكية.

وقال الشوا: "فقدنا ثروتنا؛ الآن نحن لاجئون. ليس لدينا أموالنا ولا يمكننا الحصول على ملابسنا من منزلنا.. كل استثماراتنا ومصانعنا دُمرت".

وحتى أمس الثلاثاء خلّفت حرب الاحتلال على غزة 22 ألفا و185 شهيدا، و57 ألفا و35 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

وبعيدا عن ارتفاع عدد القتلى، بحسب الصحيفة، فإن الحرب دمرت جميع عناصر الحياة من مدارس ومكتبات ومخابز وشركات، ويخشى السكان من أنه لن يكون هناك ما يعودون إليه عندما تصمت المدافع.

وقال الشوا: "إنهم (الإسرائيليون) يريدون جعل غزة غير صالحة للعيش، حتى لو سُمح لنا بالعودة غدا، كيف سنعيش؟.. إنهم يدمرون منازلنا واستثماراتنا ومصانعنا وأشجارنا والبنية التحتية.. كل شيء".

واقترح وزراء في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة تهجير سكان غزة قسرا، إذ قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش في تصريح إذاعي قبل أيام: "إذا كان يوجد ما بين 100 ألف إلى 200 ألف عربي في غزة وليس مليونين، فإن الحديث عن "اليوم التالي" (للحرب- مستقبل غزة) سيكون مختلفا تماما"، كما زادت الصحيفة.

وقالت إن "العديد من سكان غزة يعتقدون أن إسرائيل تريد دفعهم جنوبا إلى مصر. وفي الأسابيع الأولى من الحرب، سعت حكومة نتنياهو إلى إقناع القادة الأوروبيين بالضغط على مصر لقبول اللاجئين".

وعلى الرغم من تأكيد القاهرة أنها لن تقبل التهجير القسري إلى أراضيها، إلا أن المخاوف لا تزال قائمة، ويخشى الفلسطينيون تكرار نكبة عام 1948، عندما تم تهجير حوالي 750 ألف منهم في عام 1948 حين أُقيمت إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة.

الصحيفة لفتت إلى أن حوالي 1.7 مليون من سكان غزة هم من نسل أولئك الذين فروا من منازلهم قبل 75 عاما، وصنفتهم الأمم المتحدة كلاجئين، وداخل غزة، أُجبر أكثر من 85% من السكان، نصفهم تقريبا تحت سن 18 عاما، على النزوح إلى الجنوب.

خطة مارشال

ووفقا للأمم المتحدة، تم دفع ربع السكان نحو المجاعة. ويصطف الناس لساعات طويلة للحصول على الخبز أو لاستخدام المرحاض، ولا يعرف الكثيرون ما إذا كانت منازلهم لا تزال قائمة.

وتضررت أو دمرت أكثر من 60% من الوحدات السكنية، بحسب الأمم المتحدة، إلى جانب مئات المدارس وعشرات المساجد والطرق والمخابز والمحلات التجارية وآلاف الشركات، وأكثر من نصف المستشفيات لم تعد تعمل.

وقال غسان أبو ستة، جراح بريطاني فلسطيني عمل في غزة: "انظروا كيف تم تفكيك المستشفيات الواحدة تلو الأخرى".

وبحسب مخيمر أبو سعدة، أستاذ العلوم السياسية المشارك في جامعة الأزهر بغزة، فإن وضع غزة "يشبه النسخة الثانية من المدن الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.. هذه هي غزة الآن، تحتاج إلى بناء كل شيء من الصفر".

ويعتقد أبو سعدة أن غزة، مثل ألمانيا ما بعد الحرب، ستحتاج إلى خطة مارشال خاصة بها. لكن لا أحد يعرف من سيمولها.

وخطة مارشال هو خطة اقتصادية أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال، لمساعدة الدول الأوروبية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية، عبر تقديم هبات عينية ونقدية وحزمة من القروض طويلة الأمد.

وقال دبلوماسي عربي للصحيفة إن دول الخليج الغنية بالنفط، بما فيها السعودية والإمارات وقطر، يمكن أن تساعد في تمويل إعادة الإعمار، لكنهم "لن يستثمروا ما لم يعرفوا كيف سيكون الوضع بعد الحرب.. هم بحاجة إلى رؤية أمل حقيقي في حل الدولتين، ولن يستثمروا إذا كان سيتم تدمير جديد بعد شهرين أو ثلاثة أشهر".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي