«كبسولة» يمنية: الحلم في مهمة صوب 2050

2024-01-01

أحمد الأغبري

كتاب صغير في 75 صفحة من القطع المتوسط، تحفل صفحاته بعشرة أحلام تزدهي بها عشرة مقالات تنشد تطوير اليمن، من خلال رؤى عشرة كُتاب شباب لبلدهم عام 2050. الفكرة جاءت خلال مرحلة حرب؛ وبالتالي فإن أهميتها تتعاظم مع تطاول الخسائر التي يُمنى بها هذا البلد المحترب، منذ تسع سنوات.

مما سبق فإن الحلم النابت على النزف يمثل بصيص ضوء في واقع شديد العتمة؛ ما يجعل من هذا البصيص دافعا للخروج من النفق المظلم الذي دخلته البلاد منذ عام 2015. القارئ لهذه المقالات، وهي تتطلع لما سيكون عليه هذا البلد بعد 27 سنة، يشعر بخصوصية التجربة، ليس في كونها حلما، بل أيضا في اشتغالها على الخيال وفق رؤية واضحة طموحة محمولة في وعاء من التفاؤل المرصع بالإيمان في إمكانية تحقق هذا الحلم؛ وهذا كان شرطا لتخصيب الحلم.

يحاول هذا الكتاب في مرحلة أكثر تعقيدا يمر بها البلد، أن يعلن أهمية فكرة أن يكون هناك حلم، باعتبار أن الحلم لا بد من أن يتقدم ناصية أي أمة؛ فالحلم وحده مبتدئ الرحلة صوب المستقبل؛ وغياب هذا الحلم يعني أن البلد يسير دون هدى؛ وبالتالي من الطبيعي أن يقع فريسة لهوى السلطة وآلهة المشاريع الصغيرة وبيادق المشاريع الكبيرة؛ وبالتالي يتحول المجتمع، بل والبلد بكل إمكاناته إلى ملكية خاصة لرافع معول القوة والقادر على تحقيق الغلبة.

وجدي الأهدل طرح الفكرة، وموّل المشروع الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع معهد جوته، وانطلقت المهمة، التي قد تبدو صعبة في بلد مثل اليمن، يعيش مرحلة بلا راية تؤِّمن له الطريق، وترنو له المآل، الذي يضمن له النجاة والعافية والتطور، كمحصلة للنجاة والعافية بمستوياتها المختلفة. يقول وجدي:» لقد لاحظتُ أن اليمنيين ينقصهم (حلم مشترك) يتفق الجميع على الإيمان به، ومن ثم توحيد كل الجهود للمضي خطوة تلو الأخرى في سبيل جعله واقعا. من هنا انبثقت فكرة مشروع كتاب «كبسولة زمنية. رؤية شباب اليمن لعام 2050» بهدف خلق حلم – هدف يسعى إليه كل يمنيّ محب لبلده».

تم الإعلان عن الفكرة، وتقدم للمساهمة في الكتابة عددٌ كبير من الكتاب الشباب، واختير منهم عشرة من الجنسين. القارئ لفضاءات المقالات العشر، التي ضمها الكتاب يشعر بأهمية مهمة الكتابة في تحديد الوجهة والتحكم بحركة الشراع باعتباره قادرا على تحديد الاتجاه وقوة الحركة؛ وكم كانت الكلمات صادقة؛ لأنها تنطلق من واقع نازف وحياة مضطربة، يقابل كل ذلك نزوع نحو التطوير ومستقبل مشرق يتجاوز من خلاله اليمن هذه المآزق التي لا نهاية لها في المرحلة الراهنة.

تنقلت الأحلام العشرة بين التحول الديمقراطي، وتكريس ثقافة حقوق الإنسان، إلى قراءة واعية في مفاعيل النهضة التي يعيشها اليمن عام 2050 بدءاً من ميثاق قومي ودستور عصري والنهضة العمرانية والإصلاح الاجتماعي. قبل ذلك لامس الكتاب ما تحقق من خطوات صوب الحياة المدنية، علاوة على الحياة الذكية التي مثلت صنعاء نموذجا للمدن الذكية في البلد على صعيد التطور التقني. سافرت الأحلام إلى معظم مجالات التحديث بما فيها شبكة القطارات ومسار المواصلات، بموازاة ما تحقق في تجاوز فجوات التخلف والجهل، وإنجاز تحول نوعي في التعليم، وتحقيق قفزات في الارتقاء بالوعي الجمعي والمجتمعي في علاقته بالآخر، والقبول به والتعايش معه؛ وهو ما تجلى بوضوح في علاقة المجتمع بالفنون كعنوان لتكريس إنسانية الحياة، وصولا إلى ما تحقق من تطور في مهن مختلفة؛ وهو تطور ارتكز على تعزيز وتيرة البحث العلمي في المجالات كافة، إلخ.

كلها أحلام لكنها قابلة للتحقق «وحتى الأحلام التي تبدو مستحيلة تتحقق عندما نؤمن بها ونسعى لتحقيقها».

ما يجب قوله إن هذا الكتاب الصغير الصادر عن دار عناوين بوكس في القاهرة جدير بأن يكون في مكتبة كل مدرسة في اليمن، ليمثل نبراساً لأحلام الناشئة في بلد أوشكت الحرب أن تنال من وعيه الإنساني، وقدرته على عيش حاضره برؤية تتطلع للحق والخير والجمال، ما بالك بأن يعيد تحديد اتجاه بوصلة مستقبله؛ وهنا نؤكد ضرورة أن يمتلك اليمن زمام حلمه، ويسعى جميع أبنائه إلى تحقيقه.. فمتى ما أبصر اليمن ما ينتظره سيسعى لتحقيقه. مثل هذه الكتب تمثل دليلا ليس لامتلاك الحلم، بل أيضا ترشد القارئ كيف يجب أن يحلم، وأهمية أن يتسلح بالحلم، ويترك نفسه مع الحلم في حركة دائبة داخل المجتمع، باعتباره في مهمة خاصة (هي الحياة) فإذا لم تكن فاعلاً في مهمة خاصة لتحقيق الحلم فما عساك أن تكون سوى كابوس تعيق نهضة بلدك!








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي